إن الحديث عن علم النفس الإرشــــــــــــــــادي يمكن تلخيصه في المقولة التالية: (أنك إذا ملكت أمور الناس برهبة القانون ، وسطوة العقاب ، فإنــــــــــــــهم قد يتجنبون الرذيلة ولكن عن غير تورع أو استحياء ، أما إذا أرشدتهم بالفضيلة ، وأشعت بينهم الحساسية الخلقية والعدالة الاجتماعية ، فـإنهم لن يلبثوا طويلا حتى يصبحوا أسوياء).
وبسبب التغيرات الأســــــــــــــــرية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن التقدم التكنولوجي والعلمي في مناحي الحياة فقد زادت حاجة الفرد والجماعة إلى العمل الإرشادي ، وحتى يقوم هذا العلم بدوره يجب أن يقوم به مختصون نفسانيون متمكنون .
وهذا التمكن لا يكون إلا إذا قاموا بتحصيل العلم الخاص بعلم النفس الإرشادي كاملا متناسقا وهذا ما نحاول تقديمه في سلسة من المقالات لتوضيح بعض المفاهيم حول الإرشاد النفسي ودوره وتعليمه.
أولاً تعريف علم النفس الإرشادي :
إن الإرشــــــــــــــاد النفسي هو عمليــــــــــة تشجيع المسترشد على أن يعرف نفسه ويكتشف قدراته ويصـــــــــــل إلى فهم كامل لذاته بحيث يستطيع أن يعمل شئياً لنفسه ويتعامل مع فرص الحياة بواقعية منطلقاً من قدراته وإمكاناته، والإرشــــــــــــــاد النفــــــــسي يحتاج إلى مرشد نفسي أو معالج نفسي متمرس في العمل الإرشادي حتى يستطيع أن يتعـــــــــامل مع المسترشد بقدرة وطاقة متمرن .
يعتبر علم النفس الإرشادي بكل مفاهيمه مجموعة إنسانية تتضمن عدداً من الخدمات التي تقدم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم وإدراك المشكلات التي يعانون منها ، والانتفاع بقدراتهم ومواهبهم في التغلب على المشكلات التي تواجههم ، مما يؤدي إلى تحقيق التوافق بينهم وبين البيئة التي يعيشون بها.
وقد عرّف كان -1978- علم النفس الإرشادي بانه عملية تحقيق الذات حيث يكشف الفرد استعداداته وقدراته مما يؤدي إلى توافقه وسعادته وصحته النفسية (حامد زهران 1983).
أما فون (1975): فقد عرف علم النفس الإرشــــــــــادي بـــــأنه عملية مساعدة الفرد في الاستعداد والإعـــداد لمستقبله وأن يأخذ مكانه المناسب الذي يعيش فيه ( حامد عبد العزيز الفقي 1988).
أما فولمر (1972): فقد عرف علم النفس الإرشـــــــادي بانه عملية مساعدة الفرد في تنمية إمكاناته وقدراته من خلال المشكلات ( حامد زهران 1982).
أما انجلش فيري بأن علم النفس الإرشادي هو علاقة يعمل فيها الشخص على مساعدة أخر في فهم مشاكله والسعي إلى حلها ، ويشمل ذلك مجالات التوافق والإرشاد التربوي والمهني والاجتماعي ( الداهري 2005 ).
أما هولدين (1971) فقد عرف علم النفس الإرشادي بانه علاقة مشكلات بين المرشد النفسي الذي يساعد المسترشد على فهم نفسه وحل مشكلاته ( كاظم العبيدي وآخرون ). (علم النفس الإرشادي – أحمد عبد اللطيف أبو سعد -ص 24-25).
وعرف علماء أخرون أن الإرشاد النفسي يهتم بالفرد السوي لمساعدته للتغلب على المشكلات التي تواجهه والتي لا يستطيع أن يتغلب عليها بمفرده والإرشاد يهتم بالفرد وليس بالمشكلة التي يعاني منها باعتبار أنـــــــــــــــه يستطيــــــــــــع أن يعالــــــــــــــج مشكلاتـــــــــــــه إذا لم يكـــــــــــن مضطربا انفعاليا .
وتدل هـــــــــــذه التعاريف العـــــــديدة على أهمية الإرشــــــــاد وقدرته على مساعدة الأفراد الذين يعانون من مشكلات انفعالية ويكون دور المرشــــــــــد واضحاً في المساعدة .
فـــالإرشـــــــــاد النفسي هو إنــــــــماء لإمكانيات المسترشد وقدراته وميوله من خلال المساعدة في حل المشكلات.
والإرشـــــــــــاد : هو عملية يتركز خلالها المسترشد والمرشد حول مشكلة يعاني منها الأول وهي علاقة إنسانية وجها لوجه بين الأول والثاني ، الأول يعاني مشكلة ولا يستطيع حلها لوحده فيطلب العون من الثاني لمساعدته وبما انه قادر على المساعدة لأنــــــــــه شخص متخصص ومهني مدرب على المساعدة يسود هذه العلاقة الود والتفـــــــــــاهم والاحترام والتقـــــــــبل وكل هـــــذا يؤدي إلى حل المشكلة وتحقيق الاتزان الانفعالي والاجتماعي والأكـــــــاديمي .
وقد حــــدد باترسون معنـــــــــــي الإرشـــــــــــاد وربطه بتغير السلوك فقال : التعلم تغير في السلوك ليس
بسبب النضج والإرشــــــــــــاد النفسي والعـــــــــــــــلاج محور اهتمام تغيــــير السلوك لذا يجب أن
يــــكون الإرشاد والعـــــــــــلاج لونا من التطبيق العمــــــــــلي للتعلم ولنظريات التعــــــــــلم.
وقد حدد باترسون الإرشاد النفسي على أنــــــــــــــه يساعد على التخلص من الحالات التي تحتاج إلى مساعدة ويهتم بالعلاقة الإرشادية والتي تساعد
أصــــــــــحاب الحــــــــالات وخصوصا الذين يملكون مشاكل تعيق تقدمهم وعن طريق العلاقة الإنسانية الجيدة نتخلص من المشكلات .
ويعرف على أنــــــــــــــــــه عملية بناءه تهـــــــــــدف إلى مساعدة الفـــــــــــرد لكي يفهم ذاته ويعرف خبراته ويحدد مشكلاته
وينمي إمكاناته ويحل مشكلاته في ضوء معرفته ورغبته وتعليمه وتدريبه لكي يصل إلى تحــــــــــديد أهـــــــــــــــدافه
وصحته النفسية والتوافق شخصيا وتربويا ومهنيا وأسريا وزواجيا . (الصحة النفسية والإرشاد النفسي ص 99-100).
ثانياً مبررات علم النفس الإرشادي :
إن الفرد والجماعة يحتاجون إلى التوجيه والإرشاد وكل فرد خلال مراحل نموه المتتالية يـــمر بمشكلات عادية وفترات حرجة يحتاج فيها إلى من يرشده .
ولقد طرأت تغيرات أسرية تعتبر من اهم ملامح التغير الاجتماعي ، ولقد حدث تقدم علمي وتكنولوجي كبير ، كما حدث تطور في التعليم ومناهجه ونحن الآن نعيش في عصر يطلق عليه عصر القلق وهذا كله يؤكد أن الحاجة ماسة إلى علم النفس الإرشادي .
وسوف نوضح باختصار هاته الفترات ونصل من خلالها إلى أهم المبررات التي جاء من أجلها علم النفس الإرشادي :
- فترات الانتقال :
يمر كل فرد خلال مراحل نموه بتغيرات انتقال حرجة يحتاج فيها إلى علم النفس الإرشادي واهم الفترات الحرجة عندما ينتقل الفرد من المنزل إلى المدرسة وعندما يتركها، ومن سن الرشد إلى سن القعود والشيخوخة .
إن فترات التنقل الحرجة هذه قد يتخللها صراعات وإحباطات وقد يلونها القلق والخوف من المجهول والاكتئاب وهذا يتطلب إعــــــداد الفرد قبل فترة الانتقال بسلام .( علم النفس الإرشادي – أحمد عبد اللطيف أبو سعد -ص 19)
- التغيرات الأسرية :
يختلف النظام الأسري في المجتمعات المختلفة حسب تقدم المجتمع وثقافته ودينه ، ويظهر هذا الاختلاف في نواح عدة مثل نظام العلاقات الاجتماعية …الخ.
- التغير الاجتماعي :
يشهد العالم في العصر الحاضر قدراً أكبر من التغير الاجتماعي المستمر السريع ، وتقابل عملية التغير الاجتماعي عملية أخري هي عملية الضبط الاجتماعي التي تحاول توجيه السلوك بحيث يساير المعايير الاجتماعية ولا ينحرف عنها ، وهناك الكثير من عوامل التغير الاجتماعي أدت إلى سرعته عن ذي قبل مثل : الاتصال السريع والتقدم العلمي والتكنولوجي وسهولة التزاوج بين الثقافات ونمو الوعي وحدوث التوازن والحروب .
ومن اهم ملامح التغير الاجتماعي :
- تغير بعض مظاهر السلوك، فأصبح مقبولاً بعد ما كان مرفوضاً من قبل، وأصبح مرفوضاً بعد ما كان مقبولاً من قبل .
- -إدراك أهمية التعليم في تحقيق الارتفاع على السلم الاجتماعي – الاقتصادي .
- -التوسع في تعليم المرأة وخروجها إلى العمل .
- -زيادة ارتفاع مستوي الطموح وزيادة الضغوط الاجتماعية للحراك الاجتماعي الراسي إلى اعلي.
- -وضوح الصراع بين الأجيال وزيادة الفروق في القيم والفروق الثقافية والفكرية وخاصة بين الكبار والشباب حتى ليكاد التغير الاجتماعي السريع يجعل كلا من الفريقين يعيش في عالم مختلف .(علم النفس الإرشادي- أحمد عبد اللطيف أبو سعد- ص 20).
- التقدم التكنولوجي والعلمي :
يشهد العالم الأن تقدماً علمياً وتكنولوجياً تتزايد سرعته في شكل متتالية هندسية ، ولقد أصبح التقدم العلمي والتكنولوجي يحقق في عشر سنوات ما كان يحققه في خمسين سنة .
ولقد حقق في الخمسين سنة الماضية ما حققه في الخمسين سنة السابقة والتي حقق فيها مثل ما حققه التقدم العلمي منذ فجر الحضارة ومن اهم المعالم الدالة على التقدم التكنولوجي :
- -زيادة المخترعات الجديدة .
- -تغيير الاتجاهات والقيم والأخلاقيات وأسلوب الحياة .
- -تغير النظام التربوي والكيان الاقتصادي والمهني .
- -زيادة التطلع إلى المستقبل والتخطيط له وظهور عالم المستقبل.
- ونحن نعلم أن التقدم العلمي يتطلب توافقا من جانب الفرد والمجتمع ويؤكد الحاجة إلى التوجيه وعلم النفس الإرشادي خاصة في المدارس والجامعات والمؤسسات الصناعية والإنتاجية من اجل المواكبة والتخطيط لمستقبل أفضل .
- تطور التعليم ومفاهيمه لقد تطور التعليم وتطورت مفاهيمه ، فيما مضي كان المعلم أو المتعلم أو الشيخ والمريد أو الأستاذ والطالب يتعاملون وجهاً لوجه في أعــــــداد قليلة ومصادر المعرفة والمراجع قليلة، وكان المدرس يهتم بنقل التراث وبالمادة العلمية يلقيها للتلاميذ ، وكانت البحوث التربوية والنفسية محددة وتعددت أساليبه وطرقه ومناهجه والأنشطة التي تنظمها .
- عصر القلق :
نحن نعيش في عصر القلق ويطلق عليه هذا الاسم لأن المجتمع مليء بالصراعات والمطامع ومشكلات المدينة وعلى سبيل المثال كان الناس يركبون الدواب وهم راضون ، والأن لديهم سيارات والطائرات ولكن غير راضين ، يتطلعون إلى الأسرع حتى الصاروخ ومركبات الفضاء.
إن الكثير في المجتمع الحديث يعاني من القلق والمشكلات التي تظهر الحاجة إلى خدمات علم النفس الإرشادي العلاجي في مجال الشخصية.( علم النفس الإرشادي أحمد عبد اللطيف أبو سعد ص 21).
ما بين التوجيه والإرشاد النفسي:
إن التوجيه أعم وأشمل من الإرشاد وهو جزء من العملية الإرشادية ،والتوجيه يسبق الإرشـــــــاد ويمهد لــــه ، وهو عملية عامة تهتم بالنواحي النظرية ، ووسيلة إعــــــــــلامية في أغلب الأحيان تشترط توفر الخبرة في الموجه وتعني بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب .
ويمكن القول إن اصطلاح التـــــــــوجيه في الوقت الحــــــــالي يقتصر على إعطــــــــــاء المعلومات كما أن المتخصصين قد اتفقوا على أن التوجيه يشمل عملية الإرشاد، في حين تبقي عملية الإرشـــــــــــــاد من اختصاص المرشد.
مفهوم التوجيه :
عرفه ميلر بأنه عملية تقديم المساعدة للأفراد لكي يصلوا إلى فهم أنفسهم واختيار طريقهم الصحيح والضروري للحياة وتعديل السلوك لغرض الوصول إلى الأهــــــــــداف الناضجة والذكية والتي تصحح مجري الحياة .
– وقد عرف أيضا على انه تمكين الشيء أو الكائن الحي من الوصول إلى هـــــــدفه .
– عرفه دونالد ج .مورتس : انه ذلك الجزء من البرنامج التربوي الكلي يساعد على تهيئة الفرص الشخصية وعلى توفير خدمات متخصصة بما يمكن كل فـــــــــرد من تنمية قدراته وإمــــكاناته إلى أقصي حد ممكن .
– وعرف على انه يقوم بمساعدة الفــــــــرد على التكيف للمواقف الراهنة سواء كانت شخصية أو اجتماعية أو دراسية أو مهنية ووضع خطة لمواجهة المواقف المماثلة في المستقبل أو مساعدة الفرد على النمـو بحيث يصبح قادراً على توجيه نفسه وتحقيق ذاته.
– تعريف دونالد ج مورنس : ذلك الجزء من البرنامج التربوي الكلي يساعد على تهيئة الفرص الشخصية وعلى توفيلر خدمات متخصصة ،بما يمكن كل فرد من تنمية قدراته وإمكانياته إلى أقصى حد ممكن . (الإرشاد التربوي :عدنان احمد الفسقوس 1428ه-2007).
فالتوجيه إذن عملية منظمة مخطط لها نسعى من خلالها إلى تحقيق الهدف المرسوم لها وهي ليست مجرد إعطـــــــــــاء نصح وإنـــــــما عملية تفاعل وتفاهم وأخذ بين الموجه والموجَه .( الصحة النفسية والإرشـــــــــــــاد النفسي – صلاح الدين العمرية- ص 97-98).
بوركتم