– خطورة الأمل على الإنسان
قد يستغرب القارئ هذا العنوان الفرعي، بالسؤال: “كيف يمكن أن يشكّل الأمل خطورة على الإنسان؟” فالمُتعارف عليه أن الأمل من المعاني الإيجابية التي تُعين الإنسان على خوض غمار الحياة وتحقيق النجاحات فيها. بل قد يصل القول إلى أن “الإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا أمل”.
والحقيقة أننا لا نختلف مع ذلك المعنى، فهو أمل محمود، ولا يمكن تصوُّر رفض العقل له نظرا لمنافعه العديدة على الصحة النفسية للإنسان وما يمدّه به من طاقة إيجابية تساعد على تذليل المصاعب، وتعبيد طرق النجاح والإنجاز.
إنما نودّ التنبيه في هذا المقام إلى خطورة نوع آخر من الأمل أشار إليه المولى عز وجل في كتابه العزيز، تذكرةً لنا، ورحمة بنا، وحرصاً علينا من الوقوع في شِباكه التي كثيراً ما نقع فيها دون وعيٍ منّا بخطورة ذلك. قال تعالى: “ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” [ الحجر: 3 ]
أولا، وبخصوص الأسلوب، فإن فعل الأمر “ذَرهُم” ظاهره الأمر لكن يُراد به التهديد الذي جاء في الآية الكريمة للتحذير من خطورة الانغماس في شهوات الدنيا من أكل ومُتَع لا تنقطع بسبب “الأمل” الذي يُغذّيها دائما ولا يترك مستواها ينخفض لدى المستمتع، حيث إن الأمل هنا هو ظنٌّ خاطئ يُرافقه إحساس بالطمأنينة الكاذبة بحصول دوام تلك المُتَع وعدم انقطاعها، وهنا بالضبط المعنى السلبي للأمل الذي يسلب صاحبه حقيقة الحياة وحقيقة نفسه، ويرمي به في أوهام طول العمر ودوام الصحة واستمرار المُتَع.
ويكفي أن نشير إلى أن الأمل هو أحد أبرز المداخل التي أقسم إبليس أن يُحارب من خلالها بني آدم، قال تعالى: “وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ” [النساء: 119 ]. انظروا أيها الأعزاء إلى “إستراتيجية” إبليس المتكاملة، التي يعتمد فيها أساسا على خداع الإنسان بالأماني؛ نظرا إلى أن النفس البشرية تأنس بها، وتحبّ أن تركن إليها، والمشكلة الكبرى المتعلقة بالأمل هي أن خداعه يستمر مع الإنسان مهما طال عمره أو اتسعت مداركه أو تراكمت خبراته، قال رسول ﷺ فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه البخاري: “لا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شابًّا في اثْنَتَيْنِ: في حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ“.
بعدما أوردنا نصوص الشرع التي تحدثت عن خطورة الأمل، لا بد أن نكرّر التأكيد على ضرورة عدم الخلط بين المعنى الإيجابي للأمل الذي نعرفه والذي نحتاجه في حياتنا، وبين المعنى السلبي الذي حذّرَنا منه ديننا الحنيف، وحتى يتضح الأمر أكثر، ويترسخ في الذهن، نضرب له مثالا من قصة الأطفال الشهيرة التي بطلاها “نملة” و”صرصار” ، النملة تستميت في العمل صيفاً، والصرصار يمرح مستمعاً بأجواء الصيف.
– النملة / الأمل الإيجابي: النملة لها أمل إيجابي في أن تحيا حياة هنيئة في الشتاء، لذلك وضعت أملها قيد التنفيذ، وبدأت في جمع القوت في الصيف، لتدخره لفصل الشتاء، لِكي يكفيها صعوبة البحث عن القوت تحت المطر والبرد.
– الصرصار/ الأمل السلبي: بقي يلهو ويمرح ويغني مستمعا بالأجواء الصيفية، وطال به الأمل، ظنا منه أن متعته لن تنتهي، فجاء الشتاء ولم يجمع الصرصار القوت الذي سيحتاجه في الشتاء الذي يصعب معه الحصول على القوت.
إذن، فالأمل الإيجابي هو إحساس صادق سرعان ما يُحوِّله صاحبه إلى خطة عملية قابلة للتنفيذ، لتتحقق على إثرها آماله. بينما الأمل السلبي، أو طول الأمل بتعبير الشرع المحمدي، هو تفكير”لاعقلاني” وإحساس “لاواقعي”؛ يطمئِنُّ له الإنسان، إلا أنها طمأنينة خادعة، سرعان ما تنهار أمام صاحبها مهما طال الزمن وتنهار معها أحلامه وتطلّعاته وآماله التي رسّخت في ذهنه وقلبه وظنّ أنها ستتحقق لا محالة.
لذلك وجب علينا، أن نكون على وعي تام بما يعتلج في أنفسنا، من أحاسيس وأفكار، وأن ندرك الحقيقي منها والزائف، ونَحذَر إزاء الخيط الرفيع الذي قد يكون بينها، وأن نسترشد بأنوار الكتاب والسنة اللذان يضيئان كل جوانب الحياة البشرية، إذا توقّف الإنسان عندهما وتدبّر، وتمعّن في دقائقهما. وعلى الله التُّكلان.