مقالات وآراء

فيتامينات تربوية ج5

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

    وهب الله لكثير من خلقه الذرية، وقد استودع أمانته عند هؤلاء الأبوين، وإنه لسائلهم عن وديعته عندهم، هل حافظوا عليها وأحسنوا، أم ضيعوها وأساؤوا؟

    ولكل أبوين حريصين على أمانة الله عندهم في أبنائهم نبدأ معا هذه السلسلة المصغرة في أصول تربية الأبناء، وكأنها كبسولات مكثفة بالفيتامينات، إلا أنها فيتامينات تربوية على السريع، ومن أراد الاستفاضة في العلم، فليجتهد بالبحث عن معرفة التفاصيل، فإن أفضل العلم والذي لا ينسى هو ما يُبحَثُ عنه، وليس ما يأتيك على طبق فتعزف عنه.

ونستكمل معا سلسلة الفيتامينات التربوية:-

مرحلة( 11: 14) عاما، وفيتامينات تربوية للأبوين على السريع:

   مرحبا بما يسمونه العلماء ” فترة المراهقة”، وإن كنت أتحفظ على التسمية السلبية لهذه المرحلة الرائعة في حياة الأبناء، فالمراهقة أصلها من الإرهاق والرهق أي الشدة والتعب المضني، كلمة معانيها سلبية بالمجمل وبكل أسف..

    وعلى الرغم من أنها مرحلة انتقال الأبناء من الطفولة إلى الصبا وكان ولا بد أن يكون لها وعي خاص واستعداد وتأهيل للأبوين وطفلهما لاستقبال تلك المرحلة، إلا أنهم يستقبلونها بمخاوف شديدة ووعي غير كاف إن وجد، مما يؤدي إلى تفاقم الأمور لعدم إدراك الجوانب التربوية المناسبة لتلك المرحلة الانتقالية..

  وسأتجاوز في كلامي عن المسمى ( المراهقة) وسأستخدمه بكل أسف بسبب أنه المصطلح المتعارف عليه رغم اعتراضي عليه، لأن تلك المرحلة ما هي إلا مرحلة انتقال عمري كأي مرحلة انتقال عمرية في حياة الإنسان .

   ولا بد أن نتعلم كأبوين عن خصائص تلك المرحلة كما تعلمنا آنفا عن خصائص كل مرحلة في تربية أطفالنا، فبالعلم والمعرفة والتدريب والدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء تتم التربية الرشيدة بمشيئة الله..

   ولهذا كان ولا بد أن نعرف أن تلك المرحلة قسمها العلماء المختصون إلى ثلاث مراحل:

  • مرحلة المراهقة الأولى: تمتدّ من عمر أحد عشر عاماً إلى أربعة عشر عاماً( 11: 14)، ويحدث خلالها تغيّرات بيولوجيّة سريعة.
  • مرحلة المراهقة الوسطى: تمتدّ من عمر أربعة عشر عاماً وحتّى الثمانية عشر عاماً( 14: 18)، ويتمّ فيها اكتمال التغيّرات البيولوجيّة.
  • مرحلة المراهقة المتأخّرة: تمتدّ من عمر ثمانية عشر عاماً وحتّى واحد وعشرين عاماً( 18: 21)، وعنها يصل المراهق إلى مرحلة الرشد التام.

وعلية فإنا بصدد تلك المرحلة الأولى من( 11: 14) عاما، وعليه.. فما هي فيتاميناتنا التربوية في تلك المرحلة للأبوين الحريصين الواعيين في تربية ابنائهما؟

  • على الأبوين معرفة الخصائص البيولوجية لتلك المرحلة، وهي ما يتعرض له الابن/ة من تغيرات جسمية لم يعهدها الطفل سابقا، وعلى الأبوين أن يعلما أبناءهما تلك التغيرات وكيفية استقبالها والتعامل معها بما هو لائق من أصول النظافة والملبس المناسب.
  • وعلامات النمو الجسدي تتمثل في: ازدياد الطول والوزن، وتظهر علامات النموّ على الأنثى بشكلٍ أكبر من الذكر في مرحلة المراهقة الأولى، ويتّسع الوركان بالنسبة للكتفين، والخصر، أمّا عند الذكور فيتّسع الكتفان بالنسبة إلى الوركين، وتكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقيّة الجسد، إضافة إلى نموّ العضلات..

ويتبع النمو الجسدي نموا جنسيا له علامات أيضا وعلامات النضوج الجنسيّ: ويتمثّل عند الإناث بالدورة الشهريّة، وليس بالضرورة ظهور الخصائص الجنسيّة الثانويّة كنموّ الثديين وظهور الشعر تحت الإبطين.. أما الذكور فيتمثل في نمو الخصيتين، وبروز الشعر حول الأعضاء التناسلية..

كل هذه التحولات الجسدية والجنسية التي تدل على النمو الصحيح تؤدي إلى تغيرات نفسية لأبنائنا، لأنها ما ظهرت إلا بسبب التحولات الهرمونية داخل أجسادهم الصغيرة بعد، ولهذا تؤثر على أمزجتهم أحيانا، وبالتالي تؤثر على علاقاتهم الاجتماعية، لأن التغيير الهرموني داخل الجسم يؤدي إلى اضطرابات شعورية متداخلة، تؤثر بالمؤكد على تعاملاتهم وأفعالهم وأقوالهم.

  • من المؤكد أيها الأبوان أنه قد يصيبكما الغضب والانفعال جراء تصرفات أبنائكم في هذه المرحلة، ولكن بعد علمكما أنهم لاحول لهم ولا قوة في ذلك، فيجب عليكما العودة للقاعدة التربوية الذهبية رقم (11و 12و 13)، أي استمرار الحب والاحترام والتقدير، مع العلم والحث عليه، مع الصبر والحلم والاصطبار عليهم، وعدم مناقشة أحواله على مسامعه.
  • اجلسا أيها الأبوان مع ابنكما وعلماه أنه يستهل مرحلة عمرية تحمل التغير الجميل والرائع، ليكون شابا يافعا وبطلا مغوارا/ لتكون فتاة جميلة رقيقة رائعة.. علماه ما تعلمتما من تلك التغيرات الجسدية والجنسية والنفسية، وأنكما فرحان تماما بنموه وسعداء بذلك جدا، فلا يخجل أو يستحي/ تستحي من علامات البلوغ هذه، وأنكما مقدران أنه/ها يحارب داخليا من أجل أن ينضج ليصير شابا/ فتاة

وأنكما تساندانه كأبوين فلا يقلق أو يضطرب أو يخاف من أي شيء، واجعلا هذه المرحلة الانتقالية هي بداية خطوط الصداقة بينكم كأبوين وابنهما/ بنتهما.. واعلما أنكما طالما احتفظتما بخطوط الصداقة وإمدادها كل حين بالثقة والستر، كلما كنتما نعم الأبوين لمراهقكما.. فالصداقة في التربية هي القاعدة الذهبية(18).

  • ما زال رغم ذلك ولدكما أيها الأبوان في هذا العمر من تلك المرحلة الانتقالية في حضنيْكُما لم ينفصل بعد، بل يقدم ويتأخر بقدمه، ويحسب حساباته، ولهذا تراه يتعثر كثيرا فيخطئ في تلبية رغبته عن الانفصال عنكما رغبة في إثبات الذات، فتظهر بعض التصرفات غير المحمودة، وقد تصدر الأقوال أيضا غير التي تربى عليها.. لا تقلقا أيها الأبوان فلقد تعلمتما أن تلك المرحلة من النمو قد تستدعي ذلك، ولذا ما عليكما إلا الإرشاد بحب، والتوجيه بقلب، والصبر بعطف، والمتابعة بحنو، والأخذ بيديه بصداقتكما له بستر، فما يزال وليدكما صغيرا يحبو نحو الفتوة بضعف، فاصبرا واصطبرا، وإياكم بالحكم على شخصه وتكويناتها في تلك المرحلة المتغيرة.
  • الغذاء الصحي المتوازن، بالكم المطلوب دون إفراط أو تفريط من خلال برنامج غذائي لتلك المرحلة من النمو هام جدا جدا.
  • ممارسة الرياضة للجنسين وبما يناسب المرحلة هام جدا ويهلك كثيرا من الطاقة، فلا يهلكها في المعرفة الجنسية التي قد تؤدي إلى أضرار أو أساليب وخيمة لتفريغها.
  • الصحبة الصالحة، التي تساعدكم وتبني في ابنكم الصلاح والتقوى، وليس ما تملأ الفراغ بلا هوية أو هدف.
  • الأنشطة المعرفية من القراءة والتعلم بمختلف أنواع المعارف والعلوم والآداب بما تتفق مع هوايات أبنائكم.
  • الأنشطة الاجتماعية المثمرة من توزيع الصدقات وأعمال المعروف عامة تحت إشرافكما، أو عيادة المرضى في المشافي، وزيارة القبور للعظة والعبرة، فيعرف ويتعلم أن الحياة ليست دار قرار ولا استقرار، وأن الآخرة خير وأبقى.
  • التدريب على النوافل من الصيام والقيام، للحفاظ على الفرائض وصيانتها من سارقها الشيطان، والصحبة السوء.
  • تدريب الفتاة على الستر ومن ثم الحجاب، وخفض الصوت والحياء.
  • التدريب على العفة في القول والفعل، فلا يتلفظ بالقبيح لأنه يصيب اللسان بالاتساخ، ولا تقع عينه على محرم كي لا تتسخ عينه، ولا يسمع إلى باطل القول أو لغوه كي لا تتأذى أذناه.. فكل هذه الأعضاء أمانة من الله عنده، سيحاسبه عليها صانها أم فرط فيها.
  • سماع أو قراءة قصص الأبطال في مثل تلك المرحلة العمرية وكيف كانوا مجاهدين مغوارين في صدر الإسلام الأول، وفاتحين للدول على مدار عصور الإسلام وقادة وخلفاء للإمبراطورية الإسلامية العظيمة في عهود الخلافة الإسلامية على مدار ألف وأربعمائة عام.. وكذلك سير المصلحين من العلماء والأدباء والمشايخ، وكيف كانوا يأدون دورهم بإخلاص لله لا يبتغون إلا رضاه.
  • إياكما أيها الأبوان أن تنصحاه بما لا تفعلاه، بل كونا له/ها قدوة صالحة، فالتربية بالقدوة من أيسر طرق التربية، وهذه القاعدة الذهبية( 19) في التربية.
  • هذه المرحلة تواكب المرحلة الإعدادية أو المتوسطة في التعليم المدرسي، ولذا فلزاما على الأبوين المتابعة الحثيثة لما يحدث في المدرسة، من خلال صديقهما المفضل- ابنهما/ ابنيهما- وأيضا من خلال التواصل مع المعلمين في زيارات الأبوين للمدرسة، ومن خلال أيضا بعض دردشات أولياء الأمور، للإلمام بالوضع المدرسي من عدة اتجاهات، لمعرفة البيئة المصاحبة للأبناء.
  • معرفة البيئة المدرسية للأبناء ليس للتعالي في جلسة الأهل والأصدقاء وإنما للمتابعة ومعرفة ما يضر فنزيله، وما ينفع فنثبته ونشجعه عليه، ولكي نتابع مدى صدق أو مبالغة الأبناء فيما يحكون لنا من أحداث فنوجه بما يناسب.
  • أيها الأبوان: إن التربية فن، والفن هو عرض جميل– الابن/ة-، لإبداع خلاب– تربيتكم-، بطريقة مهارية متميزة– أساليبكم في التربية-، وهذه هي القاعدة الذهبية(20) في التربية.
من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

هيام الدسوقي

مدرب حياة، مستشار تربوي وأسري- تركيا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×