الإبداع للأطفال معناه تجسيد لحلم الطفولة، وجعل الأدب معادلاً حقيقياً وفنياً؛ وإنسانياً لهذا الحلم ، والوصول بالطفل إلى معايشته ؛ رغبة في تحويل قيم الحلم وجمالياته ، ورحابة انطلاقه إلى سلوك ، وفكر ناضج ، ووعي سليم ، وتخيل رشيد ، وتلك هي أهم عناصر ومقومات بناء شخصية أطفالنا في ظل عصر الثورة المعلوماتية ، ويجب ان ندرك قبل الخوض في مقالنا هذا وجود مقدار من التشابه والاختلاف بين الأدب المقدم للصغار والأدب المقدم ، فهما يتفقان في المبادئ العامة لربما في النوع والشكل والهدف، ويختلفان في الخصوصية ، فأدب الأطفال خبرة لغوية في شكل فني ، يبدعه الفنان للأطفال بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلاً ، يعيشونه ويتفاعلون معه ، فيمنحهم المتعة والتسلية ، ويدخل على قلوبهم البهجة ، وينمّي فيهم الإحساس بالجمال ، ويقوّي تقديرهم للخير ومحبتهم له ، ويطلق العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعية ، ويبني فيهم الإنسان الصالح القادر علي التعايش مع نفسه والآخرين بسلام .
لقد عرف المربون أنّ القصص المترجمة للأطفال لا تهبهم الفائدة التي يطمح إليها الأهل ويرجون أن يحصل عليها طفلهم، فالطّفل العربيّ يحتاج إلى القصص التي تتحدّث عن عالمه، القريبة من بيئته المحلية، والتي تتكلّم بلغته وعن شعبه ودينه، فتؤكّد على عادات أهله وتقاليد بلده، ولذلك لن تفلح القصص المترجمة في إثراء معرفته عن هذه الجوانب، وعلي الرغم من ملاحظتنا سيطرتها وغزوها علي مكتباتنا العربية وكونها تصدر بطبعات فاخرة مزخرفة بأشكال وألوان بارقة مغرية للانتقاء من قبل الأسرة ومثير للتصفح من قبل الطفل إلا إننا نجد أنفسنا بحاجة للتوعية بمخاطرها وتأثيرها بعيد المدى علي عقل ونفس الطفل لكون محتواها مغاير لكل ما نسعي لتعليمه وتوطينه في عقله وفي روحه من قيم ومعايير سلوكية واجتماعية تختص بالروح العربية الأصيلة وبالقيم الدينية السامية والتي من شأنها حثّ الطّفل على التّصرّف السّليم، فالأخلاق الحميدة سمةٌ مشتركةٌ لأهداف قصص الأطفال في كلّ الّلغات.
عناصر كتابة قصص الأطفال :
المغزى والفكرة والقيمة : دائماً ما تكون القصّة محصورةً ضمن هدفٍ ما، فالقاصّ يرغب أن يخبر الطّفل عن أمر مهمّ، ثمة عبرة أو حكمة، أو فكرة يرغب أن يقنع الطّفل بمدى أهميّتها في هذه الحياة، لكن من أهمّ أساليب التّدريس أو التّربية بشكل عام ألّا يتمّ تلقين الطّفل أو فرض الأوامر عليه، ولذلك يحاول القاصّ أن يمرّر للطّفل غايته عبر القصّة، فلو سُئل الطّفل بعد نهاية القصّة عن هدفها ورأيه بتصرّف أبطالها سيخبر السّائل أنّ الفعل الإيجابيّ هو الصّحيح، دون أن يُفرَض عليه ذلك.
الشخصيات :تعد الشّخصيّات أهمّ عناصر القصّة والمقصود بالشخصيات هم أبطالها، فالطّفل بطبعه يبحث عن أبطال يقلّدهم، فلابدّ أن تمتلك الشّخصيات أسماء من بيئة الطّفل، وتمتاز بصفات متنوّعة، فمن الحكمة وجود أطفال سمر وآخرين بيض، أصحّاء ومرضى، ليتعلّم الطّفل تقبّل الاختلاف، ويجب أن ترتقي شخصيّة من شخصّيات القصّة إلى درجة البطل، ليتركّز اهتمام القاصّ والطّفل عليها عند الكتابة والقراءة، كما يجب أن يتمتّع هذا البطل بصفات مميّزة لكن غالباً ما يفضّل ألّا يكون البطل خارقاً، فعلى الطّفل أن يتعلّم أنّ الأخلاق الحميدة في متناول الجميع، كما يفرح الأطفال عندما يتحدّث في قصصهم الحيوان فليس شرطاً أن يكون البطل طفلاً أو إنساناً، فالطّفل لا يهتمّ بنوع بطله بل يهتمّ بأفعاله.
الحبكة : الحبكة هي أحداث القصّة وليس المقصود بها العقدة كما يظنّ البعض، أي أنّها ترتيب أحداث القصّة حسب رؤية القاص؛ وكما يقرأها القارئ والحبكة تمثل عقدة الحكاية والتي تنطلق منها كافة الإحداث السهلة والصعبة ويجب إن تراعي في قصص الأطفال إن يتم التمهيد للحبكة بشكل مبسط وسلسل حتى يستفاد من العبرة أو العظة التي تقدمها لنا القصة.
السّرد والحوار : تحتاج قصص الأطفال كما الكبار إلى الحوار والسّرد، ويفضّل الإيجاز والاختزال أكثر في قصص الأطفال، فهم سريعو الملل، وسيساعد الحوار الطّفل على فهم الأحداث والتّعايش معها. وهذا يختلف حسب الفئة العمريّة التي ستتوجّه لها القصّة، فإن كان السّرد للأطفال فوق سبع سنوات وجب الإيجاز، وعلى القاص الاعتماد على الحوار المباشر، أمّا قصص الأطفال تحت سنّ الخامسة يحتاج الطّفل إلى قارئ فعلى القاص الاختصار أكثر بحجم النّصّ وكلماته. وإن قرأ الأب أو الأمّ أو أيّ شخص آخر فعليه أن يعتمد التّشويق بطريقة القراءة، ويمكن أن يختصر ويتكلّم بلغته أحياناً، فالطّفل سيحبّ أن يقرأ له القارئ بالعاميّة لكن الأفضل أن يُقرأ النصّ كما هو، فمن البداية يجب أن ينجح القاصّ في الكتابة بلغة سليمة يدركها الأطفال بلا جهد.
ومن الهام لنا تحديد شروط كتابة القصة في شكل خطوات مبسطة يمكن لأي معلمة تمتلك موهبة إن تحيل تلك الموهبة إلي عمل أدبي تربوي حقيقي يكون جاهز ومعد لشريحة الأطفال :
تحديد الفئة العمرية للأطفال المراد كتابة القصة لهم، إذ إنّ لكلّ فئةٍ عمرية أسلوب ولغة مختلفة عن الفئة الأخرى، فمثلاً عند كاتبة قصةٍ لأطفالٍ تتراوح أعمارهم ما بين الثانية والسابعة يجب استخدام العبارات القصيرة والبسيطة، أمّا للأطفال ما بين الثامنة والعاشرة فمن الممكن استخدام جملٍ أطول، ولغة أكثر تعقيداً.
الاستعانة بذكريات الطفولة الشخصية لأخذ الإلهام، حيث يجب استخدام الأحداث الغريبة والمميزة والمثيرة لتكون الأساس الذي ستبنى عليه القصة، تحويل الأحداث العادية إلى أحداثٍ خارقة وعجيبة، فمثلاً من الممكن الكتابة عن الزيارة الأولى لطبيب الأسنان، وكيف أنّ الأجهزة الطبية بدأت تتحدث وتتحرك تحديد الفكرة الأساسية أو الغرض الرئيسي من هذه القصة، كالحب والصداقة والإخلاص وغيرها، مع الحرص على شرحه من وجهة نظر الطفل.
خلق شخصية أساسية في القصة، ومن الممكن الاستعانة بشخصيات مميزة لأطفالٍ أو كبارٍ في السن من الحياة الواقعية ، فيتم توظيف شخصيات معروفة ومحبوبة وقريبة من نفس الطفل وعادة ما يتم توظيف شخصيات اجتماعية ذات قيمة كبيرة مثل ” الجد ، الجدة ” فهي روح محبة ومثابرة وغالبا مايقع الأطفال في حبها بشكل كبير وتلقائي.
إعطاء الشخصية الأساسية في القصة سمات خاصةٍ فيها، كقصة شعرٍ مميزة، أو أسلوبٍ معين في اللبس أو المشي أو الحديث، أو حتّى ندبةٍ موجودةٍ على اليد أو الوجه، هذا بالإضافة إلى بعض السمات التي تتعلق بالشخصية كطيبة القلب، والوفاء وغيرها.
إعداد تمهيدٍ للقصة، ويكون ذلك من خلال تسمية الشخصية الأساسية فيها، وتحديد المكان أو الموقع الذي تتمّ فيه الأحداث، بالإضافة إلى ذكر المعضلة أو الحبكة في هذه القصة، فمثلاً: هناك فتاةٌ صغيرةٌ اسمها رغد، ترغب بشدة بأن يكون لديها حيوانٌ أليف،وتحاول منذ فترة طويلة اقتناء واحد لكن والدتها ترفض باستمرار ،وفي يوم ما مشمس وجدت سلحفاةً بجانب الحديقة القريبة من منزلها فسعدت بها جدا وأرادت بشدة الاحتفاظ والعناية بها.
حيث نجد انه من الهام إن يعمل مؤلف القصة علي إدراج بعض الأحداث المحفزة أو المثيرة والتي من شأنها تغيير مسار الأحداث في القصة، والتي غالبا قد يكون مصدرها شخصيةً أخرى ثانوية، فمثلاً: رفضت والدة رغد الاحتفاظ بالسلحفاة، لأنّها تحتاج إلى عنايةٍ كبيرة ولدي رغد أخوة صغار قد لا يفهمون معني العناية بحيوان أليف داخل المنزل فقد يؤذونها مثلا بنية اللعب معها ، تصعيد الأحداث في القصة للكشف عن علاقة الشخصية الرئيسية بالشخصيات الثانوية الأخرى، فمثلاً: قامت رغد بإخفاء السلحفاة في حقيبته أثناء ذهابها للروضة حتّى لا تراها أمها، الوصول إلى ذروة الأحداث، وهي عبارة عن النقطة التي تقوم فيها الشخصية الرئيسية باتخاذ قرارٍ كبير، مثل: اكتشفت معلمة رغد السلحفاة الموجودة في الحقيبة و أتصلها بوالدة الطفلة والتي تكتشف أنّ ابنتها تخفي السلحفاة،التي ورفضت سلفا أن تبقيها في المنزل. إدراج حدثٍ فيه تتحمل الشخصية الرئيسية مسؤولية قرارها المتخذ، كما يمكن أن يتضمن هذا الحدث اتحاد شخصيات القصة لإيجاد الحلّ المناسب، مثلاً: تجادلت رغد مع أطفال الروضة حول من يلمس السلحفاة وأثناء ذلك هربت السلحفاة من قاعة الصف وخرجت للفناء الخارجي وخرجت الطفلة والمعلمة للبحث عنها. تحديد خاتمة القصة، وفيها يكشف الكاتب فيما إذا استطاعت الشخصية الرئيسية تحقيق هدفها وحلّ المشكلة أم لا، مثلاً: وصلت أم رغد للروضة ووجدت حالة الفوضى التي حدثت بسبب إحضار الطفلة السلحفاة معها ، خرجت للبحث عنها بصحبة الجميع ،إلى الفناء الخارجي حيث رأتا السلحفاة تحفر مبتعدة المفاجأة أنها لم تكن لوحدها بل هنالك آخري أكبر منها ،اكتشفت رغد انهال ربما تكون أمها وإنها ترغب بالبقاء.وضحت معلمة الروضة للاطفا لان السلحفاة ليست حيوانا منزليا لكنها ترغب بالعيش في الطبيعية ولابد لنا من احترام تلك الرغبة .. فهمت رغد العبرة وعادت للمنزل مع أمها ، أن قراءة قصص الأطفال بشكل دائم ومستمر يمكن إن يساعد معلمات الروضة في التعرف على أسلوب وطرق الكتابة فيها بشكلٍ إيجابي أكبر، وان عجزت عن ذلك هنالك بدائل أخري وهو استخدام القصص المكتوبة الجاهزة .
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نختار القصة المناسبة للأطفال؟
إذا وضعنا في عين الاعتبار إن شكل ومظهر القصة من الأمور الهامة لنجاح استخدامها وتقديمها ،وعليه لابد إن تتصف بعدد من المعايير الخارجية الهامة لان المظهر في العموم يساعد علي توصيل المضمون كما ينمي حاسة التذوق الأدبي لدي الطفل ـ ويعتقد بعض الناس يعتقد أن القصة الجيد هي القصة التي تعجب الوالدين وبعضهم يعتقد أنها القصة الجيدة هي القصة التي يحبها الأطفال، والواقع أن كلا الرأيين صواب وليس بينهما تناقض، فيجب أن نلاحظ عند الشراء، ظاهر القصة ومحتواها.
- أما القصة من حيث المظاهر فيجب أن عند كتابة وإعداد كتب لقصص الأطفال مراعاة عدد من الشروط أهمها :
- أن يكون حجم القصة مناسب لأعمار الأطفال، من حيث عدد صفحاتها و ترتيبها وتنسيقها مع الاهتمام بإخراج القصة بالصور المناسبة للأطفال
- أن تكون حروف الطباعة واضحة، وحجم القصة مناسب، مع توضيح الألوان وانسجامها سواء في العناوين الرئيسية والجانبية، وكذلك تنسيق الفقرات مع مراعاة المسافات وعلامات التشكيل والترقيم والتنقيط وكذلك طول السطر..
- ملائمة التصميم الفني للغلاف وموضوع الكتاب، وأن يلفت هذا التصميم انتباه الأطفال على أن يتضمن الغلاف، عنوان الكتاب، أسماء المؤلفين، الطبعة وتاريخها، والجهة التي أصدرته، وأن لا يتمزق الغلاف بسرعة
- اختيار ورق الكتاب من النوع الجيد مع الاهتمام بالتجليد والتلوين ووضوح الكلمات وبساطتها.
أما من حيث المحتوى، فيجب إن يكون ملائم لسن الطفل من حيث:
- أن تكون القصة بسيطة وغير معقدة .
- أن تلاءم القصة واقع الطفل وخبرته الحياتية واليومية .
- أن تكون ألفاظها سهلة ومعتادة غير غريبة ليستطيع الطفل فهمها وحفظها بسهولة.
- أن تتناسب مع الجو الاجتماعي للطفل.
- تتوافق مع التعاليم الدينية والإسلامية.
- أن تكون متسلسلة الحوادث بشكل مفهوم وواضح فيتم الابتعاد عن الإحداث الصعبة والمركبة.
- ألا تتضمن القصة المواقف المزعجة والمخيفة أو السلوكيات العنيفة.
- أن يكون الموضوع ضمن دائرة اهتمام الطفل فيلبي مطلبا تربويا تعليميا.
من الهام إن توظف المعلمة القصة لتنمية مهارات معينة لدي الطفل
حيث تصبح القصة مؤثرا هاما لتوطين القيم الأخلاقية والوجدانية لدي الطفل وقد أشارت الباحثة في مقال سابق لدور القصة في التربية الأخلاقية حيث تناولت فكرة المضمون التربوي للقصة وعليه رأت انه من المهم إن توظف القصص في تحقيق الأهداف التربوية والمعرفية وذلك ليس تحليل شخصي فحسب ولكنه متفقا مع آراء عدد من العلماء نذكر منهم بياجيه رائد الاتجاه المعرفي في دراسة النمو الخلقي لدى الأطفال والذي أوضح في نظريته المعرفية
،ولقد أكد على خطورة الدور الذي يمكن أن تلعبه القيم والمعايير الخلقية التي يستخدمها الطفل في الحكم علي المواقف الاجتماعية المختلفة في تكوين شخصيته ككل وفي حياته الاجتماعية والنمو المعري ، مبررا ذلك بأن دراسة خلق الطفل تنير السبيل إلي معرفة خلقة في المستقبل وهو المراد إحكام بنائه ، والبداية تكون من الطفل، وتبين نظرية بياجية للنمو الخلقي أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به المعايير الخلقية للطفل والتي يستخدمها في حكمة علي المواقف الاجتماعية المختلفة في تكوين شخصية الطفل وفي حياته الاجتماعية ونموه المعرفي.
وعليه تورد الباحثة المثال التالي :
- بعد أن يستمع الأطفال إلى قصة سفينة نوح مثلا أو إلى أي حكاية سيدنا يوسف مع إخوته أخرى حول الحيوانات ، تنتقي المعلمة ما يتناسب ومستوى أطفال الصف من الأهداف السلوكية ، وتصمم الأنشطة التي يمكن أن تقدمها للفئة العمرية التي تعمل معها، فهذه الأهداف ما هي إلا إطار يسعى إلى توضيح الخبرات التي يمكن أن تقدم للطفل، فهي ليست نشاطا أو وصفا لنشاط، بل على المعلمة أن تأخذ المبادرة بالتخطيط وإعداد الأنشطة اليومية ذات التوجه الحر والتعلم الذاتي والمشاركة الفعالة، وأن تبادر بتصميم التدريبات التي تركز على تنمية مهارة محددة.
الخلاصة :
تعتبر مسؤولية تربية الأطفال من المهام الرئيسيّة والمهمة في الحياة، فعند تربيتهم تربيةً سليمةً وصحيحةً يضمن ذلك تمتعهم بالقيم الصحيحة المناسبة على مواجهة ما يتعرضون له في مجتمعهم ، كما أنها تمتلك القدرة علي الجمْع بين الدور الثقافيّ والتربويّ والترفيهيّ في وقت واحد، وللقصة سواءً من كانت مسموعة أو مصورة أو إلكترونية تأثيرُها الإيجابيٌّ على الطفل وذلك لضمانُ حصول الطفل على المعرفة، والتربية الصحيحة، والتعرّف على السلوكيّات الصالحة ودفعه للقيام بها، بالإضافة إلى الترفيه عن نفسه وتسليته بشيءٍ مفيدٍ، كما أنها تمتلك القدرة علي إشباع حاجات الطفل الإنسانيّة في تلك المرحلة، وبالذات المتعلّقة بنموّه الأخلاقي والاجتماعي .