في صباح هادئ، جلست ليلى في زاوية غرفتها الصغيرة، محاطة بالألوان والرسومات. كانت تفضل البقاء بعيدة عن الضوضاء في المنزل، حيث كانت أمها غارقة في أعمالها. ليلى لم تكن كثيرة الكلام، بل كانت تعبر عن نفسها بوسيلة مختلفة – بالألوان والخطوط على ورق الرسم.
أمسكت بقلمها الرصاص وبدأت ترسم فتاة صغيرة تحمل لافتة فارغة، ملامحها حزينة رغم ابتسامتها المتوارية. رسمت فوقها سماءً ليست كما نعرفها – الشمس والغيوم متداخلة بلا ترتيب، كأنها تعكس التناقض الداخلي الذي تشعر به ليلى. تلك الفتاة لم تكن إلا انعكاساً لها؛ تبحث عن شيء مفقود، عن اهتمام لم تجده بعد.
في المدرسة، كانت ليلى تجلس بمفردها، تراقب زميلاتها يتبادلن الضحكات والنقاشات، لكنها لم تكن تشعر بالرغبة في الانضمام إليهن. شعور بالعزلة كان يحيط بها، وكأنها محاصرة بجدار غير مرئي يفصلها عن الجميع. رسمت في دفترها مشاهد لعالم مختلف، عالم تسيطر فيه على واقعها، تجد فيه الأمان الذي يغيب عنها.
كانت تحب رسم الأشياء الثابتة – الأكواب، الصحون المزخرفة، والمزهريات الفارغة. تلك الأشياء الهادئة كانت تعكس صمتها الداخلي. رسمت تفاصيل معقدة بدقة غريبة، وكأنها تهرب من فوضى الحياة إلى النظام الدقيق الذي تختاره بريشتها. تلك الرسومات لم تكن مجرد صور عابرة، بل كانت نوافذ على مشاعرها المكبوتة، غضبها من الوحدة ورغبتها العميقة في التواصل.
ذات يوم، رسمت بيتاً صغيراً داخل ثمرة فراولة ضخمة. كان البيت مغلقاً والنوافذ مسدودة. تلك الرسمة لم تكن مجرد خيال بريء؛ كانت صرخة صامتة تطلب فيها الأمان، رغبتها في الانسحاب من عالم كبير لا تفهمه إلى مكان ضيق وآمن يحميها من الوحدة والخوف.
لكن، ماذا لو رأينا هذه الرسومات بنظرة أعمق؟ ماذا إذا كانت رسومات ليلى تحمل في طياتها إشارة لمستقبل مليء بالإبداع؟ رغم شعورها بالعزلة، كانت موهبة ليلى الفنية واضحة كالشمس خلف الغيوم. التفاصيل الدقيقة في كل رسم كانت تشير إلى إمكانيات إبداعية لم تُكتشف بعد، إمكانيات قد تقودها يومًا ما لتصبح فنانة أو مصممة مبدعة.
ربما يكمن الحل في توجيه ليلى نحو الفن بشكل أعمق، لتتحول رسوماتها من وسيلة للهروب إلى جسر يربطها بالعالم الخارجي. في أحد الأيام، بينما كانت تمسك بفرشاتها لتبدأ رسمة جديدة، أدركت ليلى شيئاً جديداً؛ هي لا ترسم فقط لتفرغ مشاعرها، بل لتبني عالماً خاصاً بها. عالمٌ تستطيع من خلاله أن تعبّر عن كل ما تعجز عن قوله.
وربما في المستقبل، تلك المهارة التي تنمو مع الوقت ستأخذ ليلى بعيداً عن وحدتها. ربما ستقود مشروعاً إبداعياً أو تُقيم معرضاً فنياً يحمل قصص الأطفال الذين يشبهونها – أولئك الذين يجدون في الألوان والخطوط لغتهم الخاصة، التي لا يفهمها إلا من يقرأ ما وراء السطور.
21 2 دقائق