مقالات وآراء

الفتى والأميرة

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

يُحكى أن ملكًا دخل على ابنته، غاضبًا، وقال لها: “أنت وريثتي الوحيدة، ولكنك حتى الآن رفضت كل من تقدم لك. فأخبريني، ما الذي ترغبين فيه؟” فأجابته الأميرة المُولعة بالحب: “لن أتزوج إلا بالرجل الذي يخطف قلبي، وأحبه.” فانتشرت أقوال الأميرة لأبيها.
وجاء الأمراء والفرسان من كل حدب وصوب لينالوا قلب الأميرة، وكان هناك شرط يطلبوا من كل أمير أو فارس أن يقوم به، وذلك لكي يرى الأميرة ويتحدث معها. يتعين عليه أن يكتب على البورد ماذا سيقول للأميرة إذا سُمح له بمقابلتها ثلاث مرات. مع العلم أن في كل مرة، لن يتعدى الوقت خمس دقائق. وبناءً على ما سيكتب، يتم اختيار من سيقابل الأميرة.
كان هناك فتى يعمل في خان الحرير، الذي كان يبيع الأقمشة للأميرة. فقال لنفسه: “أحببتها بصمت منذ أن رأيتها، وقلبي أحق بحبها من غيري.” ذهب لكي يتنافس على قلب الأميرة، ولكنه رُفض لأنه كان أقل المتواجدين في كل شيء. فقرر الفتى أن يدخل إلى قصر الأميرة ليتحدث إليها. سمع بذلك الملك، فأمر جنوده بقتل الفتى إن شُوهد أمام أبواب القصر.
حاول الفتى بكل الطرق الدخول إلى قصر الأميرة، لكن أبوابه مغلقة بإحكام. كانت الأميرة ترى ما يفعله الفتى لأجلها، ولكنها لم تحرك ساكناً، فقد كانت مشغولة بالبحث عن الحب الذي طالما حلمت به.
ثم قرر الفتى أن يذهب إلى حكيم في أطراف المدينة، وقال له: “أنا متيم بابنة الملك وأريد الدخول إلى قصرها، ولكن أبوابه مغلقة بإحكام، فماذا أفعل؟”

فسأله الحكيم، “ألا تملك مفتاحًا لباب من أبوابها؟” فنظر الفتى إلى الحكيم وقال له، “لو كنت أملك مفتاح باب من أبوابها لما أتيتُ إليك”. فسأله الحكيم، “ألم تُلمح للأميرة أنك تُحبها؟” فقال له الفتى، “مراراً وتكراراً”. فقال له الحكيم، “أمهلها وقتًا، لربما أعطتك يومًا مفتاحًا لأحد أبوابها، أو ربما يومًا جعلت لك أحد أبوابِ قصرها مردودًا”.
سكت الفتى قليلاً، ثم قال للحكيم، “لو كنت مكاني، ماذا تفعل؟” فقال الحكيم للفتى، “لكل موقف منطق يحكمه، ولكل باب مفتاح يفتحه”. لم يفهم الفتى من الحكيم شيئًا! فسكت الفتى قليلًا ثم سأل الحكيم مرة أخرى، “ماذا تفعل إن كنت مكاني؟” ابتسم الحكيم للفتى وقال له، “كنت سأنتظرها دهرًا أن أعطتني إشارة أنها خلف الباب”.
سكت الفتى قليلاً، ثم قال للحكيم، “وإن لم تعطني تلك الإشارة فماذا أفعل؟” فقال له الحكيم، “كنت أخذتُ قلبي وابتعدت بعيدًا عنها”. فقال له الفتى، “أنا لا أقوى على العيش بدونها، فكلما ابتعدت عنها اقتربت منها”. صمت الحكيم وقتًا طويلاً، ثم نظر إلى الفتى وقال، “يا بني، لبرهة ستشعر أن الحياة بدونها لا تطاق، ولبرهة ستشعر أن بدونها ستخسر كل شيء، ولكنك لا تعلم أن خسارتها أكبر من خسارتك بكثير”. فنظر الفتى إلى الحكيم غاضبًا وقال له، “أتسخرُ مني؟ ماذا ستخسر أميرة مثلها إن لم تحب شابًا مثلي؟” فقال له الحكيم، “ستخسر قلبًا أحبها بصدق، ستخسر حبًا فعل لينالها كل شيء، ستخسر عشقًا تبحث عنه وهو يختنق ولا تراه”.
فقال الفتى للحكيم، “سأحاول الليلة وللمرة الأخيرة أن أدخل من أبواب قصرها، لربما فتحت، وإن لم تفتح لي سأذهب دون أن أنظر ورائي. وحينها، سلمها ما كتب لها في البُرد، وأحرص على أن يصل إليها، وقل لها أني أردت تسليمها هذا البُرد بنفسي ولكني منعت عن ذلك لصغر شأني”. ومع أن الحكيم كان يعلم أن أبواب الأميرة ستظل مغلقة بإحكام أمام الفتى، إلا أنه قال له، “حاول، ليستريح قلبك”. وفعلاً، لم تفتح الأميرة أبواب قصرها أمام الفتى، لأنها كانت في تلك الليلة منغمسة في التكفير عما إذا كان سيأتي في الغد الحب الخاطف الذي تنتظره أم لا. لذلك لم تنتبه للفتى، فأخذ الفتى قلبه وذهب بعيدًا كما قال له الحكيم، ولم يُسمع عنه شيء بعدها.
كتب لها الفتى في البُرد، “لقد طُلب من كل الذين يريدون الفوز بقلبك أن يكتبوا ما يريدون قوله لك في المرات الثلاث التي سيرونك فيها، ولكني لم أتمكن من كتابة ما أردت أن أقوله لك. لذا سأقول لك ما أردت!
فقالت الأميرة: “ماذا يعني هذا؟” الحكيم أجاب: “كان هذا الفتى يحبك، وحاول دخول قصرك مراراً وتكراراً، ولكنك لم تفتحي له أبوابه. فأخذ قلبه وذهب بعيدًا.”
بهول من الصدمة، ظلت الأميرة تنظر للحكيم بعيون متسعة، فقالت: “ولكني لم أعرف! لم يتحدث معي، لم يقل لي شيئاً!” الحكيم رد: “وهل الحب يحتاج إلى الكلمات دائماً؟ الحب أعمق من الكلمات يا أميرة.”
وكانت الأميرة تفكر في كلمات الحكيم، فأدركت أنها فقدت فرصة عظيمة للحب الحقيقي. وفي تلك اللحظة، أدركت أنها خسرت أكثر من ما خسر الفتى. ومنذ ذلك اليوم، ظلت الأميرة تبحث عن الفتى الذي فقدته، ولكنها لم تجده.
وهكذا، ظلت الأميرة وحيدة في قصرها الكبير، تتأمل في ما كتبه الفتى لها، وتتمنى لو كانت فتحت له أبواب قصرها. ومع الوقت، تعلمت الأميرة درساً قاسياً عن الحب والفرص المفقودة. لقد تعلمت أن الحب لا يأتي كل يوم، وعندما يأتي، يجب أن تستقبله بكل قلبك ولا تترك الأبواب مغلقة.

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

رجعة الزوي

أخصائية نفسية- ليبيا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×