حظي موضوع الظاهرة السكانية باهتمامات كبيرة منذ وقت مبكر العصر من الحديث وكان ذلك نتيجة لما شوهد من تزايد كبير في أعداد السكان بمعدلات تفوق الزيادة في الموارد الاقتصادية وخاصة موارد الغذاء وتعتبر ظاهرة النمو السكاني من أهم القضايا التي شغلت أذهان المفكرين والفلاسفة ورجال الدين منذ القدم ، وذلك لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية وحضارية لكافة المجتمعات البشرية فهي مرتبطة بشبكة معقدة من المتغيرات الطبيعية ولاجتماعيه والثقافية …الخ كما أنها تعد من القضايا الهامة التي يعول عليها في رسم السياسات السكانية بما يتلاءم مع الإمكانيات المتاحة لأي مجتمع بشرى… ولعل أول إحصاء للسكان على المستوى العالمي الذى يقيس معدل النمو السكاني متضمناً حركة المواليد والوفيات لا يتجاوز القرن السابع السابع عشر(1650) كإحصاء موثوق به وفق تقديرات الأمم المتحدة . لقد اهتم العديد من المفكرين والعلماء بأفكار القس الإنجليزي (توماس مالتوس) الذى صاغ نظريته التشاؤمية عن السكان التي مفادها ، أن عدد السكان في العالم يتزايد بمتوالية هندسية بينما تتزايد الموارد المادية لإشباع الحاجات بمتوالية حسابية وكان ذلك في العام (1789)(1) وإذا بالنظر للأسباب المؤدية إلى هذه الزيادة حسب وجهة نظره نجدها تكمن في انخفاض معدلات الوفيات الناجم عن تحسن مستوى الحياة الاجتماعية ، ومنذ ذلك الوقت بدأت مسألة النمو السكاني محل اهتمام العديد من العلوم الاجتماعية وبشكل خاص الجغرافية البشرية وذلك لمحاولة معرفة العوامل المؤدية إلى الانفجار السكاني ومن ثم التخطيط له ، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم قد تضاعف مرة واحدة خلال ستة عشر قرنا منذ القرن الأول الميلادي حتى سنة (1650)(2)
ويرى الباحثون بأن النمو السكاني قد مر بثلاثة مراحل رئيسية وهي:
1- المرحلة البدائية : وهي تتميز بارتفاع معدل المواليد (45-55) بالآلف وارتفاع معدل الوفيات (40-50) بالآلف.
2-المرحلة الانتقالية : وتعرف بمرحلة التزايد السكاني المبكر وتتميز بنمو سريع للسكان بسبب انخفاض معدل الوفيات (15-25) بالألف وبقاء معدل المواليد مرتفع (40-50) بالألف.
المرحلة الاستقرارية ( مرحله النضج السكاني) وتتميز بالنمو السكاني البسيط مع ارتفاع مستوى المعيشة الذي يؤدى إلى انخفاض معدل الوفيات (7-10) بالألف وربط – الباحثين هذه المرحلة بالبعد الجغرافي والحضاري حيث روا بأن مجتمعات شمال أوربا ووسطها – أمريكا الشمالية – اليابان قد بلغت هذه المرحلة.
إن النظرة الأولى للنمو السكاني في العالم تشير إلى أنه في ازدياد سريع ومستمر فقد كان في سنة (1500) ق.م (2227.9) مليون نسمة ثم ازداد في سنة1950 إلى (3603) نسمة ، وبلغ سنة 1980 (4415) مليون نسمة ، أما إذا حاولنا تحليل هذه الزيادة على مستوى القارات نجد أن مجتمعات قارة أفريقيا من أكثر المعدلات السكانية زيادة يليها المجتمعات الأسيوية ، ثم أمريكا الشمالية وأخيرا أوربا.(1)
القارة | السنة | نسبة النمو بالآلف | السنة |
العدد بالمليون | العدد | ||
1970 | 2000 | ||
أفريقيا | 345 | 32.5 | 828 |
أسيا | 2092 | 22.3 | 3611 |
أوروبا | 460 | 5.2 | 520 |
أمريكا | 266 | 8.8 | 299 |
المصدر: الطاهر الهادي ابولقمة ، الانفجار السكاني، دراسة جغرافيا السكان ، منشورات جامعة السابع من أبريل ، الزاوية، 1993 ، ص 3- 4 – 5.
ظهرت اتجاهات حديثة حاولت تفسير العوامل المؤدية إلى النمو السكاني من منظور أكثر واقعية بحيث أخذت في حسبانها العوامل الثقافية والعوامل الاجتماعية ، وبذلك لم يعد الأمر قاصراً على النظرية الديمغرافية. لذلك تأتى هذه الدراسة كمحاولة لتحليل هذه الظاهرة من خلال بعدين أساسين هما البعد الاجتماعي والبعد الثقافي على صعيد المجتمع الليبي مع الأخذ في الاعتبار البعد الديمغرافي المتمثل في النوع والعمر ، والعوامل المؤثرة في النمو السكاني في ضوء المؤشرات الحضارية الجديدة ( الحداثة) حيث يبد و أن التركيب العمرى للسكان الليبيين في اتجاه صاعد ، ويتبين ذلك من خلال النتائج الأولية للتعداد العام للسكان لسنه 2006 الذى يوضح أن عدد السكان الليبيين المقيمين في ليبيا بلغ خلال نفس السنه (5323991) نسمة منهم (3599278) فوق سن (15) سنه وبالنظر إلى توزيع السكان حسب النتائج الأولية لتعداد 2006 النوع وفق نتائج التعداد المشار إليه يتبين أن عدد الذكور بلغ (2965145) نسمة وبلغ عدد الإناث (2628846) نسمة وبذلك يبدو أنه فارق عددي بسيط توازن نسبى ، أما معدل الزيادة في السكان الليبيين (النمو السكاني) فيتبين من خلال مقارنه تعدادي (1995-2006).(1) وتنقسم فصول الدراسة نهاية ص 5.
تبين أن نسبه النمو السكاني وفق هذه الإحصائيات 21.3% من سكان (1995) وتعتبر هذه الزيادة ، عالية وفق المعدل العالمي لنمو السكان من هنا دعت الحاجة إلى تحليل هذا التغير الديموغرافي من خلال مدخل تكاملي يقوم على بعدين تمت الإشارة أليها ( الاجتماعي والثقافي) ولا شك في أن ارتفاع أو انخفاض هذه المعدلات له علاقة بجملة من العوامل الديمغرافية وبذلك تحاول هذه الدراسة كشف ومعرفة المتغيرات الديمغرافية والثقافية التي تؤثر في النمو السكاني في المجتمع الليبي . لان أي تغير في وضع المجتمع يعتمد أساساً على التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية و الاقتصادية التي حدثت في المجتمع الليبي فقد كان لهذه التحولات أثاراً واضحة على النمو السكاني والتحول الديمغرافي في ليبيا بعدان كان المجتمع يعانى من نقص شديد في حجم السكان نتيجة للحروب والهجرة وانتشار الاوبئيه والأمراض المعدية والفتاكة ، حيث كان المجتمع يعانى أثار التخلف الشامل ونقص حاد في ابسط مقاومات العيش الأساسية حتى أواسط القرن الماضي ، حيث كان دخل ليبيا في تلك الفترة لا يتجاوز (10) ملايين دينار سنويا. وهذا ما يظهره التقرير الصادر عن المصرف الدولي للإنشاء التعمير (1960) الذى قدم صورة مظلة عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع من حيث انخفاض مستوى معيشة أفراده واعتماد السكان على المساعدات الغذائية الدولية ، وارتفاع نسبة الأمية بالإضافة إلى انتشار الأوبية وعدم وجود البني الأساسية للنهوض بالمجتمع وانعكست تلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة بما أثرت سلبا في ليبيا وبعد حصول ليبيا على استقلالها عام (1951) حيث أوفدت الأمم المتحدة مبعوثاً لتقصى الحقائق فيما يخص وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي . ولدراسة إمكانية تقديم المساعدات اللازمة لها المعالجة الحالة التي كانت سائدة وتوالت البعثات والتقارير آنذاك وأكدت جميعها حالة الفقر.(1)
والتخلف الاجتماعي والاقتصادي الذي يمر به المجتمع في تلك الفترة ، حيث كان مستوى المعيشة لا يتعدى مستوى الكفاف لدى غالبية السكان ما دعى بعض السكان إلى الهجرة من مناطق سكانهم سوا كان هجرة داخلية أو خارجية مما أثر على حجم السكان ، كما أن الأوضاع السيئة السابقة كانت عوامل مساعدة لتناقص عدد السكان في المجتمع . وبقيام الثورة عام (1969) دخل المجتمع مرحلة جديدة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتلاحقة نتيجة للثورة النفطية وما تبنته من خطط تنموية واقتصادية أدت إلى التوسع في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية أدت إلى إحداث تغيرات مهمة في البنية الاجتماعية والاقتصادية في مختلف المجالات كالتعليم والإسكان والصحة وغيرها ولقد كان لهذا التحول أثره على السكان في ليبيا ويبدو ذلك واضحاً من خلال المؤشرات العامة للتحديث في المجتمع.(1) (1995 -2006)
وتنقسم فصول الدراسة إلى خمسة فصول يحتوي الفصل الأول على لمحة تاريخية عن أهمية الدراسات السكانية ، والفصل الثاني فيشتمل على الإجراءات المنهجية والتعرف على المفاهيم الأساسية ذات العلاقة والفصل الثالث يتضمن تحليل نقدي لبعض الاتجاهات النظرية المفسرة للدراسات السكانية كما يتضمن الدراسات السابقة وأخيراً يأتي الفصل الرابع الذي يتناول تحليل البيانات تأسس نظرية للنمو السكاني الناجم عن العوامل الاجتماعية والثقافية ،والنتائج العامة التي توصلت إليها الدراسة.
مراجع:
(1) الطاهر الهادي ابولقمة ، الانفجار السكاني ، دراسة جغرافية السكان ، منشورات جامعة السابع من أبريل ، الزاوية ، 1993 ، ص 72
(2) المرجع نفسه ، ص 74
(1) الطاهر ابو لقمة ، مرجع سبق ذكره ، ص 66
(1) النتائج الأولية للتعداد السكان 2006، الهيئة الوطنية للتوثيق والمعلومات ، 2006
(1) سعاد ميلود المريمي تغير المكان الاجتماعية للمرأة الليبية ، رسالة ماجستير غي منشورة 2006. صـ25
–سعاد ميلود المريمي، مرجع سبق ذكره ، ص 25