عاد ابني من المدرسة صامتا، لا يتكلم، لا يتفاعل، لا يريد تناول طعامه فقط يريد النوم على عكس طبيعته؛ فهو عادة عندما يرجع من المدرسة لا يكف عن التحدث عمّا حدث في يومه بالتفصيل وبنفس الانفعالات التي عاشها خلال اليوم .
شعرت أن أمراً ألم به سألته : ما بك ؟ نظر إلي بأعين تملؤها الدموع ولم يرد فضممته وأعدت سؤالي ما بك ؟ فأجابني وهو ينظر إلى الأرض ” لا أريد أن أذهب إلى المدرسة لا أحد يحبني” ( كان إبني قد التحق بتلك المدرسة منذ شهر بعد انتقالنا لبلد أوربي و هو لم يكن يجيد التحدث بلغتها بعد).
أدركت وقتها أن ابني تعرض للتنمر وخاصةً أني كنت قد تسلمت تقريره الشهري قبل يومين وكانت معلمته تشير أنه ولد محبوب، وتشيد بتفاعله مع أصدقائه، وهرولته لمساعدة أي أحد يشعر أنه يحتاج لذلك .
أجريت معه حواراً طويلاً استمعت له في البداية عما حدث ولماذا يشعر بذلك وكانت النتيجة أن بعضاً من زملائه يعيبون عليه عدم تمكنه من التحدث مثلهم لعدم اتقانه اللغة أخبروه أنهم لا يريدون التعامل معه .
فما كان مني إلا عززت ثقته بنفسه وعددت له مميزاته وبينت له أن ما فعلوه خطأ وأنه لا يحق لأي أحد أن ينتقص منه، أيضا أخبرته أني سوف أتواصل مع معلمته لتحل هذا الأمر مع زملائه .
قديماً كنا نظن أن التنمر يحدث بين البالغين ولكن مع الأسف أصبح منتشر بين الأطفال؛ الذين هم بطبيعة الحال مرآة لمجتمعهم وبيئتهم.
حينما نسمع عن التنمر نظن أنه مجرد إساءة أو تقليل من الآخرين ولكنه يختلف تبعا لطريقته أو مكان حدوثه كالتنمر: ( المدرسي ، المجتمعي ، الأسري ، اللفظي ، الجسدي ، ….).
وقد أشارت إحدى الإحصائيات أن التنمر المدرسي هو الأكثر انتشارا حول العالم وبالتالي يؤدي لمشاكل نفسية وسلوكية لدى الأطفال، ولذا تلعب المدرسة دورا مهما في وضع حلول للتوعية منه والقضاء عليه، أيضا إخضاع المتنمر للعلاج السلوكي .
أظهرت الدراسات التي تجريها منظمة الصحة العالمية، أن 30% على الأقل نسبة الأطفال المشاركين بظاهرة التنمر المدرسي، سواءً كمُمارسين أو ضحايا، ولكن تلك النسبة متغيرة بين الارتفاع والهبوط تبعا للمرحلة العمرية للأطفال، ففي حيّن تتركز حوادث التنمر في المراهقة المبكرة والصفوف المتوسطة، إلا أنها تأخذ بالتراجع في الصفوف الابتدائية والثانوية.
البيئة الاجتماعية هي أهم العوامل الأساسية المسببة للتنمر؛ حيث اثبتت الدراسات أن الأشخاص المتنمرين قد تعرضوا للتنمر سابقا ولذا يقومون اعتقادا منهم أنهم يحمون أنفسهم .
لذا يلعب الوالدان دوراً مهماً في حد ذلك التصرف ومنع تأثيره على أطفالهم ، وملاحظة أي تغير يطرأ عليهم، ومن العلامات التي ينبغي أن يلاحظها الوالدان :
- التوقف عن التحدث على عكس طبيعته.
- الرغبة في النوم بكثرة أو الجلوس وحيداً.
- عدم رغبته الذهاب للمدرسة أو النادي.
- رفضه الشديد لمخالطة شخص ما أو عبوسه عند ذكره.
- عصبيته الشديدة وعدوانيته في التعامل مع الآخرين.
- شكوى صحية ليس لها سبب طبي كالصداع أو ألم في المعدة.
- ظهور بعض الكدمات في جسمه .
وهنا يطرح سؤال ما الذي يجب أن يقوم به الوالدين لحماية أطفالهم ؟
- احرص على تثقيف نفسك واقرأ عن كل ما يتعلق بالتنمر وعلاماته وكيفية التعامل معه .
- ازرع في ابنك أنه يستحق الاحترام ، وانتبه أن البداية تكون من احترامك له ، فليس من المقبول أن يقبل الإهانة أو التقليل منه .
- اذكر لطفلك أنك فخور به وبما يقوم منه ، وذكره بمواطن القوة لديه ؛ التي يمكن أن تساعده في التغلب على التحديات التي تواجهه.
- انشأ مع طفلك علاقة صداقة ، التي تمكنه من مصارحتك بكل ما يحصل معه دون خوف أو قلق ، و تولد له شعورا أنك دائما ستكون خير سند له .
- علم طفلك الاندماج مع الأطفال الآخرين والدفاع عنهم إذا احتاجوا ، فهذا يولد لديه شعورا قويا وثقة أنه يستطيع الدفاع عن نفسه حين يحتاج ذلك .
- اخبره أن ابلاغه لما يحدث ليس ضعفا أو جبنا وانما هو الطريقة الصحيحة للتخلص من ذلك .
- بين له أن الأفضل أن يتوقف عن مصاحبة هؤلاء الأشخاص والتعامل معهم ويحيط نفسه بالأشخاص الطيبين .
وفيما يلي بعضا من النصائح التي ينبغي أن تزرعها في طفلك لتساعده على حسن التصرف إذا تعرض للتنمر :
- حاول أن تكون هادئاً ولا تبدي تأثرك بما يقوموا به حتي لا يشعروا بالسلطة والقوة عليك.
- إذا كانت الإساءة لفظية لا تردها فهذا يساهم في تأجيج الموقف بل كن حازما وانظر في أعينهم وأخبرهم ” أن يتوقفوا عن فعل ذلك ” ثم انصرف.
- أما إذا كانت الإساءة جسدية ، قم بإيقافهم والدفاع عن نفسك وابتعد سريعا عن المكان واطلب مساعدة شخص كبير أو له سلطة في المكان.
و في النهاية نصيحة واجبة اشعر طفلك بحبك وبتقديرك له، وعلمه كيف يحب نفسه ويقدرها فهناك مقولة تقال ” الأشخاص الذين يحبون أنفسهم، لا يؤذون الآخرين … فكلما كرهنا أنفسنا، رغبنا أن يعاني الآخرين”.