مقالات وآراء

البحث عن الله

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

تكمُن إجابة السؤال الصعب “لماذا نُبتلى” في إجابة السؤال كيف تبحث عن الله؟، والكثير يحاول في إجابته عن السؤال الأول أن يقدموا ردوداً مطمئنة وأحيانا مخيفة من حيث لا يشعرون، حين يخبرونك أن سهام القدر تختار الأفضل فالأفضل لتطهرهم .. فتشعر حينها بالخوف وتود لو تكون أسوء السيء حتى لا يصيبك مكروه.

لا اعترض على الفكرة ولكن اعترض فقط على طريقة تقديمها.

لماذا نُبتلى؟

لا يدرك إجابة هذا السؤال شخص لمجرد انه قرأ كثيراً في الكتب الدينية وتخرج بشهادة عليا في الدراسات الإسلامية واعتلى المنابر وحاضر مئات المرات عن الصبر والابتلاء، إن معرفة الله الحقيقية لا تأتي من خلال الكتب إنما من خلال التجارب القاسية وكلنا لدينا مثل هذه الفرص الثمينة لمعرفة الله حق المعرفة وهذا هو الهدف الحقيقي لكل ابتلاء، هو رحلة روحية نحو الله .

لن أحدثكم عن الجذب والنوايا والتوقعات ، ربما جذبت شيئا سيئا لحياتك من حيث لا تدري ثم إنه أصبح مزمنا ، كمرض أو إعاقة وأصبح لزاما عليك أن تتعايش معه .. والان وأنت وسط اختبارك الأقسى الذي أصبحت لا تملك سوى التعايش معه .. إلى هؤلاء تحديدا أتحدث .. لهم أقول إن النهايات السعيدة موجودة ولكن لها أشكال مختلفة ، ليست نهاية واحدة بذات الشكل وذات البهجة والمفاجأة ولكن بعضها نهايات سعيدة تنمو رويداً رويداً مع الوقت لتجد نفسك بعد سنوات سعيداً جداً رغم أن شيئا لم يتغير ورغم أن دعاءك لم يستجاب ..

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ:

ربما يجب أن نعيد تعريف معنى الإجابة ” ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ” ، الاستجابة تعني التفاعل مع طلبك والرد عليه ولا تعني بالضرورة تحقيق طلبك بالشكل الذي تريد تماما، وذلك لأن الله يقول “وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”..

إن من رحمة الله ألا يسلم حياتك لعلمك القليل، هل تعتقد أن الله الحكيم العليم سوف يجيب جميع طلباتك بالشكل الذي تريد والوقت الذي تريد وإن لم يتحقق لك هذا فإنك تعيد السبب لنفسك وأنك لم تصدق النية ولم تستعد لتلقي طلبك من الله ؟! ..

نعم قد يكون هذا هو التفسير أحياناً ولكن ما أرهق الإنسان هو إصراره على البحث عن إجابة وتفسير لكل ما يحدث له في حياته من خلال قوانين الجذب والنية وكل علوم الطاقة التي أؤمن بها وأرى أنها أضافت كثيرا للبشرية ، ولكن البحث عن إجابة لكل سؤال يتعارض مع التسليم لله والإيمان المطلق بحكمته ، ويعكس نوعاً من الخوف في البحث عن إجابات وقوانين كما أنه هو خوف من المجهول خوف من تسليم دفة الحياة لإرادة عليا ..

هل يمكن الإجابة عن كل الأسئلة

لن تجد إجابة لكل أسئلتك ، تقول جويس ماير ” اليقين يتطلب أسئلة بلا إجابات ” وهذه هي لعبة الحياة في حقيقتها .. لا تبحث عن إجابات تعايش مع الأسئلة ، إن أشد ما يؤلم الإنسان حين تختبره الحياة اختبارات قاسية هي الأسئلة التي لا تجد لها إجابات ، خاصة سؤال لماذا ؟ وسؤال أخر أعمق هو كيف اضمن ألا يتكرر ما حدث ؟ هل أستطيع أن أثق في الحياة.. هل اضمن ألا يتكرر مثل هذا الاختبار .. ثم تبدأ تبحث عن إجابات فتجد أن فكرة أن الأمر بدأ منك أنت تحديدا وأنك جذبت هذا الأمر فكرة مريحة ، إنها تعيد إليك السيطرة على حياتك وذلك لأنك خائف وتحاول أن تحمي نفسك بكل وسيلة ممكنة .. لا ترهق نفسك في البحث عن التحكم في حياتك ..

 ابحث عن الله:

ماذا يعني أن تبحث عن الله ؟ يعنى ذلك الزهد بكل شيء أنت خائف من فقده .. هناك مستوى أعلى من الطمأنينة يتحقق حين تتخيل أنك فقدت وتجردت من كل شيء، حين تتقبل خسارة كل شيء ، كيف يتحقق هذا ؟ إنّ كل ما تطلبه وكل ما تملكه من وظيفة أو مال أو شهرة أو زواج أو أبناء تخاف من فقده لأنك تخاف من أنّ حياتك ستتغير للأبد وأنّك لن تكون ذات الشخص ثانية ، إنك بهذا تعرف نفسك بما تملك ولكي تكون معرف بما أنت عليه حقيقة “ابحث عن الله” ، لكي تكون معرف بروحك فقط روحك التي جاءت لهذه الحياة فرداً غير مرتبطة بأحد ولا تملك شيء وستغادر كذلك فرداً .. لذلك لا تطلب من الله غير الله .. اجعل كل دعاءك “اللهم أنت مطلبي” هنا فقط تكمن النهاية السعيدة الحقيقية وهنا فقط يختفي سؤال لماذا نبتلى .. إنه يتلاشى ربما لا تجد له إجابة ولكن إلحاح السؤال يتلاشى تماما، حين تجد الله لن تشغلك الأسئلة..( من وجد الله ماذا فقد؟!) .. لا شيء.. ومن فقد الله ماذا وجد ..لن أقول لا شيء .. بل أقول أوهام يظنها الحقيقة.

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

طرفة النعيمي

مركز الاستشارات العائلية- باحثة دكتوراة- قطر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×