علم النفس

الأزمات الثلاث في الطفولة والمراهقة

الأزمات الثلاث في الطفولة والمراهقة التي تم ذكرها في مقالنا “ ما هي أزمات الطفولة والمراهقة؟ ” والتي  يعاني منها بعض

الأهالي، الذين يجدون أنّ الطفل لا يستجيب للأوامر المباشرة والتوجيهات المعارضة لهذه التوجهات، حان الآن وقت الإجابة على

التساؤل كيف نتعامل مع هذه الأزمات؟ وكيف نساعد أطفالنا على المرور في هذا البحر الهائج من فتن المراهقة وأزماتها دون أن

تفسد شخصياتهم ونفسياتهم وتخرّج لنا شابا فاشلا لا تنتفع به الأمة؟.

إن معالجة هذه الأزمات تستلزم المضيّ في خطّين تربويين:

الأول: يتعلق بكل أزمة من هذه الأزمات تفصيلا.

والثاني: خط عام يساهم في تخفيف وطأتها جميعا والنجاة من فسادها.

الخطّ الأول: كن قريبًا

يستلزم هذا الخطّ التربوي أولا تبنّي “التربية اللقمانية” (سأفرد لها حيّزا في آخر التدوينة)، أي تلك التربية التي نلاحظها في

خطاب لقمان الحكيم لابنه في القرآن الكريم، وتتّسم هذه التربية بالقرب والصداقة مع الطفل، وإيجاد مساحة من المحادثة

والمناقشة والتوجيه الرفيق القريب، أي مخاطبة عقل هذا الطفل في جميع ما يتعرض له، ورفع آفاق تفكيره إلى المستوى

“الكلّي”، لاطلاعه على هذه الأزمات بأعيانها وأسمائها.

فأما أزمة المظاهر والشكليات

فنحن بحاجة إلى خطاب يعزّز شخصية الطفل، نحتاج أن نحدّثه بأنّ شخصيته تتمثّل بأفكاره

ومبادئه ومواقفه وأخلاقه، لا بشكله وممتلكاته المادية، وأنّه سيكون “بطلا” حين يرضى عن نفسه حتى لو لم يرض الآخرون

عن شكله أو ممتلكاته، وأنّ الأهم من كل شيء هو رضى الله سبحانه وتعالى، وهذا يحتاج إلى ربط الطفل بمراقبة الله عز وجل

أكثر من مراقبة المجتمع، وإلى “تطنيش” كل رأي متطفّل لا يعجبه شكله أو نوعية ممتلكاته، فهذا شأنه الشخصي الذي يحدده

هو فقط وبناءاً على قناعاته وقدراته. هذه المفاهيم يمكن تبسيطها وشرحها للطفل، في حديث الأب/الأم الصديق/ة الرفيق/ة

الذي يملأه الحنان والدفء، بحيث يشعر الطفل بالاطمئنان إليه، والأهم من كل ذلك هو أن يصل هذا الخطاب بأوضح صورة إلى

عقلية الطفل، فهذا العقل الفطري الغضّ سيؤثّر فيه الخطاب العقلاني الحسن المتّسق، والذي يردّ للطفل شخصيته الضائعة

في المظاهر والشكليات.

وأما أزمة التقليد

فبمثل المنهج السابق ينبغي تعزيز ذاتية الطفل، ولا بأس باستخدام عبارات دعاة التنمية البسيطة “كن ذاتك”

و”كن أنت”، فهي على ابتذالها عندنا نحن الكبار؛ صادقة وحقيقية ومؤثرة في الأطفال والمراهقين، إلى جانب بيان أنّ الرجولة

والشجاعة تكمن في أن تكون حرّا في مظهرك لا عبدًا للآخرين منقادًا لاختياراتهم، بل ينبغي أن تكون قدوة في أخلاقك وسلوكك

ليتأثر بك الآخرون. وفي جانب تقليد القيم الغربية ينبغي تعزيز الانتماء إلى هذه الأمة وقيمها، وأنّ قيم دينها أرفع من القيم الغربية،

وأنّ هذه القيم الغربية ليست  معيارا نقيس به الأمور، بل هي قابلة للنقد والتمحيص.

وأما أزمة التفاهة والإغراق في الترفيه

 فهي بحاجة إلى ضبط حتى ولو بتخصيص أوقات للطفل لا الحرمان المطلق مما يحب

من الترفيه إلا لو كان مُضرّا أو حراماً، كما يحاول لفت نظره لاهتمامات وهوايات نافعة أخرى، وتحبيبه باهتمامات نافعة وبذل المال من

أجل ذلك سواء من خلال أطر معينة أو دورات، لا تركه فريسة لأتفه الاهتمامات التي يعج بها مجتمع الأطفال.

إنّ المشترك بين الأزمات الثلاث أنها جميعا أزمات يكون الطفل غائبا عن تصوّرها وعن خطورتها؛ نظرا لقصر تجربته في الحياة ولكونه

جزءًا من الظاهرة.

والمشترك في هذا الخط التربوي الذي أقترحه للتعامل معها أنّه يرفع أفق الطفل ليرى الأزمة بعد تعريفها وبيان خطورتها، ومخاطبة

عقله وروحه بضرورة الانتباه لها وعدم الغرق فيها وكيف أنها تسيء إلى شخصه. فهذا الخطاب يساهم كثيرا في الحدّ من وطأة هذه

الأزمات التي عمّت مجتمعات الأطفال والمراهقين. ولا ينبغي الاستهانة بهذا الخطاب والتقليل من أثره، فقط جرّبوا أن تكونوا قريبين

من أطفالكم أن تتحدثوا إليهم وأن تخاطبوا عقولهم الواعية وضمائرهم الحيّة.

الخطّ الثاني: عرّفه برسالته في الحياة كإنسان

ربما يكون هذا الخطّ هو الأقوى أثرا في معالجة جميع هذه الأزمات وغيرها، لكونه خطّا عامّا يغير حياة الإنسان بأسرها، وهو يتمحور

حول خطاب تربوي يسعى لتنشئة طفل يرى أنه كإنسان له دور مهم في هذه الحياة، رسالة ينبغي أن يحملها ويوصلها للبشرية،

مسؤولية كبيرة منوطة بهذا العقل النفيس وتلك النفس الكريمة. وإنّ تعاهد القرآن مع أطفالك مع الانتباه إلى أسئلة الفطرة والوجود

التي يجيب عنها، وغرس قيم التوحيد في نفس الطفل بشكل متدرّج بحسب كل جيل، ومساعدته على تكوين قناعة ذاتية بدوره في

حمل الرسالة؛ لهم المنطلقات التي تصنع الفارق وتسهّل الخروج من تلك الأزمات الثلاث.

د. فاطمة العقيلي

(ماجستير تربية وعلم النفس ليسانس تربية خاصة جامعة بنغازي-ليبيا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى