تعد الأسرة لبنة المجتمع التي عليها تقوم الدول والأمم، والأسرة تقوم على معنى المودة والرحمة، والسكن بين الزوجين، ليستطيعا تربية الأبناء تربية صحيحة. لكن يصطدم الشباب المقبلين على الزواج ببعض القيم المخطئة التي نشؤوا عليها، مثل: واللاتي تخافون نشوزهن…. فاضربوهن، وكذلك الرجال قوَّامون على النساء.. وكثير من المعاني المغلوطة التي تربوا عليها. وقد أوضحنا في المقال السابق بالتفصيل في معنى واضربوهن، وكيف له عدة معاني إحداها الضرب.. ونحن اليوم نريد توضيح معنى القوامة، لتصحيح الفهم، وخاصة أنه لفظاً قرآنياً، جاء في إطار تكوين الأسرة، والسير بها إلى بر الأمان.
فما المقصود بكلمة : “قوَّامون” في القرآن الكريم؟
لغة: قَوَّامون جمع قَوَّام، وهي صيغة مبالغة على وزن فَعَّال من قائم على وزن فاعل، وصيغة المبالغة في اللغة العربية تدل على زيادة الفعل بإحسانٍ لفاعله، فالمعنى مبدئيا أي شديد القيام لفعله المحسن في أدائه.
في المعجم الوسيط قِوام أهل بيته بكسر القاف: يقيم شأنهم.
وفي معجم شمس العلوم: القَوام بفتح القاف: بمعنى العدل، لقوله عز وجل” وكان بين ذلك قواما”الفرقان 67.
وفي معجم متن اللغة: القوام هو عماد الشيء الذي يقوم به وينتظم، والمتكفل بالأمر، والحافظ لكل شيء والمعطي له، لقوله تعالى” الله لا إله إلا هو الحي القيّوم” البقرة 255.
وفي لسان العرب بمعنى: العزم، لقوله عز وجل” ….إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض….”الكهف 14 أي عزموا فقالوا، وتاتي بمعنى المحافظة والإصلاح لقوله سبحانه” الرجال قوامون على النساء”النساء 34، وأيضا” إلا ما دمت عليه قائما”آل عمران 75، أي ملازما- مقتضيا- محافظا.
وعليه كما تقدم من شروح للمعنى في معاجم اللغة العربية، وتفسير للقرآن في مختلف التفاسير- علماً أن شروح المعاني تتبع القرآن وليس العكس- فإننا نجد أن معنى القوامة المقصود في الآيات، يقتضي ويلزم القيام بالرعاية والحفاظ على ما تقوم عليه وتلتزم بذلك، وليس بشكل عادي كفاعل،وإنما بمبالغة تقتضي عدم التقصير، واستنفار الطاقة، وبذل الجهد كما ينبغي لتتحقق القوامة التي يرتضيها الله لعبده على زوجه. ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في تفسيره “الرجال قوَّامون على النساء”، وبلهجته المبسطة للعامة: [ أنها صيغة مبالغة من طول القيام والرعاية، يعني من الاخر خدَّاما لهن]. فكيف يكون الرزوج قوَّاما على زوجته؟ فلتعلم أيها الزوج أن زوجتك كانت أمانة لله عند أبويها، وقد انتقلت إليك تلك الأمانة بعد عقد زواجكما ( الميثاق الغليظ) بلفظ القرآن في الآية” …..
وأخذن منكم ميثاقا غليظا” النساء 21، فكيف ستتعامل مع أمانة الله لديك؟
1. عليك حق المحافظة عليها، بعدم الإيذاء قولا أو فعلا، فيتحقيق الأمان، والاحترام.
2. ورعايتها بعدم تعرضها للأخطار أو المهالك المادية او النفسية، فيتحقيق الأمن.
3. وتعليمها لتواكب متطلبات الحياة الأسرية خاصة، والحياة الاجتماعية عامة، واليوم تأتيك الزوجة وقد بلغت من العلم درجة أو عدة درجات بما تقف فيه معك تساندك وتشد أزرك، فعليك أن تجنهد معها بالتوجيه الحسن، لتتعلم ما يرضيك فتقوم به، وتبتعد عما يسؤك، بالصبر عليها، والتمهل ليتحقق العطف، والتفهم والتقدير بينكما.
4. أن تكرمها في أهلها بالترحيب بهم، واحترامهم وتقديرهم في حضورها أو غيابها، فهم أهلوها، ولن تنقطع أو تجفو عليهم لعاطفتها، فلا تجعلها تكذب عليك لترضيك وخاصة في أهلها، حتى وإن اشتكتهم لك، فاعلم أنها حينئذ تقدرك وتحترمك كثيرا، فلا تستغل ذلك بالإساءة إليهم، ولتعلم أنه إن لم يكن منها في أهلها خير، فلا تتوقع الخير لك أيضا.. وهذا كفيل بتحقيق الاحترام والتقدير بينكما.
5. الإنفاق.. ورغم أن الإنفاق من القوامة، إلا أنه تكملة في الاية” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم” النساء 34 ، وفي التفسير أن الإنفاق المقصود هنا هو المهر أو الصداق، لأنه وجب على الزوج أن يلتمس مهرا لزوجته، ثم الإنفاق بوجة عام على ماتستوجبه إقامة البيوت من احتياجات حتى وإن كان الزوج فقيرا، فعليه الإنفاق على قدر وسعه، حتى إن كانت زوجته ثرية، وجب عليه الإنفاق بما يقيم الحياة الزوجية، وما تنفقه الزوجة من مالها، يدخل في الصدقات الخاصة بها، وليس واجبا عليها..
فلا تفرض عليها أن تنفق من مالها إلا غذا شاءت، ولا تضيق عليها في الإنفاق إن كنت ذو سعة، وكن كريما معطاءً، ف ” خير الصدقة للرجل اللقمة يضعها في فم امراته “كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم. هذا ولم نكتب مقالنا أبدا لتقسيم الحقوق والواجبات، وإن كان يلزم معرفتها وتعلمها لإقامة الحياة الزوجية السليمة، وإنما نعرضه ليتفهم الشباب المقبلون على الزواج الدور المنوط بهم، فلا يقصروا، لأنه من تمام الرجولة الإيفاء بما تقتضيه تلك الرجولة.
ودائما وأبدا نقول: أن الحياة الزوجية لا تقوم على الحقوق والواجبات فقط، وإلا تحول عش الزوجية إلى محاكمات، وإنما تقوم على المودة والرحمة والسكن، فبيت الزوجية بناء عظيم يستدعي الأساس المتين( الحقوق والواجبات)، ويستدعي اللَّبِنَات للبناء( المودة والرحمة).. وإلا فكيف يكون البيت؟ فإن كان أساساً فقط، كان مكشوفاً عارياً ، لايصلح ولا يتم العيش فيه.. وإن كان لَبِنَاتاً فقط كان هشاً سرعان ما تقوضه الرياح والعواصف من مشكلات المجتمع وظواهره في كل مكان وزمان.