علم النفس

تأملات قرآنية في النفس البشرية (2)

كثيراً ما يواجه الإنسان مشكلاً معيناً أو مَوْقِفاً مُتَشَنِّجاً أو سوء تفاهمٍ مع شخص ما في محيط العائلة أو الأصدقاء أو العمل. وقد يبدأ المشكل بسيطا فإذا به يكبُر إلى درجة يخرج فيها عن سيطرة أطراف المشكل، لتصبح له آثار وخيمة على طبيعة علاقتهم، والتي لا يمكن التنبؤ بمدى استمرارها أو تعقدّها. ولا بُد أنكم واجهتم أعزائي القُرّاء مشاكل من هذا النوع أو سمعتم عن أشخاص وقعوا في مشاكل بدأت باختلاف في وجهة النظر، أو سوء فهم من أحد للآخر في أمور حياتية بسيطة، إلا أنها تحوّلت إلى قطيعة وهجر وقصص وحكايات لها أول وليس لها آخر.  

في الحقيقة أنه في الغالب ما يكون السبب المباشر في تضخيم المشكل وتعقيده؛ هو طريقة تعاطي الأطراف مع ذلك المشكل، حيث يكون رد فعل أحدهم أعنف وأضخم من الموقف الذي كان يُمكِن أن يُتَجَاوز بكل سهولة، إلا أن رد الفعل العنيف ذلك، زاد الطين بلّة، فالمشكل الصغير في مُحتواه يكبُر  بسبب التعامل المتمثّل في نبرة الصوت وتقاسيم الوجه ونوع الكلمات، ويُصبحُ من أكبر المشاكل التي تعترض الإنسان في حياته، خصوصاً إذا كان كل رد عنيف يُقابله الآخر برد أعنف، ليُصبح الغضب هو السائد على التعاطي مع ذلك المشكل الذي قد يتحول إلى شحناء وبغضاء وكراهية دائمة.

بخلاف التعاطي الهادئ والعقلاني و”الرحماني” مع المشكل، الذي حتماً إن لم يؤدي إلى حل المشكل، سيؤدّي إلى التخفيف من وطأته والحد من آثاره، كل هذا تضمنُهُ طريقة التعامل الهادئة، والابتسامة، والكلام اللطيف الذي يُساهم بالضرورة في تشتيت كتلة الغضب، وإراحة الأعصاب، وتهديء روع الطرف المُنفعِل انفعالا زائداً لا طائل منه إلا مشاكل أكبر من الموقف الحاصل.

نجد هذا المعنى الراقي واللطيف، في أمر المولى عز وجل لنبيّه الكريم في كتابه العزيز، قال: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” [فصّلت: 34].

انظروا إلى هذه الوصية الإلهية الجليلة في صورتها البديعة ونظمها الرفيع، فقد أكد المولى عز وجل أن “الدفع بالتي هي أحسن” ضمانة لحل المشاكل الإنسانية مهما ترتّب عنها من العداوة والجفاء بين أطراف أي مشكل، فما بالك بالآباء أو الأبناء أو الأزواج أو الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران أو زملاء العمل… كل تلك المشاكل التي تضخمت وكل ذلك الجليد الذي تجمد بين أطراف الخلافات، يُمكن إذابته بهذه الوصية الإلهية النوراية، فقط تمعّن فيها، وطبِّقها في المواقف المتشنِّجة التي تواجهك ولن تجد فيها إلا الخير الكثير.

لا يملك الإنسان أن يحذِف المشاكل من حياته بكبسة زر، لكنه يملك طرق وبدائل عديدة للتعامل مع تلك المشاكل للتخفيف من حِدّتها والتقليص من آثارها النفسية والاجتماعية، وربما تجاوزها في  لحظتها الأولى، لكن بشرط التركيز على طريقة التعامل أكثر من المشكل نفسه. وتذكّروا أعزائي القُرّاء أنكم تتعاملون مع الله في تلك المواقف والخلافات، لا مع العبد، وتحتسبون الأجر والثواب عند الله لا عند العبد. وَلَذِكْرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

عثمان سيلوم

باحث وكاتب روائي (المغرب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى