تناولنا في الجزء الأول من الدراسة الحالية نبذة مختصرة حول قبيلة بني هاجر كأنموذج للتغير في البناء الإجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية، ونستكمل في الجزء الحالي حوانب الدراسة على النحو التالي:
أدبيـات البحث
اولاً:موضوع البحث وأهميته.
مما لاشك فيه أن القبيلة كنوع من التنظيم الاجتماعي قد لعب دوراً هاماً وبارزً في حياة أبناء الجزيرة العربية، حيث أن هذا النوع من التنظيمات الإنسانية وجد ليحقق أهدافاً واغراضاً عديدة، حيث تتطلب ظروف الحياة المعيشية للإنسان إلى التجمع في شكل وحدوي أكبر من شكل الأسر البسيطة التركيب في ظل البيئة القاسية في الجزيرة العربية حتى يمكن أن يحافظوا على حياتهم وممتلكاتهم ومواجهة الأخطار التي تتعرض لها حياتهم بشكل أكثر فعالية، فكان التجمع القبلي في أماكن معينة أمراً لابد منه للاستمرار في الحياة ومن أجل التعاون في تحصيل القوت ومتطلبات الحياة الضرورية ومن أجل البقاء. ومن هذا المنطلق كان التنظيم القبلي يحقق هذا النوع من المحافظة على النمط والاستقرار، فالقبيلة هي وحدة اجتماعية وسياسية واقتصادية متكاملة تميل إلى أن تكَّون مجتمعاً مغلقاً على نفسه ولا يتصل أتصالاً وثيقاً بالخارج من الناحية الثقافية حتى بالنسبة للقبائل المجاورة إلا في حدود ظيقة. ويرتبط الأفراد في القبيلة بروابط تعتبر من عوامل وحدتها، فالبناء الاجتماعي مبني على أساس قبلي. فالقبيلة هي الوحدة الكبرى في هذه المجتمعات، والعائلة هي الوحدة الصغرى فيها، والأفراد يرتبطون ارتباطاً قوياً بالعائلة، ومجموعة العائلات التي ترتبط في أغلب الأحيان بروابط دموية شكلت الوحدة الاجتماعية الأكبر وهي القبيلة. والعائلة في هذه المجتمعات البدوية كتلة متضامنة وبالتالي فإن القبيلة كتلة متضامنة يحترم الأفراد فيها قوانينها وعاداتها احتراماً مطلقاً عبر عنه احترام الفرد الكامل والمطلق لشيخ القبيلة صاحب السلطة المطلقة فيها. وقد تركزت عند أفراد القبائل فكرة التعصب لقبائلهم، وكان هذا التعصب يتطلب ولاءاً مطلقاً لإفرادها، والولاء هذا هو روح الفردية في البدوي الذي كُّبرها إلى أن شملت جميع أفراد القبيلة، وهذه الروح الفردية جعلت البدوي يشعر دائماً بأن قبيلته حرة مطلقة وهي وحدة متماسكة قوية لا تتجزء.
وحيث كانت القبيلة تمارس وتؤدي الكثير من المهام والوظائف، حتى تجعل من أفرادها أكثر ولاءاً واكثر ارتباطاً بها مما يضمن استمرارها في الوجود، وكان هذا يتم من خلال تلبية كافة الإحتياجات والمطالب التي تضمن حياة أفرادها من خلال توفيرها للعمل والأشراف على النشاطات الاقتصادية التي يمارسها الأفراد، وكانت تعمل أيضاً على الدفاع عن القبيلة وكرامتها لتحقيق أمنها واستقرارها، كما كان يتم في القبيلة حل النـزاعات بين الأفراد وإنهاء الخلافات، كما كانت تسعى لتحقيق الكثير من المتطلبات لضمان الحياة الكريمة لإفرادها.
ولكن بعد أن تم تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف البترول والاستفادة من العوائد المالية الكبيرة وتقوية سلطة الدولة المركزية وفرض هيمنتها على كل شبر من أراضيها، صاحب هذا الأمر حدوث تغيراً كبيراً في البناء الاجتماعي للقبيلة، حيث تحول ولاء أفراد القبيلة إلى الدولة وإلى الشركات التي يعملون بها، كما أن الروابط التي كانت تجمعهم حلت محلها روابط جديدة. كما أمتهن أفراد القبيلة مهناً جديدة لم يألفوها، كما ظهرت روح الفردية والملكية الفردية، إلى غير ذلك من التغيرات التي أصابت البناء الاجتماعي في القبيلة.
ومن هذا المنطلق فان أهمية دراسة هذا الموضوع تكمن في عدم وجود دراسات علمية كثيرة تناولته بالدراسة والتمحيص، وعدم وجود دراسة سابقة عن هذا الموضوع عن قبيلة بني هاجر لتوثيق المراحل والتعرف على أهم العوامل التي أسهمت في إحداث تغيرات كبيرة في البناء الاجتماعي لقبيلة بني هاجر بصفة خاصة والقبائل الأخرى بصفة عامة.
كما تعد هذه الدراسة إضافة علمية للبحوث والدراسات التي تطرقت لمسألة التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي بصفة عامة وموضوع القبائل بصفة خاصة.
والأهمية لهذا البحث ايضاً تبرز من خلال مدى أهمية الكشف عن أهم العوامل المؤدية إلى إحداث تغيرات في البناء الاجتماعي في القبيلة، والحاجة إلى التعرف على هذه العوامل بأسلوب علمي، حيث يمثل فهم هذه العوامل في الواقع أهمية كبرى في رائي للمختصين في البحوث الاجتماعية والمختصين بشؤون التخطيط وصناع القرار في المجتمع في هذه البلاد من أجل تبني إستراتيجيات أكثر فعالية للنهوض بكافة قطاعات المجتمع بما فيها القبائل، كما يعطي التعرف على هذه العوامل مزيداً من الفهم للواقع الاجتماعي والسياسي في المجتمع المراد دراسته مما يساعد ايضاً في السيطرة، وفهم المجتمع في حالة وقوع أي اضطراب لا سمح الله مما يساعد على بلورة حلول جيدة لمواجهته بكل حزم للسيطرة علية واحتوائه بهدوء.
ثانياً:أهداف البحث.
يهدف هذا البحث إلى ما يلي:-
- التعرف على التغير في البناء الاجتماعي لقبيلة بني هاجر.
- التعرف على ابرز العوامل المؤدية لإحداث تغيرات في بناء قبيلة بني هاجر.
- التعرف على النتائج المترتبة على التغير في البناء الاجتماعي لقبيلة بني هاجر
ثالثاً:مفاهيم البحث.
1. التغير الاجتماعي.
يشير مصطلح التغير الاجتماعي إلى أوضاع جديدة تطراء على البناء الاجتماعي والنظم والعادات والتقاليد وأدوات المجتمع نتيجة لتشريع أو قاعدة جديدة لضبط السلوك، أو كنتاج لتغيير إما في بناء فرعي معين أو جانب من جوانب الوجود الاجتماعي أو البيئة الطبيعية أو الاجتماعية. وقد عرض (قون قيزة) ملخصاً لاستخدامات مصطلح التغير الاجتماعي لأنة حل محل مصطلحات أخرى مثل التطور والنمو، فيرى أنة إما يستخدم كبديل محايد لفكرة التقدم، أو أن يستخدم استخداماً احصائياً يجعل من التغير تصوراً كمياً خالصاً. وفرق بين التغير الاجتماعي والتغير الثقافي باعتبار أن الأخير يشير فقط إلى الوسائل الفنية، وكذلك بين التغير الاجتماعي والنتائج أو الآثار الاجتماعية التي يقصد بها التأثيرات التي تحدث لجانب معين من الحياة الاجتماعية. وهكذا يصبح مصطلح التغير الاجتماعي مقصوراً على التحولات التي تطراء على علاقة الإنسان بالإنسان.(غيث،1979 :415).
أما (جنيزبرج) فيرى إن التغير الاجتماعي هو حدوث تغير في بناء المجتمع والذي يشمل حجمه وتركيب أجزائه وشكل تنظيماته الاجتماعية، وأن مفهوم التغير الاجتماعي يتضمن أيضاً حدوث تغيرات في الإتجاهات والمعتقدات التي طالما تساهم في تحقيق التغير في النظم الاجتماعية.(بشير،1407 :19).
2.التغير البنائي.
المقصود من التغير البنائي أنة نوع من التغير يؤدي إلى ظهور تنظيمات وأدوار اجتماعية جديدة تختلف إختلافاً نوعياً عن تلك الأدوار والتنظيمات القائمة في المجتمع. ويصاحب حدوث هذا النوع من التغير حدوث تحول كبير في الظواهر والنظم والعلاقات الاجتماعية.
وقد عرف عالم الاجتماع البريطاني (جنيزبرج) التغير البنائي بأنة:التغير الذي يحدث في بناء المجتمع أو في حجمة وتركيب اجزائة وشكل تنظيمه الاجتماعي. وعندما يحدث هذا التغير في المجتمع يبداء افرادة في ممارسة أدوار اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يقومون بها خلال الفترة السابقة للتغير. (حسن،1970 :111).
3.البناء الاجتماعي.
عبارة عن نسق اجتماعي يتميز بدرجة معينة من الثبات والاستمرار، ويتألف من جماعات وزمر مثل العشائر والقبائل والأمم التي تقوم بتنظيم علاقات الأفراد ببعضهم داخل نطاقها، كما يسمح بالتكيف الخارجي مع البيئة الطبيعية وبالتكيف الداخلي بين الأفراد أو الجماعات.(وصفي،د.ت :80).
ويرى أحمد أبو زيد أن البناء الاجتماعي يقوم على أساس الاستمرار في الزمن من ناحية، ومن ناحية أخرى أن العلاقات البنائية بين الجماعات الثابتة والمستمرة تتخذ شكل أنساق ونظم وقيم تلعب دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية، أو تؤدي وظيفة اجتماعية معينة كعلاقات القرابة والعلاقات الاقتصادية والعلاقات الأسرية.(أبو زيد،1966 :66).
4.القبيلة.
القبيلة هي نسق في التنظيم الاجتماعي يتضمن عدة جماعات محلية مثل القرى والبدنات والعشائر، وتقطن القبيلة عادة إقليماً معيناً وتسود بينها ثقافة مشتركة ولغة واحدة وإحساس قوي بالتضامن والوحدة يستند إلى مجموعة من العواطف الأولية.
وقد عرف (هويت) القبيلة بأنها تجمع كبير أو صغير من الناس يشغلون إقليماً معيناً ويتحدثون نفس اللغة وبينهم علاقات اجتماعية خاصة تعبر عن التجانس الثقافي بينهم.
أما (بيدنجتون) فيرى أن القبيلة أكبر وحدات التنظيم الاجتماعي، أوهي وحدة متماسكة من الناحية الاجتماعية، مرتبطة بإقليم معين، وتعتبر في نظر أعضائها ذات استقلال سياسي. وقد تنقسم القبيلة في بعض الأحيان إلى أجزاء أصغر، خاصة عندما تكون مساحة الإقليم كبيرة بالنسبة لحجم السكان.(غيث،1979 :4900-491).
والقبيلة المعنية في هذا البحث هي قبيلة بني هاجر، وقبيلة بني هاجر إحدى القبائل العربية التي ينحدر أصلها من نسل هاجر من قحطان، وأغلبية أفرادها مستقرين في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى دول الخليج العربي.
وعندما ترد كلمة (القبيلة) أثناء البحث فإن المقصود بها قبيلة بني هاجر.
رابعاً:الدراسات السابقة.
الدراسة الأولى:هي دراسة بعنوان البناء القبلي والتحضر في المملكة العربية السعودية آجراها سعيد فالح الغامدي على قبيلة بني كبير التي تقع جنوب الباحة العاصمة الإدارية لقبائل غامد وزهران، وقد عرض الباحث لمحة تاريخية عن بني كبير موضحاً أصولها ونسبها القديم كما تثبته المصادر التاريخية، التي تقول إنها بطن من البطون الباقية من قبائل غامد بعد أن انقرضت معظم البطون عبر التاريخ، غير أنها لم تعد في الآونة الحديثة بطناً بالمفهوم الاجتماعي الذي يعني تبعيتها لقبيلة أخرى تتبع نظامها وقانونها وتخضع لسلطة شيخها، وتدخل أراضيها ضمن أراضي أخرى، بل إنها أصبحت قبيلة لها نظمها الخاصة وحدودها الإقليمية، وتتميز عن غيرها من القبائل الأخرى.
وفي حديثة عن البناء السياسي لقبيلة بني كبير، يذكر الباحث كيف أن النـزاع على الأرض والماء والكلاء وحوادث القتل والثأر والخطف وغير ذلك من مظاهر الصراع بين القبائل العربية فيما مضى كان امراً عادياً ومالوفاً، وقد رتب هذا الوضع سلطات مطلقة في يد شيخ القبيلة، فهو الحاكم المطلق الذي يأتمر الجميع بآمرة ولا ينازعه فيه أحد، ولذا فلابد أن يتميز بمواصفات تؤهله لتحمل هذه المسئولية، كما أن علية أن يستعين بأهل الحكمة والرأي لإبداء المشورة له ومساعدته في حل المشكلات والقضايا، ويتشكل من هؤلاء ما يعرف بمجلس القبيلة الذي يتألف من عرفاء القرى وكبار السن فيها المشهود لهم بالحكمة وسداد الرأي.
وغاية القول أن البناء السياسي في بني كبير يتدرج بدءاً من الفرد إلى الأسرة إلى العائلة إلى اللحمة إلى القرابة إلى البدنه إلى القبيلة. ويرتبط البناء السياسي لقبيلة بني كبير بثلاثة مقومات رئيسية هي النظام القرابي والإطار الإقليمي والمصالح المشتركة.
وبعد حديث مفصل عن النسق القرابي والعائلي والنسق الأيكولوجي والاقتصادي، يعرض الباحث لمظاهر التغير الحضاري في بني كبير، ومن أهمها مايلي:
أ-التعليم: فقد انتهى الدور التقليدي للفقيه الذي كان يتولى تعليم الأطفال القراءة والكتابة وأمور الدين، وذلك بعد إنشاء المدارس، حيث فتحت في بني كبير أول مدرسة ابتدائية للبنين في عام 1367هـ ، كما أفتحت أول مدرسة ابتدائية للبنات في عام 1390هـ . وذلك على الرغم من المعارضة الشديدة لأولياء الأمور في التحاق بناتهم بالتعليم باعتباره مفسدة للأخلاق.
ب-تغير السلطة السياسية في القبيلة:فقد تقلص الدور التقليدي للشيخ ومجلس القبيلة بعد أن تأسست أول إمارة بالمنطقة في العام 1353هـ . وقد تولت الأجهزة الحكومية القيام بالمهام التي كان يضطلع بها شيخ القبيلة.
ج-المواصلات ووسائل الاتصال:فقد شقت الطرق، وحلت السيارة محل الجمل، وأنشئت مكاتب البريد والهاتف، وانتشرت أجهزة التليفزيون، وأصبح من الميسور الحصول على الصحف. وهكذا ازداد انفتاح المنطقة على العالم الخارجي، وكسر طوق العزلة الذي كان مضروباً حولها.
د-الخدمات الصحية:انحسر دور الطب العربي الذي كان يعتمد في علاج المرضى على الأعشاب والحمية وذلك بعد أن اهتمت الدولة بالخدمات الصحية ووفرت العلاج الطبي الحديث من خلال المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية.
هـ-التجارة:ازدهرت التجارة بعد التقدم الذي طراء في مجال الطرق والمواصلات ووسائل الاتصالات، وتنوعت السلع، وفقد السوق المحلي أهميته التقليدية، حيث اتسعت دائرة النشاط التجاري وخرجت عن النطاق المحلي المحدود.
وأما عن أثار التغير البنائي والحضاري في بني كبير، فقد تناولها الباحث بشكل مفصل من خلال المقارنة بين الأوضاع قديماً وحديثاً بمجتمع الدراسة في خمسة مجالات هي:المنـزل، والنشاط الاقتصادي، وتقسيم العمل، والهجرة من القرية إلى المدينة، والمهر والزواج، والعلاقات الاجتماعية.
وفي الفصل الختامي يركز الباحث على عدد من أبرز النتائج الإيجابية لتحضر المجتمع القبلي، التي تحققت بقيام الدولة السعودية، وهي الشعور بالأمن، وانتشار التعليم، والضمان الاجتماعي. كما يشير إلى جهود الدولة في مجال دعم الاقتصاد الزراعي بعد أن ازدادت الهجرة إلى المدن ومركز البترول. هذا فضلاً عن التغيرات الواضحة في مجال التكنولوجيا والعلاقات الاجتماعية .
الدراسة الثانية :وهي الدراسة التي قام بها عبد العزيز العشبان عام 1987م، عن قبيلة بني شهر وعلاقات التداخل بها ومحيطها البيئي في الجنوب الغربي بالمملكة العربية السعودية. وقد ذكر العشبان في هذه الدراسة إن القبيلة قد دُرست من خلال محيط بيئي خاص في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، كما درس مفهوم القبيلة ونمط القسم أو المجموعة في القرابة والنسب وعدداً من الأفكار الخاطئة عن جنوب غرب آسيا وحللها ونقدها وذلك لتطوير طريقة صناعية أو تركيبة ندرس بها تكوينات المجموعات في المجتمع التقليدي في شبة الجزيرة العربية، بالإضافة إلى ذلك شرح طبيعة التداخلات الاجتماعية بين مجموعات بني شهر كاتحاد قبائل يحتل منطقة ذات تباين بيئي بسيط.
وأوضح أن مفهوم القبيلة ابعد واعمق من الحقائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تدل عليها الفكرة الغربية للقبيلة في حياة المملكة العربية السعودية. وأوضحت الدراسة ايضاً أن التقسيم والتكوين البشري من حيث النسل والتناسق قد غالى في توكيد دور مفهوم القرابة والسلالة والتي أوضحت الدراسة إنها تغيرت وتعدلت كثيراً بفعل عوامل، منها العلاقات مع غير السلالة أو العشيرة أو الأقرباء والإرث والملكية العامة والخاصة والتجارة، والطبقات الاجتماعية والتحالفات السياسية والعملية، والخلافات وطقوس الضيافة والكرم والعلاقات الاقتصادية، ولأن جنوب غرب المملكة أخر أقليم في شبة الجزيرة العربية قد درس اجتماعياً فإن طريقة التحليل الإقليمي قد استحدثت كإستراتيجية منهجية لتوفر نظرة واسعة عن هذا الجزء من المملكة العربية السعودية وسكانه ونسبة التطور السريع في هذا الإقليم والتركيز الذي تم عبر هذه الدراسة للتداخل في العلاقات بين القبائل، فإن الإقليم يبدوا انه يوفر إطاراً شاملاً كافياً لمعلومات أنثروبولوجية من حيث الإتساع والعمق، تشكل دلائل علمية هامة وهذه المعلومات عن 69 قبيلة هي تلك التي تشكل اتحاد بني شهر قد عرفت في هذه الدراسة موضحة التشابه والاختلافات فيما بينها من خلال صفاتها الإقليمية المختلفة ونمط الحياة والاختلافات البيئية الصغيرة ونظم البناء السياسي والاجتماعي. وقد اختبرت جميع أنواع العلاقات بين المجموعات التي تنظم هذا التداخل بالتفصيل.
ويرى العشبان أن القبيلة في جنوب غرب الجزيرة العربية، هي تجمع ذو نمط معيشي يسيطر بدرجات مختلفة على خليط مكون من الرعي والزراعة، كما أن القبيلة ايضاً هي وحدة سياسية واجتماعية ذات علاقات نسب وقرابة معروفة ذات تنوع ملحوظ من تلك القبائل الأخرى ايضاً مع تلك المجموعات التي لا تمت بصله وتعيش ضمن حدودها، كما أن تداخل المجموعات هو سمة أساسية للقبيلة، وهذا العنصر متأصل وضارب بجذوره في التعاون المكمل أو المتمم ضمن خصائص بيئية متميزة تحتوي على تكوينات أرضية مرتفعة أو منخفضة يعود العيش فيها إلى دورة الجفاف وبعض المخاطر البيئية الأخرى. فالقبيلة هي استجابة وتأقلم وتكيف بشري لمتطلبات حياة ومعيشية في هذا الجزء من العالم.
الدراسة الثالثة:هي دراسة ميدانية أجرتها علياء شكري، على ثلاث قرى هي سبت العلايا ببلاد بلقرن، وقرية الطرفين ببلاد غامد، وقرية سبت تنومة من قرى الشعفين إحدى قبائل بني شهر الكبيرة. وقد استغرقت هذه الدراسة ثلاث سنوات.
وأما عن منهج الدراسة، فإن هذه الدراسة ذات نظره تاريخية في المقام الأول، تتخذ من عملية التحليل الاجتماعي أداة لفهم عمليات الثبات أو التغير في الثقافة التقليدية. وقد اعتمدت الباحثة في أجراء تلك الدراسة على المنهج الأنثروبولوجي أداة لفهم المجتمع ووسيلة لجمع المادة، فكانت الملاحظة بأنواعها هي أدوات جمع المادة، كما استعانت على عدداً من الإخباريين الرئيسين والفرعين في كل جزء من جزئيات البحث. وقد كانت تستعين الباحثة ببعض طالباتها اللائى ينتمين إلى مجتمع البحث في فهم مدلولات الكلمات غير المألوفة لديها. ومما ساعد على خدمة البحث وتسهيل الأمور للباحثة وتذليل الكثير من الصعوبات التي تواجهها، أن مجتمع المملكة العربية السعودية يشهد وعياً كبيراً ونهضة واسعة النطاق لتطوير التراث الشعبي والمحافظة علية.
وفي تعريف سريع بمجتمعات الدراسة، تقدم الباحثة لمحة موجزة عن القرى الثلاث توضح خصائصها التقليدية وما طراء عليها من تغير بعد استتباب الأمن في ربوع البلاد مع تأسيس الدولة السعودية على يد المغفور له الملك عبد العزيز، وظهور البترول، وقيام الدولة بالتخطيط للتنمية الشاملة.
كما أوردت الباحثة نبذة عن كل قرية من القرى الثلاث، توضح فيه الموقع الجغرافي، والانتماء القبلي، والملامح الاقتصادية، وأهم التغيرات التي شهدتها.
أما التفاصيل، فإنها قد جاءت في شكل دراسة خاصة بكل قرية، حيث قدمت الباحثة ثلاث دراسات فرعية هي:-
1-دراسة لقرية سبت العلايا:وتشمل هذه الدراسة الفرعية على ستة فصول يتناول أولها الملامح العامة لقرية سبت العلايا، فيعطي لمحة جغرافية وتاريخية عن القرية والسكان، والعلاقة مع المجتمع الخارجي، والخدمات والمرافق. أما الفصل الثاني فإنه يختص بالنشاط الاقتصادي حيث يشتمل على تفاصيل عن الزراعة والمحاصيل الزراعية، وأدوات العمل الزراعي، والثروة الحيوانية، والنشاط التجاري، والصناعات التقليدية، والنقل والمواصلات. وأما الفصل الثالث فقد خصص للبيت في قرية سبت العلايا، حيث يتضمن وصفاً للخصائص المرتبطة ببيوت القرية وطريقة بنائها وتشكيلها، والخامات المستعملة في البناء، ووصف وحدات المنـزل ومكوناته، والتغير الذي شهدته القرية في مجال عمارة المنازل وتشيدها. وأما الفصل الرابع فإنه يختص بالعادات الشعبية، ومنها عادات الميلاد والزواج، والوفاة، والأعياد الدينية. ويتناول الفصل الخامس المعتقدات والمعارف الشعبية، ويتضمن تفاصيل عن الكائنات فوق العضوية كالجن والعفاريت، والطب الشعبي. وأما الفصل السادس، فإنه يختص بعادات الطعام وآداب المائدة، ويتضمن تفاصيل عن الوجبات ومواعيدها، والأكلة الشعبية الشهيرة في القرية، واكلات المناسبات.
2-دراسة لقرية الطرفين:وتشمل الدراسة الفرعية الثانية لقرية الطرفين على خمسة فصول يتناول الأول الملامح العامة لقرية الطرفين، ويتناول الثاني النشاط الاقتصادي، ويتناول الثالث البيت في قرية الطرفين والمراحل الثلاث التي مر بها من حيث تطور نمط العمارة، ويشمل الفصل الرابع تفاصيل عن عادات الزواج وعادات الموت، أما الفصل الخامس فإنه يتناول عادات الطعام وآداب المائدة.
3-دراسة لقرية سبت تنومة:وتشمل هذه الدراسة الفرعية الثالثة لقرية سبت تنومة على خمسة فصول، يتناول الأول منها الملامح العامة للقرية، ويتناول الثاني النشاط الاقتصادي، ويتناول الثالث البيت، ويتناول الرابع العادات الشعبية، أما الفصل الخامس فيتناول الطب الشعبي.
وقد أجملت الباحثة نتائج دراساتها الفرعية الثلاث في فصل ختامي بلورت فيه الاتجاهات العامة للتغير في المملكة العربية السعودية والعوامل التي عجلت بحدوثه، ومنها:-
1.قيام الدولة السعودية :فالنمو الاجتماعي والثقافي في المجتمع السعودي يرجع إلى الملك عبد العزيز أل سعود يرحمة الله، والذي وحد أجزاء المملكة، وأقام الدولة الحديثة، ووضع أولى أسس الإصلاح والنهوض الاجتماعي والاقتصادي الشامل في المجتمع العربي السعودي. فقد بسطت الدولة سلطتها على ربوع البلاد، وحققت الأمن للجميع، وقضت على العصبية والروح القبلية، وجعلت العقيدة الإسلامية على كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله علية وسلم هي دستور الدولة وأساس الحكم، وهكذا تحقق الاستقرار والتهيؤ للانطلاق على طريق التنمية، وقد قامت الدولة بإنشاء نظم الحكومة الحديثة التي تنظم كافة شئون الحياة.
2.البترول:يعتبر البترول العامل الثاني البارز من عوامل التغير الثقافي والاجتماعي، فقد استطاعت الدولة أن تحقق انطلاقة التنمية بفضل الله ثم باستغلال عوائد البترول على أتم وجه.
3.التغير في القطاع الزراعي:أدى ظهور البترول إلى اجتذاب الأيدي العاملة الشابة من القرى والمناطق الريفية، وساعد على هذا ايضاً التوسع في الأعمال الحكومية ذات الراتب المنتظم. وكان لهذا كله تأثيرات سلبية على العمل الزراعي. غير أن الدولة عملت على مواجهة هذه الآثار، حيث دعمت الإنتاج الزراعي عن طريق التسليف، وعوامل الإنتاج الزراعية الحديثة، كمشاريع المياه، والمخصبات، والتكنولوجيا الحديثة في المجال الزراعي.
4.التعليم والهجرة من البادية والريف إلى المدن:أدت التغيرات الواسعة التي أعقبت قيام الدولة بأجهزتها الجديدة، وتدفق عوائد البترول، وإنتشار التعليم إلى تشجيع حركة الهجرة من البادية والريف إلى المدن، فسعياً في طلب العلم أو العمل غادر كثير من الناس قراهم ونزحوا إلى مقار مدارسهم وجامعاتهم وأعمالهم في المدن. وقد نتج عن ذلك تخلخل في الكثافة السكانية في البادية والريف وازديادها.
وقد سجلت الباحثة في الفصل الختامي ايضاً عدداً من ملامح التغير الثقافي في القرى الثلاث بوجه خاص، والمجتمع السعودي بوجه عام، ومن ملامح التغير في عناصر الثقافة مايلي:-
- تغير النشاط التجاري إلى حد كبير.
- تأثرت الثروة الحيوانية والزراعية.
- تغيرت وسائل النقل التقليدية.
- تغيرت الصناعات المحلية التقليدية.
- تغير البيت القروي.
- تغيرت عادات الطعام وآداب المائدة.
- تغيرت عادات دورة الحياة.
خامساً:الإجراءات المنهجية في البحث.
أ .منهج البحث.
لكي تتحقق الدراسة الشاملة لمجتمع البحث، ونصل إلى نتائج مناسبة تحقق أهداف البحث، وجب أن نسعى إلى اختيار الأسلوب العلمي المناسب والملائم، لان المنهجية التي يتبعها الباحث من أهم العوامل التي يتحدد في ضوئها قيمة الدراسة، وبذلك فإن على الباحث أن يكون دقيقاً في اختيار المنهج والإجراءات التي يتبعها في الدراسة والطرق والأدوات التي يستخدمها ومدى صدق وثبات هذه الأدوات، وبقدر نجاحه في اختيار المنهج والأدوات يكون نجاح الدراسة.(الشرقي،1416 :35).
ولكي يتم تحقيق أهداف الدراسة التي وضعها الباحث فإن هذه الدراسة سوف تركز على أساليب بحث أنثروبولوجية، وفيما يلي نذكر الأساليب المستخدمة في هذه الدراسة:-
1-المنهج التاريخي:الهدف من استخدام هذا المنهج هو التعرف على مجتمع البحث قبل تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط، وذلك للتعرف على طبيعة الأنساق محل البحث، والوقوف على مدى تطورها والمراحل التي مرت بها وعاصرتها، فعن طريق التسلسل التاريخي من جهة، والتنبؤ العلمي من جهة أخرى يمكن الوصول إلى الحقيقة في أسلم صورها.(عيسى،1971 :295).
2-المنهج الأنثروبولوجي:وهو أحد المناهج العلمية المستخدمة في البحث العلمي في العلوم الاجتماعية. ويقوم أساس هذا المنهج على الملاحظة الميدانية، فيختار الباحث للدراسة قبيلة أو مجتمعاً ما ثم يبداء بفحص المصادر المكتبية، ويذهب الباحث شخصياً إلى الميدان ويعتمد على أخباري أو أكثر في تزويده بالمعلومات التي تلزمه، ويقوم في نفس الوقت بإجراء ملاحظات مباشرة لعادات الأفراد وتقاليدهم ومعتقداتهم واوجه نشاطهم. ويدون ملاحظاته بدون تحيز، مبيناً تفاعلات العناصر الثقافية المختلفة، والعوامل التي تؤدي إلى تغيرات ثقافية.(حسن،1410 :217).
ويستطيع الباحث أن يحدد أهمية المنهج الأنثروبولوجي فيما يلي:-
أ-باستخدام المنهج الأنثروبولوجي يستطيع الباحث التعرف على اوجه النشاط والسلوك الفعلي لأهالي مجتمع الدراسة.
ب-باستخدام المنهج الأنثروبولوجي يستطيع الباحث الحصول عل صورة متكاملة للمجتمع في سلسلة زمنية غير منقطعة.
ج-أن استخدام المنهج الأنثروبولوجي يعطي الباحث القدرة على التحليل العلمي السليم والربط بين العلاقات، خاصة إذا قام الباحث الميداني بالتحليل ايضاً.(سعد،1981 :80).
3-المنهج المقارن:كان الهدف من استخدام هذا المنهج، هو توضيح التغيرات التي طراءت على البناء الاجتماعي في القبيلة بعد تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط، وكيف كانت الأوضاع الاجتماعية داخل القبيلة قبل ذلك، لانه من الضروري عقد مقارنه بين هذه الفترتين المختلفتين عن بعضهما البعض تماماً، حتى يتسنى لنا التعرف على التغيرات التي لحقت بالبناء الاجتماعي لقبيلة بني هاجر.
وقد أبرز (راد كليف براون ) أهميه المنهج المقارن، عندما أشار إلى أنه بدون المنهج المقارن والدراسات المنهجية المقارنة المنظمة ستصبح الأنثروبولوجيا مجرد دراسة وصفية تاريخية، كما أوضح أن المنهج المقارن يتخذ مكانه في علم الاجتماع تماثل المنهج التجريبي في سائر العلوم الأخرى.(إسماعيل،1982 :189).
ب. مجتمع البحث:لابد أن يحدد الباحث نوع وطبيعة مجتمع البحث، أي مجموع المفردات أو الوحدات التي تجمعها صفة واحدة أو مجموعة من الصفات المشتركة، وتعتبر وحدة أو مفردة مجتمع البحث هي الوحدة الأساسية.(الهادي،1995 :114).
تقع المنطقة التي يقطنها غالبية أفراد قبيلة بني هاجر في المنطقة الشرقية، في منطقة تسمى جوف بني هاجر، ويتكون من عدد كبير من القرى، وتتفاوت هذه القرى من حيث الحجم والإتساع حسب الأفراد القاطنين فيها، وفي الغالب تكون كل قرية من هذه القرى لفرع من فروع القبيلة، وتتميز هذه القرى بوجود مساحات كبيرة حولها للرعي، وكذلك وفرة المياه الجوفية مما ساعد على انتشار أشجار النخيل والمزروعات الأخرى.
وبهذا فإن مجتمع البحث هو أفراد قبيلة بني هاجر القاطنين في جوف بني هاجر في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
ج.مجالات البحث:يعد تحديد مجالات البحث المختلفة من الخطوات المنهجية الهامة، ولقد أتفق كثير من المشتغلين في مناهج البحث الاجتماعي، على إن لكل دراسة مجالات ثلاثة رئيسية هي:المجال الجغرافي والمجال الزمني والمجال البشري.
والمجال الجغرافي يعني تحديد المنطقة أو البيئة التي تجرى فيها الدراسة، والمجال البشري يتكون من جملة أفراد أو عدة جماعات، ويتوقف ذلك على المشكلة موضوع الدراسة، بينما يقصد بالمجال الزمني للدراسة، ذلك الوقت الذي يستغرقه إعداد البحث بأكمله.(شفيق،1994 :211).
وفي هذا البحث سوف تكون هذه المجالات على النحو التالي:-
- المجال الجغرافي:منطقة جوف بني هاجر الواقعة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
- المجال الزماني:من الفترة 25/11/1419هـ إلى الفترة 25/4/1420هـ.
- المجال البشري:أفراد قبيلة بني هاجر المحدد موقعهم في جوف بني هاجر.
د.أدوات جمع البيانات:ولتحقيق الغرض من أجراء هذا البحث فقد استخدمنا الطرق التالية لجمع البيانات:-
أ.اعتمدنا على كبار السن لمحاولة التعرف عن طريقهم على العلاقات الاجتماعية في المرحلة التاريخية للبحث.
ب.تم الرجوع لبعض الكتابات عن الجزيرة العربية والخليج بصورة عامة، وعن القبائل بصفة خاصة، وكذلك الاعتماد على الدراسات العلمية التي تمت وتطرقت لموضوع التغير في البناء، لان هذه الدراسات تصبح في هذه الحالة مصدراً وثائقياً للمعلومات، وذلك من خلال اتباع الطرق العلمية في جمع البيانات وهي كالتالي :-
1.أسلوب الملاحظة بالمشاركة:ونعني بهذا الأسلوب ملاحظة ومشاركة أعضاء المجتمع محل الدراسة في وأقعهم الاجتماعي مدة كافية وذلك لفهم طبيعة العلاقات الاجتماعية وتساند النظم والأنساق الاجتماعية .(السيف،1412 :31).
ومما ساعد على استخدام هذا الأسلوب هو انتماء الباحث لمجتمع الدراسة وبذلك تخطى الكثير من الصعوبات والمعوقات التي قد يواجهها باحثون آخرون .
2.المقابلة:ونعني بهذا الأسلوب مقابلة عدداً من رجال ونساء قبيلة بني هاجر (الكبار في السن) وذلك بهدف التعرف على الواقع الاجتماعي الذي عاشوه سابقاً وفترات التغير التي عاصروها، وكذلك التعرف على الأنشطة الاجتماعية التي كانت تمارس والتطورات والتحولات التي شاهدوها، كما تم إجراء مقابلات مع الشباب حتى يتسنى لنا معرفة الأعمال والمهن التي يفضلونها والتعرف ايضاً على الأنشطة التي يمارسونها من أجل كسب لقمة العيش في ظل التحولات والتغيرات التي مر بها المجتمع.
كل ذلك من أجل جمع أكبر قدر من المعلومات والبيانات عن هذه القبيلة وما حدث لها من تطورات كثيرة، خاصة بعد تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط حتى يتسنى لنا المقارنة بين الفترتين.
لقراءة الدراسة كاملة:
التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 1-3
التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 2-3
التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 3-3