تنتشر مجتمعات البدو الرُّحل والرعاة في أنحاء شتى من العالم وهي تنقسم إلى وحدات ومستويات مختلفة من ناحية خصائصها الحضارية والبيئات التي تعيش فيها. وتأتى القبيلة على رأس التنظيم الاجتماعي للمجتمعات البدوية، ويُلاحظ بشكل كبير هذا التنظيم في شبة الجزيرة العربية، نظراً لما تتميز به من مناخ وظروف بيئية مغايرة للمناطق المجاورة لها، وما تتطلبه هذه الظروف من أن يتم التعايش بشكل يضمن الحياة وذلك راجع لقلة وندرة المياه والمراعي والأماكن الصالحة للسكن، بمعنى أن الظروف المعيشية الصعبة تتطلب نوعاً خاصاً من التنظيم يسمح للجميع بأن يحافظوا على الأقل على حياتهم وحياة مواشيهم وممتلكاتهم، ومن هذا المنطلق كان التنظيم القبلي يحقق هذا النوع من المحافظة على النمط والاستقرار. فالقبيلة هي وحدة اجتماعية وسياسية واقتصادية متكاملة تميل إلى أن تكَّون مجتمعاً مغلقاً على نفسه ولا يتصل أتصالاً وثيقاً بالخارج من الناحية الثقافية حتى بالنسبة للقبائل المجاورة إلا في حدود ضيقة.(الخشاب،1970 :453).
ويرى أبن خلدون أن التجمع القبلي في أماكن معينة، إنما هو أمر فرضته الحاجة إلى الاستمرار في الحياة وأن اجتماعهم هذا لم يكن إلا من أجل التعاون لتحصيل القوت والضروريات من أجل البقاء، كما أن اعتمادهم على الحيوانات ومنتجاتها هو الذي حدا بهم إلى سكنى البراري والقفار حيث يقيمون في بيوت من الشعر يسهل عليهم نقلها عندما يحل الجدب في مكان فيرحلون إلى مكان أخر. كما أن الحياة في ظروف طبيعية قاسية قد وحدت بينهم ودعت إلى نشأة علاقات وصلات قوية فيما بينهم، تتمثل في دفع الخطر الذي يتعرضون له وصد المعتدي، أو القيام بغارات على مناطق أخرى لتأمين سبل العيش وتوفيره.(أبن خلدون ،د.ت :110).
فالقبيلة في شبة الجزيرة العربية تأتي على رأس التنظيم الاجتماعي للمجتمعات البدوية، ويرأسها شيخ القبيلة، وهو الرئيس ذو السلطة المطلقة فيها، وسلطة هذا الرئيس وراثية في معظم الأحوال، وترتكز على العصبية، ويعاونه في البت في أمور القبيلة مجلس يسمى ( مجلس القبيلة ).(أبوعلية،1406 :116).
وتعتبر القبيلة في المجتمع البدوي السعودي مجتمعاً متماسكاً يتصف بالتضامن وسيادة روح الجماعة، وكل فرد داخل القبيلة يؤدي دورة في تكامل مع أدوار الأخريين، وعلى الجميع أن يحافظوا على مصادر الرزق حيث أنها ملك للقبيلة وعليهم أن يراعوا كل ما ورثوه من عادات وتقاليد وقيم ويعلموها لصغارهم بالتلقين والممارسة، وتلعب الروايات ومآثر الآباء والأجداد دوراً هاماً في حياة القبيلة وتعكس مدى اعتزازهم وتفاخرهم بقبيلتهم.(العمري،1403 :143).
ورغم تعدد القبائل في المجتمع السعودي، فإن الاختلاف بين هذه القبائل سواء في البناء الاجتماعي أوفي شكل العلاقات الاجتماعية أوفي العادات والتقاليد وأنماط السلوك ليس جوهرياً. إذ يكاد يقتصر هذا الاختلاف على بعض مظاهر التقاليد والعادات وفقاً لنوع البيئة الطبيعية التي تعيشها القبيلة وفقاً لدرجة عزلتها أو احتكاكها بقبائل ومجتمعات أخرى.
وسوف نتناول في هذا البحث موضوع التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية، وسنتخذ قبيلة بني هاجر مثالاً على ذلك.
وتعد دراسة التغير من الموضوعات الهامة التي حظيت باهتمام العديد من الدارسين والباحثين على السواء، وسوف يتم التطرق في هذا البحث إلى أهم التغيرات التي طرأت على بعض الأنساق المكونة للبناء الاجتماعي للقبيلة وأهم صور هذا التغير والتحول الذي طراء عليها نتيجة لعدة عوامل سوف يتم التطرق لها أثناء العرض المفصل لهذه العناصر، وسوف يتم التركيز على الأنساق التالية:-
1-النسق السياسي.
2-النسق الاقتصادي.
3-النسق القرابي.
ذلك لان هذه الأنساق في رأي تمثل أكثر الصور عرضة للتغير والتحول، خاصة بعد انتقال القبائل في المجتمع السعودي من التناحر والتشاحن من اجل لقمة العيش إلى التعايش معاً وبناء الوطن المشترك والمستقبل الأمن من أجل غداً مشرق، وذلك بعد أن تم تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط والاستفادة من الوظائف المتوفرة التي حرص أبناء هذه القبائل على الالتحاق بها من أجل تحسين دخولهم، هذا من جانب ومن جانب أخر هو حرص الدولة على تقديم كافة الخدمات والأساسيات التي تكفل حياة كريمة وجيدة لكل مواطن على تراب هذا البلد الكريم.
كما سوف يتم تناول أثر الأنساق السابقة على البناء الاجتماعي في قبيلة بني هاجر في المملكة العربية السعودية من خلال ربط هذه الأنساق بالنسق الاقتصادي باعتباره المحور الأساسي الذي يؤثر ويتأثر بشكل كبير بتلك الأنساق. وسوف يكتفي الباحث بتناول الأنساق الثلاثة في هذا البحث لعدة أسباب، منها التركيز على هذه الأنساق باعتبارها الأنساق المهمة في البناء الاجتماعي والأكثر بروزاً ووضوحاً وتأثيرا في حياة أبناء القبيلة، كما إن ضيق الوقت المخصص لهذا البحث لا يسمح بتناول كافة الأنساق، كما أن دراسة كافة هذه الأنساق تتطلب جهداً كبيراً من جانب الباحث مما يرتب على ذلك الكثير من الأعباء والالتـزامات المالية، ولهذه الأسباب فإن الباحث يبرر اقتصار البحث على الأنساق المذكورة.
وسوف يتخذ الباحث جانب الموضوعية والحياد في هذا البحث وذلك بإتباع الأسلوب العلمي وأبعاد الذاتية، وخاصة وأنه ينتمي إلى نفس القبيلة موضوع البحث.
هذا بالإضافة إلى عرض نبذة مختصرة عن القبيلة موضوع البحث.
لذلك فإن الباحث يأمل أن يتم التعرف على أهم مظاهر وصور التغيرات التي حدثت للأنساق في البناء الاجتماعي لقبيلة بني هاجر، وكذلك محاولة التعرف على أهم العوامل الكامنة وراء هذا التغير أو هذا التحول.
نبذة مختصرة عن قبيلة بني هاجر
ترجع قبيلة بني هاجر نسبها إلى هاجر ثم إلى قحطان من عرب الجنوب، وبناء على الأحاديث التي يتناقلها البدو كان منصور هو أحد حلقات النسب بين قحطان وهاجر الذي ينحدر منة بنو هاجر والمناصير الذين يعرفون جميعاً بعيال منصور وكان بنو هاجر والمناصير دائماً أعواناً في الحرب حلفاء يطلقون صيحة الحرب ذاتها( النخوة)ومع ذلك فكثير من المناصير لا ينتسبون إلى بني هاجر. وتربط بني هاجر صلة قربى بينها وبين قبيلتي جنب وآل شريف اللتين تقطنان جبال عسير الشرقية وأوديتها. ويعتبر بنو هاجر جنباً وآل شريف من بين أسلافهم، وعندما رافقت كتائب بني هاجر قوات الحملة ضد اليمن عام 1934م سارت معهم جماعات من جنب وآل شريف تحت لواء شافي بن شافي أمير بني هاجر.
وقد نزح بنو هاجر إلى شرق الجزيرة العربية من ارض تثليث التي تعتبر من المواطن الأصلية لبني هاجر، ويذكر أن هذه الهجرة قد حدثت منذ أمد بعيد، ويرجح أنها حدثت منذ أكثر من ثلاثة قرون.
والباعث الذي حملهم على هذه الهجرة، هو أن روادهم وطلائعهم وجدوا أن ظروف العيش في الشرق الأدنى إلى الرغد مما هي علية في تثليث، وربما اجتذبتهم إلى الشرق سنوح الفرص لأعمال الغزو.
وليس لبني هاجر من وشائج القربى المباشرة ما يربطهم بكثير من القبائل الأخرى في غير المناصير، ويقال إن المهاندة، وهي قبيلة صغيرة متوطنة في قطر، تنحدر من بطن من بطون بني هاجر، وقد ظلت حليفة لبني هاجر في أكثر من حرب في الماضي.
ومن مدة تزيد على مائة عام على وجه التقريب كان بنو هاجر ينـزلون في شبة جزيرة قطر، وفي تلك الأيام كان المخضبة وهم أحد الفرعين الرئيسين للقبيلة يظعنون بإبلهم ويجولون البراري المترامية الأطراف بين قطر وعمان، ويكثرون التردد على الظفرة. والفرع الثاني يدعى بآل محمد وهم أصحاب أغنام أكثر منهم أصحاب إبل قد اعتادوا أن يمضوا الشطر الأكبر من الزمن في الجزء الأوسط من مقاطعة الإحساء.
ويرجع ارتباط بني هاجر بمياه (العريق) إلى الزمن الذي كانت فيه قطر قاعدتهم، ومشاش بن شافي يبدو أنه أطلق علية أسم سالم بن شافي والد أمير القبيلة. وقد قتل سالم حوالي الوقت الذي ارتحلت فيه القبيلة عن قطر، وقد جاء هذا الرحيل نتيجة لمقتل أحمد بن قاسم آل ثاني حاكم قطر الحقيقي حينئذ بيد أحد أفراد القبيلة. ولما غادر بنو هاجر قطر ارتحلت القبيلة بأجمعها تقريباً ودخلت الجزء الأوسط من مقاطعة الإحساء الذي كان مرعى لآل محمد فيما سبق وظلوا هناك منذ ذلك الزمن.
وفي أوائل القرن العشرين استوطن بعضهم غربي بقيق وفي الشمال الغربي منة، وأستقر أفراد القبيلة الآن في المنطقة الواقعة بين حدود الكويت في الشمال ورمال الجافورة في الجنوب، وتقع الظهران وبقيق وعين دار داخل ديره بني هاجر، ويتوزع أفراد منهم في دول الخليج العربي.
إن بني هاجر من أولى القبائل التي شدت أزر الملك عبد العزيز في الحروب التي خاض غمارها لتوحيد المملكة ولم يترددوا قط في تعلقهم به.
ومنذ أن فتح الملك عبد العزيز الإحساء وقبيلة بني هاجر معروفة بولائها للحكم السعودي. وفي حروب سنة 1915-1929م التي خاضها الملك عبد العزيز وقواده ضد العجمان ومطير والقبائل الأخرى كان بنو هاجر دائماً بجانب الملك، وكانوا وقبيلة العوازم يهيئون له من أنفسهم أحد المصادر الرئيسية للعون المحلي. ومكافأة على هذا الوفاء سمح الأمير عبد الله بن جلوي لبني هاجر بشغل مساحة كبيرة من الجوف ( جوف الإحساء ) غربي وشمال بلدة بقيق. وهناك أنشأوا هجرهم في الأيام التي كان الملك عبد العزيز فيها يعمل على تسكين البدو.
ويشتهر رجال القبيلة بتربية الجِمال والأغنام ويملك بعضهم بساتين من النخيل، وبأنهم محاربون مهرة، كما أن عدداً منهم أصبح من الموظفين القدرين في شركة أرامكو .
لقراءة الدراسة كاملة:
التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 1-3
التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 2-3
التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 3-3