مقالات وآراء

تأملات قرآنية في النفس البشرية ج9

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

أهمية الأكسجين للصحّة النفسية

مهما اختلفت نظريات العلاج النفسي، وتبانيت أساليبه، وتعدّدت تطبيقاته، إلا أن أنها تتفق على محطة التقاء رئيسية المعروفة ب: “التنفس العميق”؛ باعتباره الطريقة الأمثل والأفيد للإنسان، لكن للأسف ليست هي طريقة التنفس التي اعتادها الناس في حياتهم العادية.

وتعتمد طريقة  التنفس العميق التي يتضح من اسمها أنها مُخالفة لطريقة التنفس السطحي التي إذا تمعّن صاحبها يجد أن مدّتها قصيرة، وأن الجزء العلوي من الصدر هو الذي يتحرك فيها، بينها التنفس العميق يستغرق مدةً أطول، كما أن الجزء السفلي من جوف الإنسان أي البطن هو الذي يتحرك فيه، حيث يعتمد المرء على ضغط منطقة الحجاب الحاجز/ diaphragm، وهو حاجز عضلي يفصل بين القفص الصدري والتجويف البطني، ما يؤدي إلى انتفاخ البطن بدل ارتفاع الصدر.

 وبما أن التنفس العميق ليس هو المعتاد لدى الناس، يحتاج الإنسان إلى تعلمّه حسب المقدور عليه من إمكانيات التعلّم بوسائطه المتعددة، وإن كان يُستحسن أن يكون على يد خبير يساعد المرء على تطبيقه تطبيقاً صحيحاً، وينبّهه إلى الأخطاء التي يرتكبها وكيفية تجنّبها، ويتابع تطور مستواه في ممارسة التنفس العميق، بعد ذلك، ربما يشترك التجربة مع محيطه إن كانت له قدرات جيدة في إيصال الأفكار غير المعتادة في محيطه، نظرا إلى أن الناس في الغالب ترفض أو على الأقل تتعامل بريبة مع أي سلوك أو فكرة دخيلة عليهم.

وقد أثبتت دراسات عديدة الفوائد الجمّة للتنفس العميق بمختلف طرقه على كل من الصحة النفسية والعضوية للإنسان، خصوصا في تحسين حالات القلق والأرق والتوتر، والرفع من كفاءات الوظائف العصبية والهضمية، والرفع من معدلّات الانتباه والتركيز، وغيرها من المنافع التي لا يتّسع المقام لذكرها، وقد أصبح التنفس العميق تقنية مهمة من التقنيات المُدمَجة في برامج العلاج النفسي، نظرا للأمان العالي الذي يُوفّره بانعدام الآثار الجانبية له بخلاف العلاجات الدوائية التي لا تخلو من الآثار الجانبية المزعجة للحالات المنتظمة على تناول تلك الأدوية.

وقد أشار المولى عز وجل إشارة لطيفة مُكتنزة في كتابه العزيز عن الأهمية البالغة للأكسجين والتنفس العميق لصحة الإنسان واتزانه النفسي بالقول: “فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ…” [ الأنعام: 125 ]. قبل تناول الإشارة الإلهية عن أهمية الأكسجين، نذكِّرَ أنّنا لسنا بصدد الإتيان بتفسير جديد للقرآن الكريم، أو نعارض التفاسير الجليلة التي تراكمت عبر القرون من قبل أئمة فضلاء، حَسْبُنا هنا أن نحاول التقاط إشارات تساعد الإنسان على التزوّد بثقافة نفسية صحية. أمّا بخصوص الآية الجليلة التي بين أيدينا، فإذا ركّزت أيها القارئ العزيز على ما وضعنا تحته خط، وطرحتُ عليك سؤالا عمّا يوحي به “الصدر المنشرح” و“الصدر الضيق”، طبعا ستقول أن “الصدر المنشر” يوحي بالتنفس العميق الهادئ الذي يُدخل صاحبه كمية كبيرة من الهواء إلى جسمه تساعده على الهدوء وعلى الرفع من كفاءة جميع وظائفه الحيوية، بينما يدلُّ “الصدر الضيق” على التنفس السطحي المتسارع الذي قد قد يؤدّي بصاحبه إلى اضطراب وظائف جسمه الحيوية، وقد يصل به الأمر إلى الإحساس بالاختناق والدوار. نُضيف إشارة أخرى تتعلق بضرب الله مثالا ب: “التصعّد في السماء” والمعلوم أنه كلما ارتفعنا عن سطح البحر؛ قلّت نسبة الأكسجين في الهواء، وهذه حقيقة علمية راسخة.

الفائدة التي يمكن أن نخرج بها من الآية ربطاً بموضوعنا، أن التنفس العميق يساعد على الرفع من كفاءة الوظائف الحيوية مما ينعس بالإيجاب على كفاءة التركيز والانتباه وصفاء الذهن من أجل التمييز بين الحقائق والأباطيل، وهذا ما يجعل الإنسان يهتدي إلى الإسلام وهو النور الساطع في الظلمات، بينما التنفس السطحي يؤدي بصاحبه إلى تشتّت التركيز، والتوتر، والتشويش الذي يحول دون رؤيته للحقائق وتمييزها عن الأباطيل، الأمر الذي يؤدي به إلى الضلال، وهذا طبعا لا يتنافى مع أن الله هو الذي يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء.

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

عثمان سيلوم

باحث وكاتب روائي (المغرب)

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×