مقالات وآراء

المفاهيم القيمية في الحياة الزوجية

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

تعد الأسرة لبنة المجتمع التي عليها تقوم الدول والأمم، والأسرة تقوم على معنى المودة والرحمة، والسكن بين الزوجين، ليستطيعا تربية الأبناء تربية صحيحة.

لكن يصطدم الشباب المقبلين على الزواج ببعض القيم المخطئة، مثل: واللاتي تخافون نشوزهن…. فاضربوهن، وكذلك الرجال قوَّامون على النساء.. وكثير من المعاني المغلوطة التي تربوا عليها.

ونحن اليوم نريد توضيح هذين المعنيين، لتصحيح الفهم، وخاصة أنها ألفاظا قرآنية، جاءت في إطار تكوين الأسرة، والسير بها إلى بر الأمان.

فما المقصود بكلمة: “واضربوهن” في القرآن الكريم؟

إنّ الدين الإسلامي دين رِّفعةٍ، ورُّقي، وعظمة، دين لم يسمح بإيذاء قطة، لا يمكن أن يسمح بضرب وإيذاء وإهانة الأم والأخت والزوجة والابنة، فالآية 34 في سورة النساء {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}.. توضح عقوبة المرأة الناشز- المخالفة-، وهي عقوبة تصاعدية تبدأ بالوعظ، والكلام الحسن، والنصح، والإرشاد.. فإن لم يستجبن، يكون الهجر في المضاجع، أي في أسرّة النوم، وهي طريقة العلاج الثانية.. ولها دلالتها النفسية والتربوية على المرأة والهجر هنا في داخل الغرف. ثم الطريقة الثالثة(واضربوهن)، وهي ليست بالمدلول الفعلي للضرب باليد أو العصا لأن الضرب هنا هو المباعدة أو الابتعاد.

والدليل على ذلك..

أن معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه، فعند تتبع معاني كلمة (ضرب) في القرآن، وفي صحيح لغة العرب، نجد أنها تعني في غالبها: المفارقة، والمباعدة، والانفصال، والتجاهل، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب).

فمثلا الضرب في المعاجم:

باستعمال عصا يستخدم له لفظ (جلد)، والضرب على الوجه يستخدم له لفظ: لطم، والضرب على القفا: صفع، والضرب بقبضة اليد: وكز، والضرب بالقدم: ركل..

 وفي لغة العرب لها معانٍ عدة:

(ضرب الدهر بين القوم) أي فرّق وباعد بينهم.. و(ضرب عليه الحصار) أي عزله عن محيطه.. و(ضرب عنقه) أي فصلها عن جسده.. فالضرب إذن يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل..

والآيات كثيرة في القرآن تتابع نفس المعنى للضرب أي المباعدة:

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى} طه ٧٧

أي أفرق لهم بين الماء طريقاً.. {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} الشعراء ٦٣، أي باعد بين جانبي الماء.. {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} البقرة ٢٧٣، أي مباعدة وسفر وهجرة إلى أرض الله الواسعة.. {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ} المزمل٢٠، أي يسافرون ويبتعدون عن ديارهم طلباً للرزق.. {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الحديد ١٣، أي فصل بينهم بسور.. ويُقال في الأمثال (ضرب به عُرض الحائط) أي أهمله وأعرض عنه..

 وفي ممارساتنا اليومية مثل:

أضرب عن الطعام: أي امتنع عنه وتركه.. والإضرابات في الجامعات وأماكن العمل: فكل معناها هي ترك العمل أو الدراسة، أو إهمالهما …

وهو المقصود في الآية {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، حيث أنها لا تحض على ضرب الزوجة، وإنما تحض على الوعظ، ثم الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش، فإن لم يُجْدِ ذلك، فهنا يكون (الضرب) كوسيلة ناجعة، بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل، وهو أمر يأخذ به العقلاء من المسلمين.

فالهجر بعد المباعدة، سلاح للزوج للقضاء على العادات الضارة، التي تهدد كيان الأسرة التي هي الأساس المتين لبناء المجتمع الإسلامي، والإنساني.

                              تابعونا المقال القادم في معني (الرجال قوَّامون)

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

هيام الدسوقي

مدرب حياة، مستشار تربوي وأسري- تركيا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×