وهب الله لكثير من خلقه الذرية، وقد استودع أمانته عند هؤلاء الأبوين، وأنه لسائلهم عن وديعته عندهم، هل حافظوا عليها وأحسنوا، أم ضيعوها وأساؤوا؟
ولكل أبوين حريصين على أمانة الله عندهم في أبنائهم نبدأ معا هذه السلسلة المصغرة في أصول تربية الأبناء، وكأنها كبسولات مكثفة بالفيتامينات، إلا أنها فيتامينات تربوية على السريع، ومن أراد الاستفاضة في العلم، فليجتهد بالبحث عن معرفة التفاصيل، فإن أفضل العلم والذي لا ينسى هو ما يتم البحث عنه، وليس ما يأتيك على طبق فتعزف عنه.
ونستكمل معا سلسلة الفيتامينات التربوية:-
سادسا: المرحلة من (14: 21) عاما:
وهذه المرحلة تمر بمرحلتين من مراحل المراهقة الممتدة معنا كما اتفق علماء التربية، وهي من ( 14: 18) عاما وهي مرحلة المراهقة المتوسطة، ومن ( 18: 21) عاما وهي مرحلة المراهقة المتأخرة إلى سن الرشد..
ولنبدأ.. بمرحلة المراهقة المتوسطة( 14: 18)عاما:
وهذه المرحلة تحديدا، تواكب تقريبا المرحلة الثانوية في التعليم المدرسي، وما يعتريها من تحديد اختيارات للمستقبل العلمي والوظيفي المنشود، مع استمرارية النمو الجسدي والجنسي والنفسي، وقد تصاحب أيضا نمو الوالدين في وظائفهما وأنهما أخذا مناصبا ذات مسؤولية أعظم في أعمالهما، بما يتسبب في زيادة الضغط عليهما، سواء في العمل أو في البيت..
لكما الله أيها الأبوان الرائعان، اللذان يوازنان بين أعمالهما وبيتهما، فيجتهدان ولايقصران، ويتابعان كلٌ بما وجب، ويسيطران على نفسيْهما فلا ينضغطان فينفعلا ويخطئا..
ألم نقل في القاعدة الذهبية (20) في التربية ، أن التربية فن.. فهنا وتحديدا هنا، نريد هذا الفن لنُظهر أفضل ما لدينا من أدوات، لتبلغ لوحاتنا أو عرضنا مداه في الاستقرار وتخطي الصعاب والوصول للمراد باستواء دونما انحراف، فكلما زادت مهارتكم أيها الأبوان في أساليب التربية، زادت إبداعاتكم في استخدام الوسائل، وبالتالي كان عرضكم ومنتجكم أميز.
- سأبدأ بكلمة الفصل.. أي افصلا أيها الأبوان بين العمل والبيت، فلا تحملا أحدهما إلى الآخر عندما تذهب إليه، فلكلٍ مهامه وواجباته ومتطلباته، دونما إفراط أو تفريط.. القاعدة الذهبية(21) في التربية.
- أنتما الآن أصدقاء مع أبنائكم، قلوبكم التي تسير على الأرض أمام أعينكم، توجا الصداقة هذه بمزيد من الصحبة، بحكاياتكم عن الأحوال، ومشاركتكم الآراء وبعض القرارات، وتفويضهم في بعض المهام الأسرية.. القاعدة الذهبية( 22) في التربية.
- اعبدوا الله معا، بصيام نافلة، أو بقيام ليل، أو بتلاوة جماعية لسورة الكهف يوم الجمعة، أو بسماع شيخ متفق عليه لدى أسرتكم، أو بأعمال بر.. فالعبادة معا توصل القلوب، وتريح الخواطر الجماعية، وتعمل على التوافق الجمعي إرشادا وعملا.. القاعدة الذهبية( 23) في التربية.
- تمهلا أيها الأبوان ولا تتعجلا قطف الثمرة، فما زال ابنكما/ بنتكما، لم يستطيعا تحديد تخصصهما المستقبلي، تمهلا ولا تملَّا، فهم ما زالوا صغارا، ينبهرون بالوظائف لنجاح البعض وتميزهم فيها، ولكن أنتما أيها الأبوان تعلمان جيدا أن ابنكما/ابنتكما قد لا يتميزان فيها، لأن قدراتهم وتميزهم مختلف، فعليكم هنا الإرشاد والتوجيه، بإخراج قدراتهم التي تعرفونها عنهم إليهم ليدركوها، وينموها، وليس بالسخرية، أو الانتقاد، فإياكما منهما إياكما، فهي عوامل هدم لا بناء.. وهذه القاعدة الذهبية( 24) في التربية.
- إياكما أيها الأبوان ودخولكما الصراع بين الآباء والأمهات، حول نسب النجاح والمقارنات، وسباق الجامعات والسفر للخارج من أجل التعليم، فلكل استطاعته وقدرته، وما يناسبه، وقد يكون أحد الفتيان قادرا على السفر وخوض تجربة الغربة وتغيير البيئة إلى بيئة منفتحة عن بيئته، أو مختلفة دينيا، وهناك من لا يستطيع ذلك نفسيا.. فلابد من دراسة نفسية ابنكم في استطاعته للسفر والغربة وحيدا، وهل يستطيع تحمل مشاق الغربة وتغيير البيئة مع الالتزام بالدراسة وموارد الإنفاق أم لا، وبعدها خذوا القرار المناسب للحالة التي لديكم، كما أنها قد لا تناسب أحد الأبناء وتناسب الآخر أو العكس، فلا بأس أبدا فلكل قدراته وطموحه ونصيبه الذي كتبه الله له.. وهذه القاعدة الذهبية( 25) في التربية.
- هل ما زلتما أيها الأبوان على العهد بالغذاء الصحي كنظام للحياة، والرياضة البدنية لصرف الطاقة في مصارفها المناسبة، وبالإغداق على الأبناء بالحب والاهتمام والاحترام والتقدير، والعطف والحنان والمصاحبة، وبناء أسس الصداقة، والحوارات البناءة والنقاشات المثمرة، وتفويضهم لبعض مسؤوليات أسرتكم الجميلة، إن كنتما ما زلتم على العهد، فهنيئا لكما حرثكم، فاستمرا بالتعهد والمتابعة، والتقويم المستمر، من خلال وقفات مع النفس للأبوين معا، أو كل منهما منفردا، لتعديل المسار إن تم الاحتياج لذلك، فالمرونة في التربية هي القاعدة الذهبية( 26) في التربية.
- أيها الأبوان الرائعان لقد نضجت نبتتكم وقربت على الاستواء فهنيئا لكما، فاستمرا بالدعاء لهما، فدعاؤكما لهما هو عين الخير الوفير، والحفظ الجليل، ولا تنسيا أبدا أن تستودعاهم عند الله في خروجاتهم، ومع صحبتهم، وفي طرقهم، وليكن دعاء استوداعكم إياهم “اللهم إني استودعك أبنائي من كل سوء، ومن نفوسهم الأمارة بالسوء، ومن أصحاب السوء، ومن شياطين الإنس والجن، ومن الأمراض والأوبئة والجوائح والحوادث، ومن مصارع السوء ومن سوء الأقدار، بحولك وقوتك وعينك التي لا تنام، يا من لا تضيع ودائعه، فأنت خير حافظا وأنت أرحم الراحمين”.. القاعدة الذهبية( 27) في التربية.
- أبناؤكم الآن ظاهرا قد يكونون الأطول، وقد يتباهون بذلك عليكم، فافتخروا معهم بما يتفاخرون به، وأعلنوا عن سعادتكم معهم أيضا، أنهم أطول منكم وقد كبروا على أعينكم، وربما يكونون الأجمل أو الأوسم والأعرض، فتباهوا بذلك أيضا معهم، فهو من عوامل التحفيز الجسدي والنفسي، ويقرب المصاحبة والصداقة بينكم، واتركوا أنفسكم مرةً لهم، ليتخيروا لكم ملابسكم، حتى وإن لم تناسبكم جزئيا فمن الممكن أن ترتديها أيها الأب/ الأم معهما في مكان ما، أو في البيت مثلا.. كذلك اتركوهم يقومون بأمور العناية التجميلية لكما أيها الأبوان، من عمل خلطات أو ماسكات للعناية بالبشرة، حتى وإن لم يجيدا ذلك، ففي هذا تدعيم للصداقة بينكم، وتقريب للوداد، ومصاحبة عملية لبعض الأفعال، ولا بأس أبدا في ذلك.. القاعدة الذهبية( 28) في التربية.
أما البنات فلا يجوز لهن الاغتراب بدون محرم في بيئة مجهولة أو مختلفة، فإن كان ولا بد فلتغترب مع أحد أبويها إن أمكن، أو أحد أخوتها الذكور إن أمكن، وما دون ذلك، فلا.. قولا واحدا لا جدال فيه.. القاعدة الذهبية(29) في التربية.
فأنتم أيها الآباء ستسألون عن بناتكم أمام الله عز وجل، في سترها_ حجابها-، وسلوكياتها، فإن كان لا بأس لديكم فتحملوا أمام الله أفعالكم وقراراتكم..
فالبنات في الغربة يتعرضن كثيرا لأزمات نفسية نتيجة الاحتياجات العاطفية من الأسرة البعيدة جراء الاغتراب، ويتعرضن لكثير من المضايقات لاختلاف البيئة، وخاصة إن لم تكن عربية أو إسلامية..
كما أن الفتاة في الجامعة تشعر أنها كبرت، ومن أحلامها الرغبة في الزواج، حتى دون تقصير في الدراسة الجامعية- فهذه رغبة نفسية من متطلبات تلك المرحلة العمرية-، مما يجعلها تتخبط في مشاعرها، وكثيرا ما تسلك مسلك يؤذيها نفسيا لأنه يخالف ما تربت عليه دينيا واجتماعيا..
وذلك بخلاف الشاب في فترة الجامعة، فرغم رغبته في الزواج ولكن اهتمامه بمستقبله الوظيفي أهم مما يحعله يهتم أكثر ويتميز في دراسته لما تحمله من إشارات لمستقبله.
أيها الأبوان الكريمان الحريصان على أبنائهم، لا أقول ذلك من باب التفرقة بين الذكر والأنثى، وإنما من باب الخبرة في الغربة ورؤية ما يصيب الفتيان والفتيات المغتربين، وما قررت التصريح في هذا الشأن إلا لما عايشته مع هذه المرحلة العمرية في الغربة تحديدا.
*نستكمل الأسبوع القادم بمشيئة الله*