مدارس العلاج النفسي

تُعد مدارس العلاج النفسي من الركائز الأساسية لفهم السلوك الإنساني ومعالجة اضطراباته، حيث تطوّرت عبر قرن من الزمن لتغطي جوانب متنوعة من النفس البشرية، من الدوافع اللاواعية إلى العمليات المعرفية والسلوكات الظاهرة. ويهدف هذا المقال إلى استعراض أبرز مدارس العلاج النفسي: التحليلية، والسلوكية، والمعرفية، من حيث الأسس النظرية والتطبيقات العملية، إلى جانب توضيح مفاهيم تعديل السلوك وتقنياته، كأحد أهم أدوات التدخل النفسي والتربوي، خاصة لدى الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. يعكس المقال تطور الفهم العلمي للعلاج النفسي من التركيز على الأعراض إلى البحث في الأسباب والوظائف النفسية للسلوك، سعيًا لبناء استراتيجيات علاجية فعالة، قائمة على الفهم، والملاحظة، والتدخل المنظم.

1- مدرسة التحليل النفسي

أسس سيغموند فرويد مدرسة التحليل النفسي، التي تفترض أن النفس البشرية تتكون من ثلاثة أنظمة رئيسية:

الهوى (Id): يمثل الرغبات الغريزية اللاواعية، ويرتكز على دافعي الحياة (الجنس) والموت (العدوان).

الأنا (Ego): الجزء المنطقي الواعي من الشخصية، ويعمل على التوفيق بين رغبات الهوى ومتطلبات الواقع.

الأنا الأعلى (Super Ego): الضمير، وهو مصدر القيم الأخلاقية والمُثل العليا.

يعتقد فرويد أن الصراعات بين هذه المكونات تُشكل أساس الاضطرابات النفسية، حيث تسعى النفس إلى توازن دائم بين اللذة، الواقع، والقيم. ولحماية الذات من القلق الناتج عن هذا الصراع، تستخدم النفس آليات دفاعية مثل: الإسقاط، التبرير، التسامي، والنكوص.

كما يرى فرويد أن النمو النفسي يمر بخمس مراحل تُعرف بـ”مراحل النمو النفسي الجنسي”:

المرحلة الفمية: المتعة من الرضاعة.

المرحلة الشرجية: المتعة من التحكم في عمليات الإخراج.

المرحلة القضيبية: اكتشاف الأعضاء التناسلية.

مرحلة الكمون: تركيز على البيئة والتعليم والعلاقات الاجتماعية.

المرحلة التناسلية: النضج الجنسي والقدرة على إقامة علاقات.

ورغم الجدل الكبير حول هذه النظرية، إلا أنها أسست لفهم ديناميكي عميق للنفس البشرية، وأثرت بشكل كبير في علم النفس الحديث.

2- المدرسة السلوكية

ظهرت المدرسة السلوكية على يد جون واطسون عام 1913م، والذي دعا إلى دراسة السلوك الظاهري القابل للملاحظة فقط، باعتباره أساسًا للعلم النفسي الموضوعي. وقد استفاد واطسون من تجارب بافلوف حول “الإشراط الكلاسيكي”، حيث يمكن ربط مثير محايد (مثل صوت الجرس) بمثير طبيعي (مثل الطعام) لإحداث استجابة شرطية (سيلان اللعاب).

كما ساهم سكينر في تطوير مفهوم “الإشراط الإجرائي”، والذي يقوم على تعزيز السلوك الإيجابي من خلال تقديم المكافآت، وتثبيط السلوك غير المرغوب عن طريق العقوبات.

ورغم دور المدرسة السلوكية في وضع أسس علمية لدراسة السلوك، إلا أن تجاهلها للعمليات العقلية الداخلية أدى إلى انتقادات حادة، مما مهّد لظهور المدرسة المعرفية لاحقًا.

وقد ظهرت تطبيقات متعددة لهذه المدرسة، مثل:

العلاج السلوكي.

برامج التعديل السلوكي في المدارس وأماكن العمل.

3- المدرسة المعرفية

ترى المدرسة المعرفية أن الإنسان ليس مجرد مستجيب آلي للمثيرات، بل يتفاعل معها من خلال عمليات فكرية داخلية مثل الإدراك، والتفسير، والتأويل.

فإذا استجاب شخصان بطريقة مختلفة لنفس المثير، فإن السبب لا يعود للمثير نفسه، بل لطريقة تفكير كل منهما. ولذلك، يركز علم النفس المعرفي على:

الإدراك والانتباه

الذاكرة واللغة

حل المشكلات

اتخاذ القرار

النمو المعرفي

ويمثل هذا التوجه نقلة نوعية في فهم العقل البشري وسلوكياته، ويركّز على دور العمليات الوسيطة بين المثير والاستجابة.

تقنيات تعديل السلوك

السلوك هو تعبير خارجي عن دوافع داخلية، وغالبًا ما يكون له وظيفة محددة تخدم حاجة بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية. ويخضع السلوك لعوامل متعددة منها: الوراثة، التغذية، البنية العصبية، الأسرة، البيئة، والتجارب السابقة.

مبادئ تعديل السلوك:

كل سلوك يخدم وظيفة.

إذا لم يعد السلوك يحقق وظيفته، فإنه يختفي تدريجيًا.

يجب تحليل الموقف والسلوك قبل محاولة تغييره.

أنماط السلوك:

السلوك الزائد: متكرر بشكل مبالغ فيه.

السلوك الناقص: غياب سلوك ضروري.

السلوك الاعتيادي: ضمن المستويات الطبيعية.

خطوات تعديل السلوك:

تحديد السلوك المستهدف.

تصنيفه (زائد/ناقص/خطر).

قياس تكراره ومدة حدوثه.

تحليل ما يسبق السلوك وما يتبعه.

تحديد الهدف ووضع خطة تدريجية.

تعزيز البديل الإيجابي.

تسجيل البيانات يوميًا وتقييم الخطة.

محفزات تعديل السلوك

مادية: ألعاب، أدوات، طعام.

اجتماعية: مديح، لمسة، ابتسامة.

رمزية: نجوم، نقاط، شهادات.

⚠️ يجب عدم تقديم المكافأة قبل إتمام السلوك المطلوب حتى لا تتحول إلى رشوة.

العقاب:

يُستخدم بحذر، ويجب ألا يكون مهينًا أو جسديًا، ويُفضّل التركيز على العواقب المنطقية للسلوك بدلًا من العقوبة الانفعالية.

ملاحظات ختامية:

لا يمكن تعديل جميع السلوكيات دفعة واحدة.

تبدأ العملية باختيار السلوك الأكثر خطورة أو تأثيرًا سلبيًا.

لا تنجح خطط تعديل السلوك بدون دور فعّال من الأسرة، وخاصة الوالدين.

التخطيط الجيد، والتسجيل المنتظم، والتعزيز المناسب هي مفاتيح النجاح.

يوليو 16, 2025

0 responses on "مدارس العلاج النفسي"

Leave a Message

top
جميع الحقوق محفوظة © 2025