مقالات وآراء

التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 3-3

علم النفس الاجتماعي

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

يستكمل الباحث دراسته حول التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية- قبيلة بني هاجر أنموذجاً.

لقراءة الجزءين الأول والثاني:

التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 1-3

التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 2-3

نظرية النسق الاجتماعي:

يستند الباحث في الدراسة الحالية حول البناء الاجتماعي على نظرية النسق الاجتماعي، التي تزودنا بالفهم اللأزم لإدراك العلاقات القائمة بين مختلف الأنساق.

وهذه النظرية تستند في مهمتها إلى فكرة مؤداها أن الكل الذي يتألف من أجزاء يقوم كل جزء منه بأداء دورة، وهو معتمد في هذا الأداء على غيرة من الأجزاء، ومن ثم يقوم التساند الوظيفي بين الأجزاء وبعضها والنسق ككل، كما يستند هذا النوع من الأنساق المنطقية التنظيمية إلى فكرة تشير إلى سعي الأجزاء المتساندة وظيفياً نحو تحقيق التوازن المتبادل بين الأجزاء التي تؤلف الكل .(العرابي،1991 :112-113).

والنسق الاجتماعي عبارة عن مجموعة من الفاعلين الذين تقوم بينهم علاقات تفاعل اجتماعي في مواقف معينة، ويتجهون نحو الإشباع الأمثل لحاجاتهم، وتتحدد علاقاتهم الاجتماعية عن طريق بناء ثقافي مميز ومجموعة من الرموز المشتركة، ويعني ذلك أن من سمات النسق أنه مفتوح الأطراف يؤثر ويتأثر بالأنساق الأخرى، ولاسيما تلك التي تشترك معه في الحدود، كالثقافة والشخصية، ويعني ذلك أن الوحدات الأساسية في الأنساق الاجتماعية هي الأدوار والجماعات والعمليات والقيم والمعايير، لا الأفراد في حد ذاتهم .(مرسي،1984 :102-103).

ومن هنا يصبح النسق مجموعة من الوحدات المترابطة والمتفاعلة وظيفياً تتكامل لتحقق هدف مشترك في إطار وحدة اجتماعية معينة من سعيها للتوازن التلاؤمي والتكيف الداخلي مع البيئة .

مبادئ نظرية النسق الاجتماعي:

تقوم نظرية الأنساق العامة على عدة مبادئ أهمها مايلي:-

1.أن جميع الأنساق تسعى إلى تحقيق هدف محدد، كما تسعى إلى تحقيق التوازن بداخلها والتكيف.

2.أن لكل نسق حدوده التي تميزه عن الأنساق الأخرى وهي القيود التي تربط أجزاء النسق، وهي مجموعة القواعد والقيم التي تحافظ على بقاء النسق والتي تحدد علاقته مع الأنساق الأخرى والبيئة.

3.يتفاعل النسق وفق حدوده مع كافة أنساق البيئة المحيطة به زماناً ومكاناً ذلك التفاعل الذي يساعده على المحافظة على تميزه حيث يتبادل الطاقة والمعلومات مع بيئته.

4.يتشكل النسق من مجموعة من الأنساق الفرعية الأخرى حيث يتكون النسق من أجزاء متعددة وكل جزء من تلك الأجزاء عبارة عن نسق فرعي له نفس المميزات العامة للنسق.

5.لكل نسق مدخلات ومخرجات يتم تبادلها من خلال التفاعل الحتمي بين الأنساق الداخلية في حدود معينة لتنمو الأهداف الإيجابية والسلبية في نسق معين، تبرز كمخرج لتدخل لنسق آخر كمدخل ولتتفاعل هذه المدخلات مع طبيعة النسق لتخرج مخرجات لتدخل أخرى وهكذا. ويحدث ذلك لتواجد طبيعة تلقائية في كل نسق لتحقيق الحد الأدنى من التوازن. وتشير المدخلات إلى كل المؤثرات الخارجية في النسق، ويقصد بالمخرجات تلك الآثار البيئية المترتبة على توظيف المدخلات من خلال حدود النسق.

6.التغذية المرتدة، وتعني أن كل الأنساق تحدث تغذية مرتدة تدل على أن الحركة بداخل وخلال النسق تحدث بواسطة تفاعله الذاتي، فالأنساق تتفاعل مع بعضها البعض والتفاعل ينتج عنة تغيراً حتمياً، والتغير قد يكون إيجابياً أو سلبياً.(عثمان ومحمد،1993 :235-232).

ومما سبق يمكن أن نحدد الخصائص التالية للأنساق الاجتماعية:-

خصائص الأنساق الاجتماعية.

هناك ثلاثة خواص أساسية يتميز بها النسق الاجتماعي وهي:-

1.أن النسق الاجتماعي يتألف من أجزاء يعتمد بعضها على البعض الآخر، وفي ذلك تقرير لمبداء الاعتماد المتبادل.

2.أن هذا النسق يتمتع بمقومات التدعيم الذاتي، حيث تميل العناصر أو الأجزاء للاستقرار والتكامل، وخفض التوترات بإستمرار على الرغم من ضغوط البيئة.

3.إن النسق الاجتماعي يتغير بفعل الديناميات الداخلية، أو بسب العوامل الخارجية. أي ميل النسق إلى التوازن واستمرارية مكوناته في أداء وظائفها.(مرسي،1984 :104).

القبيلة من المنظور النسقي.

في إطار ما سبق فإنه يمكن النظر إلى القبيلة على أنها نسق اجتماعي (يتكون من مجموعة الأشخاص والجماعات ذات العلاقة المتبادلة والتي تعمل من أجل تحقيق أهداف محددة عن طريق أدائها لوظائفها في إطار قواعد وتعاليم وجزاءات تنظيمية ملزمة)كما يمكن النظر إليها في نفس الوقت على أنها جزء من نسق اجتماعي، يظم كافة القبائل الأخرى المكونة لمجتمع الجزيرة العربية.

أن تعاملنا مع القبيلة على أنها نسق يتطلب بالضرورة أن نوجه اهتمامنا إلى مفهوم النسق ككل، فنركز على أفراده وجماعاته وتفاعلاتهم كما نركز على النواحي التنظيمية فيه مثل كيفية اتخاذ القرارات وعدالة التوزيع للمسئوليات ووجود تعليمات إرشادية للمنتمين للقبيلة، كما وأن التعامل مع القبيلة على أنها جزء من بيئتها المحلية يتطلب التركيز على التفاعلات الوظيفية بين القبيلة وعناصر تلك البيئة التي تؤثر فيها وتتأثر بها. ولكي يستمر النسق القبلي في أدائه لوظائفه وتحقيق أهدافه، فعلية أن يوجه اهتمامه إلى الخارج نحو النظام الذي هو أحد أجزاءه، وإلى الداخل نحو أجزائه، وبقول آخر فان على النسق القبلي أن يصون نفسه من التهديدات الخارجية التي قد توجه من قِبل القبائل الأخرى، كما يجب على النسق القبلي أيضاً أن يعمل بطريقة تجنبه الصراع الداخلي نتيجة لتفاعل الجماعات والأعضاء الداخلين في التنظيم، إنه المطلب الذي يجعل الإلزام ضرورة تنظيمية في تحقيق أهداف النسق، فعدم قيام أعضاء النسق الاجتماعي بأدوارهم الاجتماعية كما هو محدد لهم وارتباطهم بالتنظيم الاجتماعي والقيم التي تعمل على تحقيق هذه الأدوار يؤدي إلى الصراع داخل النسق ويهدده.(حسني،1992 :131).

ولتوظيف نظرية الأنساق في هذا البحث فإن الباحث ينظر إلى القبيلة كنسق اجتماعي، ويطبق عليها جميع الإجراءات السابقة كما يلي:-

1.القبيلة كنسق اجتماعي لها هدف وتسعى إلى تحقيق التوازن والتكيف ويشمل علاقاتها بين أجزائها:يمكن أعتبار القبيلة نسق اجتماعي له خواص الأنساق العامة، وهي أن القبيلة تسعى إلى تحقيق هدف، وهو المحافظة على الأفراد المنتمين لها، كما تسعى إلى تحقيق التوازن بين أجزائها، فإذا طرأ عليها أي تغير أو اضطراب مفاجئ، فإنها تعمل تدريجياً للتغلب على ذلك الاضطراب واستعادة توازنها، ومعنى ذلك أن القبيلة كنسق لديها القدرة على إيجاد مجموعة من الميكانيزمات التي تمكنها من المحافظة على توازنها في كل الحالات، وبالتالي فإن المشكلات الاجتماعية والسلوكية لدى أفرادها تؤثر على توازن النسق (القبيلة)، وبالتالي كي تستعيد القبيلة قدرتها كنسق على القيام بوظيفتها فإنها تسعى لتوفير الإمكانيات المادية والبشرية للحد من انعكاسات هذه السلوكيات على القبيلة.

2.القبيلة كنسق اجتماعي له حدود:القبيلة كنسق اجتماعي لها حدود ممثلة في القواعد واللوائح والنظم التي يجب أن يخضع لها كل فرد ينتمي للقبيلة، وبالتالي هي تعمل على المحافظة على بقائها وتساعدها في الحد من التجاوزات السلوكية لإفرادها، كما تعمل في نفس الوقت على تنظيم العلاقات الخارجية بينها وبين القبائل الأخرى من خلال ما يوجد في هذه القواعد التنظيمية من إجراءات لحل أي خلافات قد تنشب بينها وبين أي قبيلة أخرى، كما يوجد قواعد وجزاءات خاصة متفق عليها بين أفراد القبيلة لحل المشاكل التي ترتكب من قِبل أحد أفراد القبيلة ضد أي شخص أخر من خارج القبيلة وبما يضمن السيطرة على أي مشكلة وعمل كافة التدابير اللازمة لتجنب الدخول في صراعات مع القبائل الأخرى، وبالتالي نجد أن هذه القواعد هي في النهاية تعمل على المحافظة على القبيلة وصونها من أي مشاكل ونزاعات قد تؤثر على إستقرارها وكيانها وتؤدي إلى تكيف أفرادها مع هذه المتطلبات التي تحقق للقبيلة التكيف والإنسجام مع القبائل الأخرى مما يجنبها الدخول في صراعات أو حروب.

3.القبيلة كنسق اجتماعي له أنساق فرعية :القبيلة كنسق تشمل علاقات وارتباطات وتساند مع الوحدات المختلفة التي تشملها.

مثال على ذلك أن القبيلة كنسق اجتماعي لها أنساق فرعية أخرى هي:النسق السياسي والنسق الاقتصادي والنسق الذي يوفر الضبط الاجتماعي على الأفراد المنتمين للقبيلة والنسق القرابي، حيث يتم هناك تفاعل وتبادل فيما بين هذه الأنساق لتحقيق الغاية والهدف الذي من أجلة نشئت القبيلة من خلال التساند والتبادل في تقديم المعلومات والقواعد بين هذه الأنساق لتحقيق أهدافها، كما تسعى القبيلة كنسق إلى تحقيق التكامل بين تلك الأنساق الفرعية، مما يساعدها على المحافظة على كيانها وصون كرامتها وكرامة الأفراد المنتمين لها. كما أن النسق الكلي للقبيلة أكبر من مجموع الأنساق الفرعية، حيث تتفاعل الأنساق الفرعية مع بعضها البعض لتحقيق وظيفة القبيلة المتكاملة التي تضمن الانسجام بين سائر انساقها كافة.

4.القبيلة كنسق اجتماعي مفتوح:ويقصد بذلك أن القبيلة كنسق مفتوح من خلال قبولها لبعض الأفراد الذين يلتجئون إليها من القبائل الأخرى عندما لا يكونون قادرين على الدفاع عن أنفسهم، أو عندما يرتكبون مشكلة معينة ويعاقبون عليها بان يرحلون من ديار قبيلتهم، ومن هنا يدخلون مع القبيلة من خلال عرف متبع في مثل هذه الحالات بين القبائل وهو ما يطلق علية(ذبح شاة الغرم)وذلك مع أحد أفراد القبيلة التي يلتجي إليها طالباً المساعدة وتأمين حياته، وبالتالي بهذا الأسلوب يصبح جزء من أفراد القبيلة له مالهم وعلية ما عليهم.

وبهذا نجد أن القبيلة لها نظام مفتوح حيث تستقبل بعض الأفراد من قبائل أخرى ولكن تحت ظروف وشروط معينة لابد أن تتوفر في من يطلب الالتجاء إليها.

5.مدخلات ومخرجات القبيلة كنسق اجتماعي:تشير المدخلات إلى كل المؤثرات الخارجية في نسق القبيلة، ويمكن اعتبار مشاركة القبيلة في الدخول مع قبائل أخرى في تحالفات قبلية كنوع من المدخلات للقبيلة، وتعتبر القرارات التي تتخذ في مجلس الشيخ ومجالس الصلح بين أفراد القبيلة المتخاصمين، والنشاطات التي تتم داخل القبيلة، وجميع الأعراف والعادات والتقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل والتي تنظم وتقرر وتحدد أسلوب العمل والمشاركة والحياة في داخل القبيلة، كمدخلات تصب جميعها في نسق القبيلة.

    أما مخرجات النسق فهي تلك الآثار البيئية المترتبة على توظيف المدخلات من خلال حدود القبيلة كنسق اجتماعي. ومخرجات القبيلة تتمثل في تقديم المساعدة لكل فرد من أفرادها تواجهة أي مشكلة أو ظرف يتطلب أن يقف معه الجميع لقضائه كالدية أو قضاء دين …الخ، كما تعمل على تنظيم العلاقات بين أفرادها وأفراد القبائل الأخرى وتزويدهم بالسلوك المناسب الذي يجب أن يتخذه في المواقف المختلفة التي تعترضه.

6.التغذية المرتدة:حيث تتفاعل القبيلة كنسق اجتماعي مع القبائل الأخرى في المجتمع، وأيضا تتفاعل القبيلة مع الأنساق الفرعية بداخلها الأمر الذي ينتج عنه تغيراً حتمياً عن طريق المعلومات المرتدة للقبيلة والتي تفيد في إيجاد وسائل وأساليب وأنشطة جديدة لتدعيم دورها، ليتسنى لها عمل تقويم لدورها مما يحقق لها المكانة المرموقة بين القبائل الأخرى والعمل المحافظة على كيانها ووجودها.

الـدراســة الميـدانـيـة

اولاً:النسق السياسي.

يرتبط الأفراد في القبيلة بروابط تعتبر من عوامل وحدتها، فالبناء الاجتماعي في السابق مبني على أساس قبلي. فالقبيلة هي الوحدة الكبرى في هذه المجتمعات البدوية، والعائلة هي الوحدة الصغرى فيها، والأفراد يرتبطون ارتباطاً قوياً بالعائلة، ومجموعة العائلات التي ترتبط في أغلب الأحيان بروابط دموية شكلت الوحدة الاجتماعية الأكبر وهي القبيلة. والعائلة في هذه المجتمعات البدوية كتلة متضامنة وبالتالي فإن القبيلة كتلة متضامنة يحترم الأفراد فيها قوانينها وعاداتها احتراماً مطلقاً عبر عنه احترام الفرد الكامل والمطلق لشيخ القبيلة صاحب السلطة المطلقة فيها. وقد بنيت الطاعة السياسية هذه على أساس طاعة الفرد لرئيس العائلة الذي هو أحد أفراد السلطة التنفيذية التي تساعد الشيخ في أداره شئون القبيلة، وهذا ما عرف (بمجلس القبيلة). وقد تركزت عند أفراد القبائل فكرة التعصب لقبائلهم، وكان هذا التعصب يتطلب ولاءاً مطلقاً لإفرادها، والولاء هذا هو روح الفردية في البدوي الذي كُّبرها إلى أن شملت جميع أفراد القبيلة، وهذه الروح الفردية جعلت البدوي يشعر دائماً بأن قبيلته حرة مطلقة وهي وحدة متماسكة قوية لا تتجزاء.

ويعتبر هذا النوع من الترابط بين أفراد العائلات والقبائل نوعاً من التكامل الآلي، وهذا التكامل هو عامل قوي من عوامل إيجاد مجتمع متماسك. كما أن خضوع الأفراد المطلق لرؤساء القبائل الذين لا يناقشون، هو عامل من عوامل وحدة وتماسك هذه المجتمعات.(أبوعلية،1406 :115-116).

إذاً كان ولاء الأفراد سابقاً هو للقبيلة بالدرجة الأولى، لان ذلك يحقق لهم الانتماء ويحقق ويوفر في نفس الوقت ضروريات العيش لهم، حيث كانت الملكية جماعية والعمل جماعي وغالباً في مهنة واحدة ويعتمد هذا العمل على التساند والتعاون فيما بين الأفراد الداخلين في الروابط القبلية.

أما بعد أن أصبح الأفراد مستقلين أقتصادياً ولم يعد الارتباط بالقبيلة هو الأساس في تمكين الأفراد من العمل والقيام بالنشاطات الاقتصادية الضرورية لمعيشتهم، نجد أن الارتباط بالقبيلة أصبح ضعيفاً جداً، حتى أن بعض الأفراد انسلخوا تماماً من القبيلة وابتعدوا عنها تاركين حياة القبيلة وضاربين بالعادات والتقاليد التي لا تناسبهم عرض الحائط وغير آبهين بما يلحقهم جراء هذا التصرف، حتى أن البعض منهم لم يعد يحمل لقب القبيلة ولا يرغب في كتابته مطلقاً. وهذا يدل على إنصهارهم في الحياة الحضرية الجديدة التي تقوم على روابط وأسس جديدة، من أهمها الروابط الاقتصادية والوظيفية والإهتمامات والمصالح المشتركة وتحقيق الأهداف المشتركة بغض النظر عن الطرف الأخر الداخل في العملية ، سواء كان ينتمي إلى قبيلة أو غير ذلك، فنجد أن روابط المصالح الاقتصادية قد غلبت على روابط الدم والقرابة، كما طغت الحياة المادية بكل جوانبها على قدر كبير من حياة الأفراد الذين تلقوا نصيباً وافراً من العلم واستغلوا الفرص الوظيفية المتاحة، خاصة بعد الإستفادة من عوائد النفط الضخمة، وكذلك الأرتقاء في السلم الاجتماعي، حيث أصبحت المكانة في الوقت الحالي تقاس وترتبط بالمكانة الاقتصادية والوظيفية التي يشغلها الفرد في المجتمع.

وخلاصة القول هنا أن الروابط التي كان معمول بها سابقاً نجدها في الوقت الحالي قد ضعفت إلى حد كبير وحلت محلها روابط جديدة، ونتحفظ على أن نقول أنها اندثرت تماماً ولكنها أصبحت على نطاق ضيق ولدى مجموعة بسيطة ومعينة من الأفراد والتي لم تتلقى التعليم ولم يتسنى لها استغلال الفرص الوظيفية المتاحة في المجتمع، مما جعل التمسك بهذه الروابط بالنسبة لهم يحقق نوعاً من التوازن النفسي والعاطفي والاجتماعي، وبالتالي قد يحقق لهم التكافل الاجتماعي والاقتصادي الذي يضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية وذلك لمواجهة التكاليف الباهظة التي تتطلبها الحياة المعاصرة سواءً ما كان منها أساسي أو كمالي.

كما أن ولاء الأفراد اتجه إلى الدولة التي سعت لتوفير كافة الخدمات التي يحتاج إليها المواطن، من وظائف ومساكن وتوفير العلاج المجاني والطرق الحديثة …الخ. كما أن الانتماء اتجه ايضاً للشركات والمنشآت التي يعمل الأفراد فيها.

كما أن النظام القرابي الذي ترتكز علية القبائل العربية ركز السلطة كلها في يد المشايخ والرؤساء، فالشيخ هو الذي يأمر بالرحيل في الوقت والمكان الذي يحدده وهو الذي يأمر بالحرب والصلح، وبإختصار شديد هو المطاع الكلمة ومركز الثقل في حياة القبيلة. وإن كان في بعض الأحوال يستعين بعدد من المعاونين خصوصاً في شئون القضاء. وقد أصبحت كلمة الشيخ لقباً يدل على أن لصاحبها في المجتمع القبلي مكاناً متميزاً لابد منة لقيادة القبيلة. فهو رمز الوحدة السياسية في القبيلة. وما كانت زعامة الشيخ أو سلطاته دائماً في نظر كل فرد من أفراد القبيلة إلا رمزاً لسلطان القبيلة ذاتها وقوة كيانها.

فالشيخ في نظر أبناء القبيلة هو المصدر الأساسي لكل السلطات التي لا تستمد قوتها الإلزامية من القوانين المدونة وإنما من أعراف الجماعة والمشاعر والأحاسيس المشتركة من العصبية المتغلغلة الجذور في حياتهم اليومية والتي تتميز بأنها مبجلة وأنها تمارس سيطرة فعالة على ضمائر الأفراد، فأوامر الشيخ تتصف بالإلزام لأن منصب الشيخ في نظرهم هو القيادة العليا التي بيدها زمام المدافعة عن القبيلة، فإن الانقياد إليها والحفاظ على قوتها درع يحتمي به الفرد في القبيلة لتحقيق منعته وأمنه، فهو يرى منصب شيخ القبيلة الحارس المدافع عن الكيان والشرف، وكل مقومات القبيلة ذاتها. ولهذا أستقر في نفوس القبيلة للشيوخ دائماً التوقير والإجلال.(حسنين،1984:35-36).

ولابد أن تتوفر صفات معينة عند اختيار الشيخ منها، الجراءة وحسن السمعة والقدرة على نقل أفكاره وأرائة للأفراد بأسلوب مقنع وواضح، وأن يتسم بالوقار والرزانة وأن يكون كريما وكيساً يتمكن من أن يكون حكماً بين من يلجا إلية من الخصوم في قبيلته، كما يجب أن يتصف بالتقوى والصلاح والإلتزام بأوامر الشريعة ونواهيها متحلياً بفضائل الأخلاق في حياته الخاصة والعامة

والشيخ هو سيد القوم وسلطان القبيلة وله الأمر والنهي في كل ما يختص بتدبير أمر القبيلة ونظامها وإدارتها، وله القيادة في المعارك وحق إعلان الحرب والتمثيل في اللقاءات بين القبائل الأخرى، وهو الذي يأمر بالصلح وأخذ المغانم وإعطاء المكارم.

كما أن له أيضاً وظائف اجتماعية واقتصادية مختلفة، فهو الحافظ للأنساب، وهو الذي يعين أوقات الترحال والمناطق التي يرى بأنها أجدى بالرحيل إليها. وهو المسئول الأول عن الفقراء والمحتاجين في القبيلة.

أما فيما يتعلق بإدارة أمور القبيلة، فإن الشيخ يجبر على استشارة أصحاب الخبرة والرأي في قبيلته والأخذ بآرائهم وإلا نبذوه وتفرقوا عنة وخذلوه، إذن بالرغم من سلطاته المطلقة فإنه لابد أن يخضع لأهل الرأي الراجح بين أفراد القبيلة فيما يقدم علية من إعمال وقرارات.(حسنين،1984 :36-38).

أما فيما يتعلق بالشيخ والتغير الذي أصاب مكانته، خاصة بعد استقلال الأفراد اقتصادياً نتيجة إلتحاقهم بالأعمال والوظائف وممارستهم الأنشطة الاقتصادية المستقلة عن القبيلة في ظل الاستفادة من العوائد البترولية وما أتيح من أعمال وأنشطة اقتصادية، كما أن سيطرة عادات وتقاليد وممارسات جديدة على أفراد القبيلة، بعد احتكاكهم بثقافات جديدة لا تعترف بسلطة الشيخ المطلقة أدت بالتالي إلى التغير في النظرة لمكانة الشيخ، هذا من جهة ومن جهة أخرى هو سيطرة الدولة وإحكام قبضتها على المواطنين، وبهذا نجد أن سلطات شيخ القبيلة قد ضعفت إلى حد كبير، فلم يعد بإمكانه إعطاء الأوامر بالحروب والمغازي والإغارة على القبائل المجاورة ونهبهم وسلبهم وتقتيلهم، كمالم تعد له الكلمة الملزمة على قبيلته، حيث اصبح منصب شيخ القبيلة منصباً شرفياً ليس له تأثير على قبيلته مقارنةً بما كان علية في السابق، حيث أن الدولة أعزها الله ألغت الكثير من السلطات التي يمارسها الشيخ سابقاً عندما بداءت في عمل المراكز الحكومية ودعمتها برجال الأمن وأعطتهم الصلاحيات الكثيرة لإحكام السيطرة على هذه القبائل والحد من تجاوزاتهم ضد بعضهم البعض، وذلك من خلال إنشاء مراكز الأمارت الحكومية، والأجهزة الأمنية القوية مثل الشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك لإشاعة الأمن وبسط السيطرة على كافة ربوع هذا البلد المبارك. كما لم يعد للشيخ دور في حل النـزاعات التي تنشب بين أفراد القبيلة أو مع أفراد قبائل أخرى إلا في أضيق نطاق، حيث عملت الدولة على إنشاء المحاكم الشريعة للنظر في كافة القضايا والإشكاليات التي تحدث بين المواطنين بعد إنهاء التحقيقات اللازمة من قبل أجهزة الشرطة التي أصبح لها فعالية كبيرة في ضبط وإحضار كل جاني وتقديمة للمحكمة لمحاكمته شرعاً، ومن ثم إصدار الأحكام اللازمة وفق ما تملية الشريعة الغراء ويكون حكمها ملزماً وواجب التنفيذ. كما وفرت الدولة الأمن والهدوء والاستقرار لكل مواطن بواسطة أجهزة الضبط القوية والحديثة والمزودة بكل الوسائل التي تساندها في أداء مهمتها على أتم وجه ممكن، فأصبح المواطن قادر على التنقل بكل حرية، وأصبح يشعر بإنه آمن على نفسة وعلى اسرتة ومنـزلة وماله، ذلك لان الدولة أصبحت تضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن أو الاعتداء على الآخرين وأنه سوف ينال الجزاء الرادع له ولإمثاله.

كما لم يعد الشيخ المسئول عن تأمين أو حماية الموارد الاقتصادية للقبيلة، حيث تولت الدولة هذا الجانب وأصبحت مسئولة أمام المواطنين في استغلال الموارد الاقتصادية على الوجه الأمثل من خلال الاستثمارات الضخمة والقوية مما أدى ايضاً إلى إيجاد العديد من الوظائف الجيدة وذات المردود الاقتصادي الطيب لكل مواطن، وكذلك تأمين ما يحتاجونه من مواد غذائية.

ومصدر النظام في القبيلة هو العادات والتقاليد، فكلمة كبير السن لها تقديرها واحترامها من الجميع، وهم قضاة القبيلة إذا ما نشاء خلاف بين أفرادها وكلمته هي النافذة.(العمري،1403 :144).

 فعندما يقع خلاف بين أفراد القبيلة وخاصة عندما يصل الأمر إلى التعدي بالضرب أو ما قد يعتبر لدى أبناء القبيلة من الأمور التي يجب اخذ الثأر فيها من الشخص الذي قام بهذا الفعل، فإذا استطاع الشخص أن يفلت من الشخص الذي اعتدى عليه، لتأمين حياته وحياة أسرته خوفاً من انتقام هذا الشخص أو أحد أقاربه والإعتداء عليه والأخذ بثأرهم منه، فان في الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في القبيلة ما يضمن له ذلك من خلال نظام متبع في القبيلة يعرف بـ(رد الشأن) عند أحد أفراد القبيلة الذي يتوسم فيه تامين الحماية والآمان له، والشخص الذي يقبل برد الشأن يتحمل تبعات كثيره، فعلية في بادي الأمر أن يبلغ الطرف المعتدى علية بان المعتدي قد رد الشأن لدية وبالتالي يقول له ( أنت وربعك مقروعين من فلان). ويتمتع هذا الشخص في ظل هذه الحماية لمدة سنة وشهرين، وخلال هذه الفترة تبداء عمليات كثيرة للمصالحه وإزالة كل ما عكر صفو هذه العلاقة، كما أن طول هذه الفترة يهدي من الغضب ويطفي الشر والحقد، مما يجعل من الصلح امراً ممكناً. أما في حالة مضي هذه الفترة ولم يتم الصلح بين المتخاصمين فإن هذا الدخيل لابد أن يبحث عن شخص أخر ليرد الشأن عندة حتى يتم الصلح بينهما. وعندما يحتدم الخلاف ولا يقبل الأطراف مساعي الصلح التي بذلت لإنهاء الخلاف والسيطرة علية، فان الخطوة التي تتخذ هي أن الأفراد المتخاصمين لابد أن يتجهون إلى شخص يطلق علية (مقطع الحق) حيث يمتلك هذا الشخص الخبرة والدراية والمعرفة التامة بالتقاليد والأعراف والقوانين القبلية، ويعقد مجلس الصلح عند هذا الشخص بأن يضع الطرفين لدية ما يطلق علية (المعدال) ويقرر النوع الذي يجب وضعة (مقطع الحق) حسب نوع القضية التي سوف ينظر فيها، حتى إذا اصدر حكمه بين المتخاصمين يجد الشخص الذي يحكم علية ما يقدمه إرضاء للطرف الأخر ولابد أن يرضى بما هو موجود وحاضر في المجلس، لذلك لا يقدم الطرفان إلى الإحتكام عند هذا الشخص إلا أن يكونا قد قررا مسبقاً وضمنياً في أنفسهم قبول الحكم الذي سيصدر على أحدهما، وغالباً تستمد الأحكام التي تصدر من التعاليم الإسلامية ووفقاً لما تملية الشريعة الاسلامية، أو وفقاً لما سبق وأن تم الحكم فيه من قضايا مشابهة.

 وبهذا يتم السيطرة على الخلافات التي تنشب بين الأفراد والحفاظ على حياتهم وعدم تعريض القبيلة لمشاكل هي في غناء عنها.

أما ما نجده في الوقت الحالي عند نشوب أي خلاف بين الأفراد فإنهم يلجئون إلى الأجهزة الأمنية التي أنشأتها الدولة للحد من الخلافات، وبعد أن يتم إنهاء كافة التحقيقات والإجراءات، فان هذه الأجهزة تحيلهم إلى المحكمة التي تصدر الحكم المناسب الذي يجب أن يرضى به الأطراف، وهذا يعني أن الدولة حلت محل الأشخاص الذين كانوا يمثلون القضاء في السابق، ولكن هناك حالات معينه وفي أضيق نطاق قد يلجأ فيها الأفراد إلى مقاطع الحق، ولكن لا يجوز اللجوء إليهم بعد أن يتم إصدار الحكم الشرعي حتى لا يتناقض ذلك مع الشرع.

وغالباً ما تتكون القبيلة من مجموعة كبيرة أو صغيرة من الأفراد تجمعهم صفات واحدة، فهم جميعاً توجد بينهم درجة عالية من القرابة كما أن الأرض التي يسكنون عليها غالباً ما تكون لهم جميعاً وليست ملكاً لإفراد منهم، ويسمى هذا النوع من الملكية، الملكية العائلية أو القبلية للأرض.

وتتم العلاقات بين أفراد القبيلة بصفة مباشرة، أي عن طريق الإتصال المباشر، وهي في علاقاتها بالمجتمعات الخارجية تكاد تكون منعزلة نتيجة لإفتقارها إلى طرق المواصلات أو وسائل الاتصال اللازمة، ولهذا غالباً لا يعرف الكثير من أفراد القبيلة إلا مجتمعهم ولا علم لهم بشئون المجتمعات الأخرى، كما أن تبادل الخبرات بين أفراد القبيلة وأفراد القبائل الأخرى يكاد ينعدم. ومعنى هذا أن حضارة هذه القبيلة تكون محلية تماماً ومن نتاج أفرادها دون أن تؤثر عليهم عناصر الحضارات أو المجتمعات أو القبائل الأخرى إلا فيما ندر.

كما يسيطر على مجتمع القبيلة نوع من العادات التي يكتسبها أفرادها على مر الزمان لمواجهة احتياجات معينة يرى قادة القبيلة ضرورة تنفيذها، وقد يكون بعضها غير منطقي أو غير مناسب إلا أن أفراد القبيلة جميعاً ملزمون بممارسة هذه العادات والتقاليد نتيجة معيشتهم في حدود ونطاق مجتمع القبيلة رغم ما قد يكون من عدم اقتناع البعض بجدوها، ولكن الأساس في اقتناع أفراد القبيلة بهذه العادات والتقاليد هو التجربة والممارسة العملية، ومن الصعب بعد ذلك تغيرها أو التعديل منها أو تهذيبها نظراً لعدم احتكاك أفراد القبيلة بالمجتمعات الأخرى والبط الشديد الذي يتميز به التغير الاجتماعي في مثل هذه المجتمعات القبلية وتعُود أفرادها على ممارسة هذه العادات دون تغير أو تطوير فيها نقلاً عن الأجداد والآباء.(العمري،1403 :143).

والتقسيم الاجتماعي عند القبائل البدوية كان يعتمد على كبر القبيلة، من حيث عدد رجالها وما تملك من حيوانات ومن حيث أتساع دائرة تجوالها ومدى أنتشار فروعها في الداخل والخارج، وبهذا تأتي القبائل الكبيرة في الدرجة الأولى بين مجموعة القبائل القاطنة في المنطقة، وكانت هذه القبائل الكبيرة والقوية تفرض أحترامها على غيرها، هذا وهنالك تقسيم اجتماعي ضمن القبيلة الواحدة، فيشكل الشيخ ورجال شورى القبيلة وكبار السن في العائلات التي تتشكل منها القبيلة وأغنياء هذه العائلات وحدة اجتماعية أولى يمكن اعتبارها الفئة ذات النفوذ في القبيلة، أما باقي أفراد القبيلة فيشكلون وحدة اجتماعية ثانية تأتي بعد الأولى. فبما أن أفراد القبيلة من أصل وأحد ونسب واحد وغالباً من جد واحد، وهم اللبنات الأساسية في بناء القبيلة، وبما أن البدوي فطر على الاعتداد بالنفس فإن هذا كله يساعد تماماً على محو الطبقية في القبيلة. وفيما يدلل على ديمقراطية أفراد القبيلة، فإنهم ينادون شيوخهم أو أمراءهم بأسمائهم أو ألقابهم العادية بينما تزداد الرسميات في الحواضر.(أبوعلية،1406 :49-50).

وتنقسم قبيلة بني هاجر إلى الأقسام التالية:-

1-أبناء القبيلة الصرحاء الذين يجمع فيما بينهم رابطة الدم. وتعتبر هذه الطبقة من الطبقات المهمة في البناء القبلي، حيث أن أنسابهم صريحة ولم يختلط بها أو لم يلتحق بها أي دخلاء، ويتمتع أفرادها بالكثير من الامتيازات وبالمقابل عليهم الكثير من الواجبات التي لابد أن يؤدوها تجاه قبيلتهم، فهؤلاء لهم الحق في الإجارة، ويعني ذلك قبول أي مستجير من القبائل الأخرى ويقدم له كافة أنواع الرعاية ويكفل حمايته من كل مكروه ويتحمل كافة تبعات أجارته.

2- الدخلاء أو ما يطلق عليهم في القبيلة بـ(المستجير) وهم الذين طلبوا حق الجوار أو حق الإجارة ، وذبحوا شاة الغرم مع أحد أبناء القبيلة الذين لهم الحق في قبول الإجارة وتقديم كل ما يحتاجونه من تامين الضروريات للحياة فيما بينهم حياة كريمة بما في ذلك تقديم الحماية من الذين يريدون إلحاق الضرر به ولخوفه على حياته منهم طلب حق اللجوء للقبيلة، وتكون صفة الإجارة ذبح ما يسمى (بشاة الغرم) وصفتها أن يقدم الطالب للإجارة على ذبح شاة الغرم مع أي فرد من أفراد القبيلة، وبالتالي يتم قبوله ويصبح هذا الشخص جزء من أبناء القبيلة له مالهم وعلية ما عليهم.

3-العبيد والأرقاء:كان للقبيلة الكثير من العبيد والذي تم شرائهم من الأسواق الخاصة بهم، والسبب الرئيسي للشراء هو أن يخدموا (سيدهم) ويساعدوه في رعي الماشية والتخديم على الضيوف، وصناعة ما يحتاجه سيدهم. وقد كانت هذه الفئة منبوذة لا قيمة لها بتاتاً وليس لهم أي حقوق مطلقاً بل دائماً عليهم الكثير من الواجبات الملقاة على عاتقهم، ويحق لسيدهم بيعهم أو بيع أبنائهم في أي وقت يشاء دون مراعاة لهم وبدون أخذ رائيهم.

أما بالنسبة للأرقاء فهم في الغالب يعيشون نفس الظروف المحيطة بفئة العبيد، ولكن الفرق بينهم يكمن في أن الأرقاء تم أسرهم في الحروب والمغازي التي تحدث بين القبائل أو عند غزو القبيلة على المناطق الحضرية الأمنه التي لا تستطيع المدافعة عن أبنائها. وتعمل هاتين الفئتين في تامين كل ما تتطلبه القبيلة من احتياجات ويعملون كصناع للأدوات التي تحتاجها القبيلة، وهؤلاء لا يتزوجون من بنات أو أبناء القبيلة بل يتم التزاوج فيما بينهم.

وبالنسبة للتقسيم المذكور فلم يعد موجوداً بالصورة التي كان عليها سابقاً، حيث أن القبائل انصهرت وكْونت مجتمعاً موحداً متماسكاً لا ينظر إلى العهد السابق أبداً بل الجميع يعمل من أجل خير وتطور الوطن الذي وحد وجمع بينهم دون أدنى تفرقة، فالمواطنين أمام الدولة سواسية ولا تفضل (قبيلي) على غيرة من أبنائها الآخرين، ولكن ينظر إلية من عدة زوايا، وهذه الزوايا هي مقدار التعليم الذي حصل علية ومدى ما يقدمه لمجتمعه من خدمات ومدى إسهامه في النهوض بوطنة وغير ذلك من الأمور التي تحسب بها المواطنة الصالحة.

كما أن المواطنين كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك أصبحوا آمنين على أنفسهم وعلى أموالهم وأعراضهم بسب ما وفرته الدولة من أجهزة أمنية قادرة على تأمين الحماية الكافية لكل المواطنين، فبالتالي لم يعد هناك حاجة إلى قيام أي فرد خاف على نفسة وأهلة من الهلاك أن يلجا إلى قبيلة أخرى لتؤمن له الحماية وتبعد عنه الخطر، بل أصبح المواطن يلجأ إلى الدولة لتأمين الحماية أو استرداد حقه المغتصب من قبل أي شخص مهما علا شانة.

كما أن العلاقات أصبحت إلى حد ما شبه رسمية، فلم يعد الإتصال المباشر بين الأفراد متاحاً كما كان في السابق نتيجة للإرتباطات الكثيرة التي تتطلبها الحياة العصرية، وكذلك الإرتباط بأوقات معينة للعمل وأوقات أخرى للراحة، بالإضافة إلى استخدام الوسائل والتقنية الحديثة في عمليات الإتصال بين الأفراد مما جعل عملية الإتصال تتم في الغالب بطريقة غير مباشرة.

كما أن الكثير من العادات والتقاليد الممارسة سابقاً بين أفراد القبيلة، قد تعرضت إلى عمليات كثيرة من التغيير والتهذيب حتى تتناسب مع الحياة العصرية التي قد يكون التمسك بهذه العادات والحفاظ عليها، يشكل عائقاً أمام الأفراد للرقي والتطور، لهذا نجد إن الغالبية من الأفراد لا يراعون العادات التي لا تناسب العصر الذي يعيشون فيه ولا تحقق مصالحهم.

أما بالنسبة للعبيد (الأرقاء)، فلم يعد لهذه الفئة وجود أطلاقاً، لأنه صدر أمر ملكي في عهد المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبد العزيز في عام 1383هـ يقضي بإلغاء الرق في المملكة العربية السعودية، وقد تم تحرير كافة الأرقاء ودفع أثمانهم من قبل الدولة، ومن ذلك الوقت أصبح الأرقاء يتمتعون بالحرية الكاملة والمطلقة ويساهمون مع غيرهم من أبناء الوطن في التعمير والإنشاء للنهوض بهذا الوطن الكريم.

وكتنظيم للعلاقات القبلية شكلت القبائل تحالفات قبلية ضمت القبائل ذات القرابة الدموية وذات المصالح المشتركة، وبفضل هذه التحالفات ذات المفاهيم السياسية أصبح من حق قبائل الأحلاف أن ترعى في ديار القبائل الداخلة فيه، وتكون تحالفاً دفاعياً وهجومياً ضد القبائل الأخرى أو القبيلة المعتدية على إحدى القبائل المرتبطة بالحلف.(أبوعلية،1406 :43).

وكانت قبيلة بني هاجر كسائر القبائل الأخرى قد لجأت إلى عقد الكثير من التحالفات مع قبائل أخرى أو عشائر داخل قبائل أخرى إذا ما طلبت النجدة والمساعدة، وقد خاضت قبيلة بني هاجر العديد من الحروب مع القبائل المجاورة لها وخاصةً العجمان وآل مرة، وكمثال على هذا الأمر وقيام قبيلة بني هاجر بنصرة العشائر المستضعفة داخل قبائلهم، ونجدة بني هاجر لهم عندما طُلب منهم التدخل لحمايتهم من الهلاك، نورد هذه القصة التي رواها أحد كبار السن وهي كالأتي:

وتفاصيل هذه القصة، هو أن نزاعاً نشب بين فخذين من أفخاذ قبيلة آل مرة، والفخذين هما آل فهيدة وآل عذبه وكلاهما من نفس القبيلة ويسمونهم أولاد فاضل. وأشتد القتال والحرب بين الطرفين حتى وصل الأمر إلى قتل الأطفال الرضُع لذلك قرر آل فهيدة أن يطلبوا النجدة من بني هاجر، وقد أعطوهم بني هاجر الأمان والزَبْنَة ووعدوهم بحمايتهم والدفاع عنهم، كما أنهم أجروا أتصالاً بقبيلة المناصير، حيث أن الهواجر والمناصير يرجعون إلى نسب واحد فالهواجر عيال سلطان العبيدي، والمناصير عيال منصور العبيدي، والجميع أطلق عليهم أولاد عبيدة بنت الزير المهلهل أخو كليب. وكانت القيادة في بني هاجر في ذلك الحين للأمير سالم وأخية محمد أولاد شافي، وأخبرهم سالم بواقع الأمر وأن من واجب الشرف والكرامة أن يدافعوا جميعاً عن آل فهيدة، فاستجاب المناصير إلى ذلك الطلب، وأعلنوا أنهم سيكونون جنباً إلى جنب مع بني هاجر. أما فخذ آل عذبة من آل مرة، فقد طلبوا النجدة من العجمان، فأجابهم الشيخ راكان بن حثلين إلى طلبهم وبعث إلى الأمراء سالم ومحمد أولاد شافي يطلب إليهم أن يتخلوا عن آل فهيدة أو أنه سوف يشن الحرب عليهم.

فلما استلم الأمير سالم بن شافي طلب راكان لم يأبه به ولم يكترث له بل قرر حماية(زَبْنَاه)آل فهيدة والدفاع عنهم. فلما علم راكان بالأمر أمر بحشد مقاتلين من العجمان وآل عذبه ومعهم قبائل أخرى، وخرجوا جميعاً لقتال بني هاجر والمناصير. فلما سمع الأمير سالم وأخية محمد بنبأ حركة العجمان، تهيأ بني هاجر والمناصير وآل فهيدة وخرجوا للقائهم.

والتقى الجمعان في مكان يسمى(بنيان) حيث دارت معركة كبرى بين الطرفين أستمر فيها القتال بشراسة وظهرت فيها بطولات من المناصير وآل فهيدة الذين استبسلوا بالقتال، وقد مال ميزان المعركة لبني هاجر وانتصروا على العجمان ومن معهم، لان بني هاجر كان دافعهم للقتال أقوى حيث كانوا يدافعون عن المظلوم والضعيف. والحروب كما هو معروف تخضع للنصر والهزيمة، فقد انتصرت قبيلة بني هاجر على العجمان وآل مرة في العديد من المواقع والحروب التي جرت بينهم، كما انتصرت هذه القبائل على بني هاجر في مواقع أخرى فالحرب سجال.

ومن المعلوم أن القبيلة لا تبقى منعزلة طوال الوقت في ديارها فإذا كانت الأمطار جيدة والمراعي وأفره بقيت في ديارها، وأن كان الأمر عكس ذلك فإنها تهاجر وراء العشب والماء، وبذلك تتعدى حدود قبيلة أخرى ولكنها على أي حال لا تستطيع أن تنتقل في ديار قبيلة معادية، فعليها أن تؤسس اولاً العلائق والصلات الجيدة وأن تعقد الأحلاف لكي تستطيع أن تتجول في ديار القبائل الأخرى وقت القحط، ولهذه الأحلاف فائدة متبادلة تخدم أغراضاً اجتماعية عديدة أهمها حسم المنازعات ومساعدة الغير على تقوية روح الولاء والتعاون والتضامن .(قطان،1399 :26).

وهذا أدى إلى ضرورة قيام التحالفات بين أبناء العمومة والقبائل الأخرى من أجل ضمان معيشتهم ومن أجل تعاونهم للقيام بالغزو ضد القبائل الأخرى، وأن كانت مثل هذه العلاقة العدائية والحربية بين القبائل عاملاً من عوامل التفكك في المجتمع القبلي، إلا أن هذا الأمر أدى إلى قيام نوع من التحالفات (الفيدرالية) بين مجموعات من القبائل. وكانت هذه التحالفات نوعاً من السيادة الجماعية التي هي بادرة من بوادر الوحدة والتماسك في دائرة الدولة الواحدة، وأن صعوبة الحياة في البادية، حيث الصحراء القاحلة والمياه النادرة والحر الشديد قد فرضت على سكانها تضامناً وتكاتفاً للتغلب على قسوة الحياة فيها، وهذا التضامن الذي فرضته البيئة الصحراوية يعتبر من الروابط الوحدوية القوية بين المجتمعات القبلية.(أبوعلية،1406 :117).

وكانوا البدو في روابطهم وطاعتهم للقبيلة وتضامنهم وتمسكهم بالعرف والعادات والأنظمة القبلية متحدين ضمن دائرة نطاق القبيلة أو القبائل المتحالفة. إلا أن كثرة المنازعات القبلية التي مارستها القبائل الأقوى ضد القبائل الأضعف من أجل السيطرة على مواقع العشب والماء اللذين هما الشريان الحيوي للحياة البدوية وهما سبيل العيش في الصحراء كانت من العوامل التي ملكت المجتمع. وبهذا وبحكم البيئة الصحراوية فإن مجتمعات الجزيرة العربية ظلت كتلاً وجماعات موزعة لا تستقر على أرض بل ضلت دائماً تعيش على الترحال والغزو وضل التعايش السلمي النسبي أحياناً يسود والتنازع أحياناً أخرى. وكانت النـزاعات والاعتداءات القبلية تعكر صفو السلام. ومن حياة الغزو هذه تجسد في عقلية البدوي حبه الشديد للسلب والنهب، وهذا الأمر تفسره كثرة حروب البدو وهروبهم من القتال إذا دارت الدائرة عليهم ويتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك فينقلبون على المغلوب ويعملون فيه نهباً. ويمكن القول أن أطماع شيوخ القبائل كانت مجالاً خصباً لأتساع عمليات الغزو القبلي.(أبوعلية،1406 :121).

ولان المحرك الأساسي في عمليات الغزو والحروب بين القبائل هو العامل الاقتصادي، حيث يتم الإقتتال والنـزاع على مورد مائي معين، أو نهب ما يتوفر لدى القبيلة الأخرى من مواد غذائية لتامين حياتهم به، وذلك لندرة الموارد الغذائية في ظل الظروف المعيشية الصعبة والقاسية في الصحراء، ولآن هذا الباعث قد انتفى في ظل الاستفادة من العوائد الضخمة للبترول وكذلك قيام الدولة بتامين المواد الغذائية في الأسواق وبأسعار زهيدة ومدعومة من قِبلها، والآن فالحروب بين القبائل انتهت وحل محلها السلام والمحبة والتعايش السلمي والودي، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم وتوطدت العلاقات في ظل التشجيع الدائم من قبل الدولة على التآخي والتحاب بين أبناء القبائل جميعاً كما لا توجد تفرقة فيما بينهم فالجميع مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات لابد من أدائها للدولة، فهذا الأمر اصبح واقعاً بالفعل، فمن المعروف سابقاً أن أكثر القبائل نزاعاً مع قبيلة بني هاجر هما قبيلتي العجمان وآل مرة حيث نشبت بينهم الكثير من الحروب والغزوات، أما الآن فهم من اكثر القبائل تالفاً وتقارباً وتعاوناً لكل ما فيه خير وسعادة لإبنائها، كما أصبحت العلاقات أكثر عمقاً في ظل التزاوج الذي تم فيما بين هذه القبائل والتمسك بالروابط العائلية، فانتهت مع هذا التوجه كل مظاهر الكرة والحقد، كما أنه لم يعد هناك حاجة لعقد التحالفات فيما بين القبائل لتأمين المساعدة عندما تستنجد إحدى القبائل بالأخرى في حالة شعورها بالخطر، لأن الدولة كفلت الحماية لجميع القبائل وفرضت السيطرة على الصحراء وعدم تعرض أي قبيلة لعمليات غزو أو نهب وسلب من خلال فرض الجزاءات الصارمة على أي قبيلة تُقدم على هذا الفعل المشين، هذا من جهة ومن جهة أخرى اصبح الكثير من أبناء هذه القبائل على درجة عالية من العلم والثقافة وبالتالي ابتعدوا عن ممارسة هذه الأفعال التي تعتبر من الأمور الجاهلية ولا ينبغي الإلتفات إليها ومن له حق فإن الدولة بكافة أجهزتها كفيلة بإرجاعه لصاحبه.

حتى أنه في الوقت الحالي قد أصبحت البداوة نمطاً شاذاً في المجتمع  السعودي، وبات يعتبر قطاعاً متخلفاً في ضوء الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة. فالجماعات البدوية وجدت نفسها داخل أوطان سياسية وقوميات متعددة، وأصبحت القبيلة بالتالي موزعة بين عدداً من الوحدات السياسية ذات الحدود الدولية، لذا فقد وجد البدو أنفسهم داخل حدود لم تعد فيها وحدتهم هي (القبيلة) ومسارحهم الجغرافية تمثل الإطار الاجتماعي والسياسي المميز لهم.

وهكذا فأن فكرة القوميات وطبيعة تكوين الدولة ذات النفوذ الإداري كانت من أهم عوامل التغير في المجتمع القبلي ذلك لأن الدولة الحديثة بما تملكة من قوة وفرتها لها التكنولوجيا الحديثة قضت بها على عزله أبناء القبائل وقدرتهم على الإفلات من سلطانها.(الغامدي،1410 :118-119).

ثانياً:النسق الاقتصادي.

للظروف والعوامل الاجتماعية أهميتها في دراسة الحياة في المجتمعات التقليدية، فعلى الباحث في هذا الميدان عدم إغفال الظروف والعوامل الاجتماعية، فالنظم الاقتصادية تتدخل تدخلاً قوياً مع بقية النظم الاجتماعية. فالوظيفة الاجتماعية للعمل الاقتصادي هي نوع من الإشباع الاجتماعي المباشر الذي يتم تحقيقة عن طريق ذلك النشاط الاقتصادي بوصفة أحد عوامل التكامل والتماسك والتضامن في المجتمع. فالعمل على سبيل المثال من هذه الناحية وعلى هذا الأساس هو نوع من النشاط الاجتماعي، وليس مجرد نشاط فيزيقي نظراً لأن المجتمع ذاته يتوقع من كل شخص أن يقوم بعمل معين يرتبط على العموم بشكل أو بآخر بنشاطات غيرة من الناس، سواء كانت هذه النشاطات كلها من نوع واحد أو من أنواع مختلفة، كما أن المجتمع نفسة وبخاصة المجتمع التقليدي هو الذي يحدد طريقة تنظيم العمل وتقسيمة وتوزيعه بين الأفراد حسب قواعد دقيقة تؤلف جزءاً من النسق الاجتماعي الكلي.(السيف،1412 :55-56).

وعند التطرق للنشاط الاقتصادي الذي مارسته القبيلة، يُلاحظ أنه متأثر بشكل كبير بالبيئة المحيطة بها وبالتالي فرضت نوعاً معيناً من النشاط الاقتصادي، الذي سوف نتطرق إلية بنوع من التفصيل وسوف نتلمس التغير الذي لحق بهذا النشاط الهام والتحولات الكبيرة التي أدخلت علية بعد تأسيس المملكة العربية السعودية والاستفادة من عائدات النفط الضخمة.

فلقد أثرت الظروف الطبيعية والبيئية الصعبة المحيطة بقبيلة بني هاجر بشكل مباشر وكبير عليها، فقد هاجرت القبيلة من موطنها الأصلي في الجنوب قبل حوالي ثلاثة قرون نتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي عانت منها المنطقة، كقلة الأمطار وقلة الأراضي الصالحة للرعي وندرة المياه، فبالتالي أصبح لا مفر أمام القبيلة للمحافظة على حياتها من أن تسلك طريق الهجرة نحو الشرق، توقعاً لظروف معيشية أفضل، ونخلص من هذا أن البيئة الطبيعية فرضت على القبيلة أنواعاً محددة من النشاطات الاقتصادية التي يمارسها أبنائها وسوف نتناول كل هذه الأنواع بشيء من التفصيل، وحسب ما ذكرة كبار السن للباحث :-

أولاً:نشاط الرعي وتربية الماشية.

يوجد هذا النشاط في المناطق التي لا يمكن وجود نشاط مستقر يستطيع أن يسد حاجة السكان في هذه المناطق، مثل المناطق الصحراوية فهي تتسم بتذبذب الأمطار في الكمية والأماكن والمواعيد التي تسقط فيها، وإذا ما سقطت الأمطار فإن جزءاً كبيراً من المياه يتسرب في التربة، ففي هذه المناطق لا ينفع قيام نشاط إلا الرعي .( قطان : 1400هـ).

والرعي اقتصاد قديم للإنسان ويمُارس في أجزاء كثيرة من العالم. وهو نظام اقتصادي قائم، ويعتقد أن الرعي هو الطريقة المناسبة لإستغلال النبات الطبيعي المتناثر في المساحات الصحراوية الواسعة من هذا العالم. وماشية القبائل في المملكة العربية السعودية، خليط متنوع من الجمال والأغنام والماعز بالإضافة إلى الخيول. وتطلب ندرة العلف والماء هجرة دورية للقبائل مع قطعانهم عندما تنفذ المراعي في منطقة معينة، وهذه الهجرات الرعوية تتفق مع دورة الفصول.(الشريف :1404). ويعتز أبناء القبيلة بماشيتهم كثيراً، حيث يحرصون على تربية وامتلاك الإبل ذات السلالات الجيدة، وقد اشتهروا بامتلاكهم لأطيب الإبل، وتعتبر الإبل شريكاً عزيزاً في الصحراء حيث تستطيع الصبر على قلة العلف والماء أياماً طويلة مما يجعلها رفيقاً جيداً لأبناء القبيلة في تنقلاتهم، وكذلك يستفيدون أيضاً من حليب الإبل كغذاء هام وضروري لاحتوائه على الكثير من العناصر الغذائية الجيدة، ويستفيدون أيضا من (وبر) الإبل، بعمل بيوت الشعر وبعض المباسط وغير ذلك من الصناعات التي تعتمد على الصوف، وكذلك يستفيدون من الجلود لصناعة (القرب)لحفظ الماء وتبريده و(العكك)لحفظ السمن.

ويربون أيضا الضأن والماعز بشكل كبير، ويستفيدون من كل ماتنتجة الأغنام إستفادة تامة.

ولأن أبناء القبيلة فرسان ومحاربون أقوياء وأشداء فالخيل تمثل لديهم قيمة كبيرة، حيث يمتلكون الكثير من أصايل الخيول والمعروفة النسب والمتميزة، واعتمدوا أيضا عليها في تنقلاتهم وغزواتهم وحروبهم ضد القبائل الأخرى.

ومما سبق يتضح لنا الأهمية الكبرى لتربية الماشية وما تحتله من مكانه كبيرة في نفوس أبناء القبيلة، حيث تقاس المكانة الاجتماعية بقدر ما يمتلكه الفرد من الإبل والأغنام والخيول بالإضافة إلى إنها تمثل رافداً اقتصادياً هاما عندما يرغب الفرد في شراء احتياجات ومتطلبات الحياة مثل المأكل والملبس والمشرب وغير ذلك من الأمور التي يحتاجها الفرد، فيلجا إلى المقايضة مع التجار في القرى والمدن القريبة منه، مقابل أخذ مايحتاجة من المواد الضرورية لحياته وحياة أسرتة.

ومن هنا يتضح أنه لابد أن ترتبط عملية تربية الماشية بمهنة أو نشاط اقتصادي أخر ألا وهو الرعي، فالرعي بالنسبة لابناء القبيلة كان يقوم به الكبار والصغار، وغالباً ما يعتمد على الصغار في رعي الأغنام، أما الكبار فيرعون الإبل والخيول. ويمارس الرعي أيضا من قبل العبيد والأجراء الذين يتخذهم صاحب الماشية لمساعدته، أما بالنسبة لمن لديه أبناء وبنات، فإنهم يتولون هذه المهمة.

وكان أبناء القبيلة يستيقظون في الصباح الباكر، ثم يبداء أحد أفراد الأسرة بإشعال النار وتسخين الماء ومن ثم يودون صلاة الفجر، وبعد ذلك يجلس الرجال حول النار ويتناولون القهوة العربية وما تيسر لهم من الزاد كفطور، وفي الغالب يتكون من الحليب والقرص المفروك بالسمن البري، وتستغل هذه الفترة في توزيع المهام بين أفراد الأسرة والتشاور في كل ما يختص بأمرها، ويعملن النساء في حلب الغنم وإرضاع البهم قبل أن يتم تسريحها في الصباح، ويتم ايضاً عزل البهم الصغير عن أمهاته وربطة في ما يسمى الربق، ومع قرب بزوغ الشمس تبداء الحركة وتتعالى أصوات الأغنام والإبل وذلك عندما تبداء في عملية المسراح للمراعي المخصصة لها، ويسرح بها أحد أفراد الأسرة الذكور (قبيلة بني هاجر لا تسمح للبنات أو النساء بمارسة الرعي كما في القبائل الأخرى وخاصة قبائل منطقة نجد – حسب ما ذكرة لي كبار السن) التي تكون أعمارهم في الغالب فوق العاشرة، أما أبناء الأسرة الصغار فانهم يرعون البهم في مكان قريب من محل إقامة الأسرة بحيث يكون باستطاعة الأسرة مراقبتهم والعمل على توجيههم وإسداء النصح حتى يكونون جاهزين للعمل في رعي الأغنام عندما يكبرون في السن، ويكون الشخص الذي يسرح بالغنم قد أخذ معه من الغذاء والماء مايكفية طوال اليوم لإنه لا يستطيع العودة إلى المقطر إلا مع الغروب.

أما بالنسبة لمن يرعى الإبل فيجب أن يكون عمرة قد تجاوز الثلاثة عشر، حتى يكون قادراً على السيطرة والتعامل مع الإبل بشكل يكفل بعدم تعريضها للضياع.

وبعد أن يتم تسريح الحلال (الماشية) تعود المرأة لتراعي شئون منـزلها، فتصنع فطوراً لبقية أفراد الأسرة، وبعد ذلك تقوم بواجباتها الأخرى مثل تنظيف البيت وخض اللبن واستخراج الزبد منه وذلك لتجميعه بشكل كبير لعمل السمن البري، كما يتم عمل الاقط والكرثي وخاصة في فصل الربيع حيث يكثر الحليب، أو تقوم بعملية الغزل والنسيج والسدو، أو بتفقد بيت الشعر والعمل على خياطة ما فيه من شقوق، أو تشارك في إحضار الحطب كما تعمل على تحضير الطعام لإفراد أسرتها.

أما بالنسبة للرجل فهو في الواقع يؤدي العديد من الأعمال والمهام التي منها عمل القهوة وتحضيرها، والمشاركة في عملية عزل الأغنام ويشرف على تسريحها وكذلك على تسريح الإبل في المقام الأول، كما انه يشارك في عملية الرعي ويشرف عليها ويتابعها، كما أنه يقوم بعمليتي البيع والشراء والذهاب إلى القرى والمدن القريبة لإحضار كل متطلبات الأسرة، كما أنه يبحث عن الحلال الضائع، ويقوم ايضاً بإستقبال الضيوف وإكرامهم، كما تناط به أعمال الحراسة.

وقبيل الغروب بقليل تعود الإبل والأغنام إلى مكان الأسرة لتبداء الأسرة في القيام بالعديد من المهام الكثيرة، كإرضاع البهم وربطة في الربق، وتقمن النساء بحلب الأغنام.

ويقوم الرجال بحلب الإبل وتعقيل الفحل بواسطة القيد والعقال حتى لا تستن الإبل(تهرب)، وبعد ذلك يتناولون طعام العشاء ويخلدون للنوم والراحة استعداداً ليوم أخر ملي بالعناء.

وهناك العديد من الحرف المرتبطة بتربية الماشية ومنها:-

1.صناعة بيت الشعر وأقسامه وأهميته:لقد حاول الإنسان البدوي التكيف مع الظروف البيئية الصحراوية القاسية والتأقلم معها، وحتى يتسنى له ذلك لجاء إلى مكونات البيئة المحيطة به فاستفاد منها في أتخاذ السكن المناسب والملبس والفراش وأواني حفظ الطعام وتبريد الماء.

إضافة إلى نجاحه في صناعة بيت الشعر الذي له القدرة العجيبة على تحمل الظروف الصحراوية المتقلبة و القدرة على حماية ساكنه من البرد والحر والأمطار والرياح، إلى جانب خفة وزنة مما يسهل عملية الشد والترحال التي هي من سمات البدو، كما أنه بالإمكان إصلاح أي خلل أو تلف يتعرض له بكل سهولة. فبيت الشعر له مساحة واسعة وعلاوة على ذلك يتمتع غطاء بيت الشعر من كونه مصنوع من سدو ذو فتحات صغيرة لها القدرة على السماح بمرور الهواء إلى الداخل وخروج الدخان من داخله أيضا، حيث تصغر هذه الفتحات في مواسم الأمطار وتتضخم الخيوط لتمنع تسرب الماء إلى الداخل.

وتعمل المرأة البدوية في صناعة بيت الشعر، وكان من أهم عمليات التنشئة في القبيلة هي تعليم البنات كيفية صناعة بيت الشعر وجميع المنسوجات منذ الصغر، وتتجلى روح الوحدة والتعاون عند النساء في القبيلة وهن يعملن سوياً في صناعة بيت الشعر الذي يحتاج إلى جهد ووقت طويل جدا، مما يحتم تقسيم العمل على فترات زمنية .

ولا بد أن تمر صناعة بيت الشعر بعدة مراحل وهي كالتالي:-

المرحلة الأولى / تبدأ المرأة بجمع الصوف والشعر من القطيع الذي لديها سواء كان غنم أو ماعز أو إبل.

المرحلة الثانية / فتعمل في تنقيته وتنظيفه من الشوك والأتربة وغيرها وبعد ذلك تقوم بغسله وتجفيفه.

المرحلة الثالثة / تبدأ بغزل الصوف لتكُون لديها مجموعة من الخيوط المبرومة. وبهذا يكون الشعر جاهزاً للبدء في عملية السدو، أما من ناحية الألوان المستخدمة في السدو غالباً ما يكون لونها طبيعياً وهو الأسود والأبيض ومتى ما رغبت المرأة بلون محدد لسدوها فإنها تقوم بصبغ الشعر قبل غزلة. وبعد عملية الغزل تقوم المرأة بالبدء في السدو حيث بإمكانها أن تقوم بصناعة بيت الشعر والساحة (وهي عبارة عن فراش يستخدم للجلوس علية )،كذلك بإمكانها أن تسدو المزودة (وهي عبارة عن سدو قطعة مستطيلة تثنى ثم تخاط جوانبها بواسطة الخيط والمخيط مع إبقاء جهة واحدة مفتوحة وهي فتحة المزودة الشبيهة بالحقيبة ويضاف إليها عروتان من خيوط الشعر ليمكن حملها، وتستخدمها النساء لحفظ ملابسهن وما يحتاجن إلية ). إضافة إلى سدو الخرج وهو مثل المزودة إلا أنه خاص بالرجل لحفظ ما يحتاجه و هو ملازم للرجل يضعة على راحلته. إلى جانب ذلك فإن هناك ما يسمى (سدو المرجامة) وهو عبارة عن قطعة صغيرة شبة مستديرة ويربط بها خيطان ويعقد ويستخدم في الصيد بعد أن يضعوا فيها حجر ويرمى.

ولقد تعارف لدى البدو بأن كبر حجم بيت الشعر دليل على علو مكانة وشأن مالكة والمركز الاجتماعي الاقتصادي الذي يشغله في القبيلة.

وتتعدد أنواع البيوت لدى القبيلة تبعاً لمكانة أصحابها وهي كالأتي:-

1.القبطة:وهي أصغر أنواع البيوت ويندر أستعمالة لدى القبيلة وذلك لاحتقارهم لمن يستعملة.

2.المقُورن:وهو صغير الحجم يستخدم لتظليل الأغنام من حرارة الشمس ووقايتها من الأمطار.

3.المثُولث:ويقصد به بيت الشعر الذي يقوم على ثلاثة أعمدة وهو شائع الاستعمال لدى القبيلة لخفته وسهولة نقلة ولتوسط مساحتة وحجمه.

4.المروبع:ويقصد به بيت الشعر الذي يقوم على أربعة أعمدة وهو شبيه بالنوع السابق لكنة أكبر منة مساحة.

5.المخومس والمسودس والمسوبع …الخ:ويقصد به كل بيت من الشعر القائم على خمسة أو ستة أو سبعة من الأعمدة وهذا النوع مخصص لكبار رجالات القبيلة .

إلا أن بيوت الشعر تتماثل في التقسيم فربعة بيت الشعر الشرقية مخصصة للرجال حيث يرتبط هذا التقسيم بالقيم الثقافية والاجتماعية وتحتوي ربعة الرجال على مكان لشب النار والحطب أو الجلة وعلى الخرج أو السحارة التي بداخلها جميع الأدوات الخاصة بتحضير القهوة، وتوجد بالربعة قربة الماء وفراش لجلوس الضيوف، وقسم آخر هو ربعة النساء حيث توجد بها المزودة ومكان لطرح السدو (البدء بالسدو )، ويفصل ما بين ربعة الرجال وربعة النساء قاطع مطعم بالألوان الزاهية، وكذلك توجد ربعة ثالثة وهي غير مفصولة عن ربعة النساء حيث يوجد بها المطبخ وامامة الحطب.

2.الدباغة وصناعة الجلود:ولكي يحفظ أبناء القبيلة المواد الغذائية لأطول مدة، وبما أن غذاؤهم سريع التلف وخاصة اللبن لجأوا إلى صناعة (الصميل) أو (العكة)وهي عبارة عن وعاء مصنوع من الجلد، إضافة إلى استعمال القربة، حيث يستخدم الصميل لخظ اللبن واستخراج الزبدة وحفظ الحليب. فالصميل يعلق على مرجاحه تتكون من ثلاثة أعمدة من الخشب تجتمع من الأعلى وتتفرق من الأسفل.

كما استفادوا من الجلود المتوفرة لديهم في صناعة العديد من الأدوات التي ساعدت بشكل كبير على التكيف والتأقلم مع الظروف المحيطة بهم. فقد صنعوا الأحذية لوقايتهم من لهيب الصحراء، بإلاضافه إلى دبغ الجلود وتمليحها وبيعها بعد ذلك على الخرازين في القبيلة أو في القبائل المجاورة لهم أو القرى والمدن القريبة منهم. وبهذا نجد أن أبناء القبيلة يحرصون على الاستفادة التامة من منتجات الماشية وبأي شكل وأي طريقة.

3.عمل الآقط والكرثي:نظراً لصعوبة الحياة في المناطق الصحراوية وذلك لشح الموارد الغذائية، وكنوع من التكيف مع البيئة فقد استطاعت النساء في ظل هذه الظروف من تصنيع العديد من الأغذية وحفظها بشكل يضمن عدم تعرضها للتلف، ومن هذه الأغذية ما يعرف بالأقط أو كما يسمية البعض بـ(المضير)، ويتم عمل الأقط عندما يتوفر اللبن بكميات كبيرة وخاصة في فصل الربيع، وبعد ما يتم استخراج الزبدة منه، حيث يتم تجميع اللبن ووضعة في قدر (وعاء) وغلية لمدة لا تقل عن ساعتين حتى يتخثر اللبن، وبعد ذلك يترك حتى يبرد ثم يتم العمل على تشكيلة وتقريصة (نسبة إلى القرص أي الشكل الدائري) وذلك عن طريق وضع كمية مناسبة في راحة اليد والضغط عليها لتحويلها إلى الشكل الدائري ويوضح فيه شكل اليد التي عملت في تصنيعه ومن ثم يتم رصة في صحن كبير ووضعه في مكان معرض للهواء حتى يجف، ويخزن لحين الاستفادة منه في وقت الحاجة ويتم بيع الفائض منه في الأسواق القريبة من مضارب القبيلة أو إهداء جزء منه إلى بقية أفراد الأسرة.

وتتم عملية تصنيع الكرثي بتسخين اللبن بعد خضه على النار حتى يقارب على الغليان وبعد ذلك تطفئ النار ويترك حتى يبرد، وبعد أن يبرد يصفى من اللبن الزائد ويصبح جاهزاً للآكل حيث يأخذ شكل فتات لين وقريب من بعضه البعض ويوضع علية السمن البري ويؤكل بالتمر، وهو عالي في القيمة الغذائية ولذيذ الطعم. وقد لا يكون متعارفاً علية بشكل كبير في قبائل نجد.

4.السمن:يعتبر السمن من المواد الغذائية الهامة والضرورية عند أبناء القبيلة لما يحتويه من مواد وعناصر غذائية تمدهم بالكثير من الطاقة التي تساعدهم في القيام بنشاطهم اليومي والذي يتطلب الكثير من الطاقة، لذا حرص أبناء القبيلة على توفره لديهم طوال العام عن طريق تصنيعه عندما تتوفر كميات كبيرة من الزبد المستخرج من حليب الضأن والماعز وخاصة في فصل الربيع، وتتم هذه العملية بأن تقوم النساء بتجميع كميات كبيرة من الزبد وتجميعها في قدر ومن ثم وضعها على النار لتسخينها وبعد أن يتم تسيح وتسخين الزبد يتم وضع بعض البهارات والمنكهات التي تضفي على السمن طعم ورائحة زكية، كما يتم وضع القليل من الطحين حتى يتم عزل السمن واستخراجه بصورة نقية، ويسمى الناتج عن وضع الطحين بعد عزل السمن (الخلاصة) والذي يتم أكله بالتمر وهي لذيذة الطعم عالية الطاقة، ويتم تخزين السمن في الأواني المعدنية أوفي ما يسمى (العكة) وهي مصنوعة من جلد الحيوانات البرية كالأرانب أو من صغار الماعز لحين الحاجة إلية مما يحفظه لمدة طويلة بشكل جيد. كما يتم بيع الزائد عن حاجتهم والاستفادة من العائد المادي في شراء ما يحتاجونه من مؤنه، كالرز والطحين والتمر والقهوة والهيل والسكر…الخ.

ثانياً الـزراعـة.

نتيجة للظروف البيئية القاسية والصعبة التي وجد أبناء قبيلة بني هاجر أنفسهم فيها، وخاصة في فصل الصيف حيث تجف المراعي وتندر الأمطار وتنعدم فرص الحياة في الصحراء. ونتيجة لهذه الظروف الصعبة ولقرب المناطق الزراعية من ديار القبيلة فأنهم في فصل الصيف ينـزلون بالقرب من المناطق الزراعية حيث تتوفر المياه والأعلاف لحيواناتهم، والمواد الغذائية التي يحتاجون إليها كالتمور والحبوب بكافة أنواعها. فنجد أن الكثير من أبناء القبيلة فضلوا الإقامة في المناطق الزراعية وممارسة النشاط الزراعي فيها، وذلك نتيجة لاحتكاكهم بأهل هذه المناطق ومشاهدة رغد العيش الذي لم يألفوه، ففي بداية الأمر كانوا يعملون فيها في فصل الصيف وعندما يأتي الربيع فأنهم يشدون الرحال إلى المناطق الصحراوية حيث يكثر العشب والماء في هذا الفصل من السنة.

ولكن البعض استهوتهم حياة أهل المناطق الزراعية، وقرروا الاستقرار في بعض الهجر وحفروا الآبار الجوفية، وبدءوا بشكل بدائي في زراعة المحاصيل الموسمية التي يحتاجونها مثل القمح والشعير، وكذلك بداوء في زراعة أشجار النخيل والرمان والعنب، وعملوا على تطوير الأساليب الزراعية والري بإستخدام المواطير البدائية لسحب المياه من الآبار مما زاد من إنتاجيتهم ووسع الرقعة الزراعية، وأنعكس هذا الأمر على المستوى الاقتصادي لديهم، حيث أصبحت الحياة اكثر رخاء وأيسر عما كانت علية سابقاً. وهذا أدى بإستقرار الكثير من أبناء القبيلة من أهل البادية حول هذه المزارع مما أدى إلى تأسيس بعض الهجر ومناطق جديدة لاستقرار القبيلة.

وعندما بداءت الدولة الاستفادة من عوائد النفط الضخمة، اتجهت لدعم المزارعين ومحاولة العمل على تطوير الأساليب الزراعية المعمول بها وذلك بإدخال الأساليب الحديثة والإعتماد على الميكنة الزراعية وتطوير الأساليب القديمة في مكافحة الأفأت والحشرات الزراعية. كما عملت الدولة على دعم المزارعين عن طريق توفير القروض الزراعية الميسرة.

وكان للرغبة في تطوير أساليب الزراعة والرقي بها دوراً كبيراً في استقدام العمالة الأجنبية للعمل في المجال الزراعي وذلك نتيجة لتدني الخبرة للتعامل بشكل جيد مع التقنيات الحديثة في المجال الزراعي لدى أبناء القبيلة  ناتج عن عدم تعلمهم وإطلاعهم على الجديد والمتطور في هذا المجال، كما أن استقدام العمالة الأجنبية اصبح ضروري نتيجة التوسع الهائل في الأعمال الزراعية من جانب، ومن جانب أخر النقص الكبير في المزارعين من أبناء الوطن لإنخراطهم في وظائف وانشطة اقتصادية ذات عائد مجزي ولا تحتاج إلى جهد وصبر كما هو الحال في الزراعة.

وهذا الأمر أدى بدورة إلى أن أصبح ملاك المزارع مشرفين ومراقبين على العمالة الأجنبية ولا يشاركون بالعمل الفعلي في الزراعة، وأدى بالتالي إلى التغير في المهنة وذلك بالتحول من مزارعين إلى مستثمرين في المجال الزراعي.

ثالثاً:التـجـارة.

لم يمارس أبناء القبيلة التجارة بالمعنى المتعارف علية والمفهوم الواسع له، وأقتصر الأمر لديهم في البداية على مقايضة الفائض لديهم مع التجار في مقابل الحصول على ما يحتاجونه من المواد الغذائية كالتمور والأرز والقمح والشعير والهيل والقهوة والسكر وذلك لسد احتياجاتهم اليومية.

وقد بداء بعض أبناء القبيلة في بيع جزء من مواشيهم بعد فصل الربيع والاستفادة من الأموال لتدبير نفقاتهم أثناء الجفاف والقحط في ظل البيئة الصحراوية الصعبة والقاحلة.

كما مارس البعض منهم بيع الحطب إلى سكان القرى والمدن القريبة منهم. ولم يعرف أبناء القبيلة كما ذكر في البداية ممارسة التجارة والنشاط التجاري بشكل قوي وواسع، إلا بعد قيام الدولة السعودية كما أن لإكتشاف البترول الدور الكبير والحيوي في ازدهار التجارة وانخراط الكثير في ممارسة العمل التجاري، حيث بداءت الدولة في تنفيذ العديد من المشاريع العملاقة بهدف النهوض بالمجتمع، ومن هنا بداء الاحتياج لتوفير كل ما يلزم لتحقيق الأهداف المرسومة والعمل على تنفيذ المشاريع التي تودي إلى رفاهية المواطنين والعمل على ذلك بكل الطرق الممكنة.

مما أدى بالتالي إلى سنوح الكثير من الفرص التجارية والعمل التجاري بشكل منظم وقانوني يحفظ حق التاجر والمستهلك، وقد تشجع الكثير من أبناء القبيلة للانخراط في العمل التجاري والاستفادة من التسهيلات الممنوحة من قبل الدولة. وقد باع البعض منهم ما يمتلكه من مواشي وفضلوا الاستقرار في المراكز الحضرية، وبداؤ في فتح المحلات التجارية العمل في مجال الإستيراد من الخارج، فنشئت فئة تجارية من أبناء القبيلة، تلقت كغيرها كل الدعم والمساعدة من قبل الدولة، فازدهرت تجارتهم وساهموا في بناء البنية الأساسية لهذا الوطن الكريم.

وكان النشاط التجاري لـ أبناء القبيلة في بادي الأمر فردي، ولكن نتيجة للتحديات الكبيرة التي يواجهها التجار الذين يعملون بشكل انفرادي، أصبح هناك اتجاه نحو تكوين المؤسسات الكبيرة والشركات العملاقة،لأن هذه الكيانات الكبيرة والعملاقة هي سمة العصر، ولأن مثل هذه الكيانات أيضاً لديها القدرة الإدارية القوية والخبرات الجيدة التي تساعدها على الصمود والإستمرار بقوة ومواجهة كل المخاطر التي من الممكن أن تعترضها بكل تحدي وتستطيع أن تتجاوز أي مخاطر قد تعرقل سيرها نتيجة لما تملكة من طاقم إداري عالي الكفأة وقدرة مالية كبيرة. وذلك تحت أشراف مباشر من وزارة التجارة التي سنت القوانين ونضمت كل الأمور التي تتعلق بالتجارة بالتنسيق مع الغرف التجارية.

ومما سبق عرضة يتضح لنا مدى بساطة النشاط الاقتصادي الذي ظل ممارسا بشكل دائم بالنسبة لابناء القبيلة من الجنسين، فقد كان للمرأة دوراً هاماً وحيوياً في النشاط الاقتصادي، بالرغم من تهميشها في الحياة الاجتماعية وعدم إعطائها أي قدر، وكذلك دور الأبناء ومدى مساهمتهم مع رب الأسرة في التغلب على الظروف البيئية الصعبة وتكيفهم معها بشكل يسمح لهم بالسيطرة نوعاً ما وعلى تجاوز الصعوبات التي يواجهونها.

ومن المهن التي مارسها أبناء القبيلة وكانت بعيدة عن حياتهم نهائياً هو العمل في السفن التي كانت تبحث عن اللؤلؤ في الخليج. فالبعض منهم أمتهن مهنة الغوص وتميز فيها، وكذلك عملوا على ظهور السفن في الأعمال التي تستدعي القوة العضلية.

ونتيجة للإحتكاك بأهل السواحل والسفن، فقد أمتلك أحد أبناء القبيلة ويدعى (ابن طرباق) مجموعة من السفن وكان هو (النوخذه) وعمل على ظهرها الكثير من أبناء القبيلة إلى جانب أبناء السواحل.

وهذا يدلنا على ما كان يعاني منة أبناء القبيلة من شظف العيش وقلة الموارد المالية عند البعض منهم مما استدعاهم للعمل في أي مجال يدر عليهم ربحاً، بشرط ألا يخل بمكانتهم الاجتماعية بين جماعتهم في القبيلة ولا يعيبهم.

ولكن الحال لم يدم على هذه الوتيرة بعد تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط، هذا الذهب الأسود الذي غير معالم الجزيرة وأوجد فرصاً للعمل والكسب وأوجد مهناً جديدة لم تكن مألوفة لدى أبناء الجزيرة العربية، مما يعني أن البناء الاقتصادي أصيب بتغيرات فجائية كبيرة. وقد استفاد أبناء هذه القبيلة من الفرص الوظيفية المتاحة أمامهم بشكل جيد.

فنجد أن أبناء القبيلة سواء من كان منهم في البادية أو مستقر في الهجر تسابقوا للعمل في الشركات المنتجة للبترول وبحكم مكان التركز السكاني للقبيلة في المنطقة الشرقية، وكان أبناء القبيلة في اغتنامهم لفرص العمل الكثيرة والمتاحة يميلون بطبعهم إلى الأعمال التي ترتبط بالقيم التي أثرت في تكوينهم، بمعنى أخر فإنهم كانوا يفضلون أعمالاً معينة على غيرها من الأعمال الأخرى، وهم في معظم الأحوال لا يفاضلون بين عمل وأخر نتيجة للمردود المادي الذي يعود عليهم من امتهانهم هذا العمل أو ذاك، وإنما يكون أساس المفاضلة لديهم هو تصورهم للعمل وارتباط ذلك العمل بالقيم المرجعية لديهم، أي تلك القيم القديمة التي أثرت في شخصياتهم ويرجعون إليها كل تفسير للسلوك في مختلف المواقف التي يتعاملون فيها. لذلك نجد أن كثير من أبناء القبيلة في بداية التحاقهم بالأعمال خارج نطاق القبيلة، أصبحوا سائقين للسيارات وهم يفضلون هذه المهنة على مهن كثيرة غيرها، كما أن الكثير من أبناء القبيلة تعلم وتدرب على قيادة بعض المعدات الثقيلة الأخرى التي تستخدم في التنقيب عن البترول.

وإن لم يجدوا أولم تتاح الفرصة لهم للعمل كسائقين فإنهم يتجهون إلى أعمال الحراسة، ويكونون في غاية السعادة وهم يحملون الأسلحة والأجهزة التي في العادة تصرف لرجال الحراسات حتى يتمكنون من أداء أعمالهم بشكل جيد. ذلك لأن أعمال الحراسة هي استمرار لوظيفة رجل القبيلة القادر على صد غارات الأعداء والمدافع عن كل ما يمس شرفه ويهدد كرامته أو كرامة أو شرف قبيلته.

وبعد قيادة السيارات واعمال الحراسة يتجه أبناء القبيلة إلى الوظائف التي وفرتها الدولة من خلال العمل الجاد الذي اتخذته لتطوير الهجر والقرى التي تقطنها القبيلة، عندما بداءت في إنشاء المدارس والمساجد والمستوصفات وهذا الأمر أدى إلى توفر بعض الفرص الوظيفية البسيطة أمام الرجال وخاصة الكبار في السن، للعمل في حراسة المدارس وتعين البعض منهم كمؤذن أو إمام مسجد.

وقد أصبح العمل في الشركات البترولية من أهم أولويات وتطلعات شباب ورجال القبيلة، وذلك لأسباب كثيرة وخاصة المميزات المغرية التي تقدم لهم سواء فيما يتعلق بالعوائد المادية المجزية أو الرعاية الصحية التي تقدم لهم ولإفراد أسرهم وتوفير السكن الجيد من خلال برنامج تملك المنازل الذي اعتمدته هذه الشركات لجذب الشباب للالتحاق بها، وكذلك تمكينهم من التدريب وإتاحة الفرص أمامهم للتعلم وتشجيعهم على ذلك من خلال صرف المكأفات المجزية والزيادات الكبيرة في الرواتب لكل من يجتاز الدورات التدريبية التي تعقدها هذه الشركات لمنسوبيها بهدف الرفع من مستواهم التعليمي والتدريبي لتحقيق أهدافها العليا المتمثلة في زيادة الإنتاج وامتلاك فريق عمل على مستوى عالي ورفيع من الخبرة والكفأة.

وقد إبتعثت الدولة والعديد من الشركات الكبرى الكثير من أبناء القبيلة للدراسة في الخارج، وهذا ساعدهم على الإحتكاك بثقافات جديدة ومغايرة للثقافة التي عرفوها، مما أوجد في القبيلة جيلاً متعلماً ومثقفاً وعلى دراية بشكل جيد بأمور الحياة وبالتالي هذا الجيل أصبح يمارس تأثيرأً كبيراً على الأفراد المحيطين بهم من خلال ما أحضروه معهم من المنتجات الحديثة التي شاهدوها في الخارج كالأجهزة الحديثة والغريبة على المجتمع في ذلك الوقت، مثل المذياع والتلفاز والتلفون وغير ذلك من الأجهزة، وقد اتهُم البعض منهم بأنهم يمارسون السحر والشعوذة في بداية الأمر وذلك لعدم تصديق أبناء القبيلة بأن هذه الأصوات والصور المشاهدة هي من اختراع وتطوير الإنسان مما أوجد لديهم حالة من عدم التصديق واللبس حيال التقنيات الحديثة والغريبة في نفس الوقت عن مجتمعهم.

وقد كان من ضمن التغير في العناصر الثقافية أيضاً والتي أدت إلى تحول كبير في جانب كان على قدر كبير من الأهمية والإعتزاز لدى أبناء القبيلة، هو التغير الذي صاحب النمط التقليدي للباس أثناء العمل، حيث كان من ضمن الشروط التي فرضتها الشركات المنتجة للبترول شرط وهو/ يجب أن يرتدي كل من يعمل لديها اللبس الإفرنجي المكون من البنطلون والقميص بالإضافة إلى خوذة السلامة، مما أوجد حيرة لدى كل من يرغب العمل لدى هذه الشركات حيث الراتب والمميزات المغرية من جانب والرغبة في التمسك بالزي التقليدي من جانب أخر، ولكن في النهاية فظلوا العمل باللباس الإفرنجي أثناء أوقات العمل الرسمية فقط وبعد الانتهاء من العمل كانوا يسارعون إلى تغيره بالزي التقليدي المتعارف علية في الجزيرة العربية والمكون من الثوب والطاقية والشماغ والعقال وكانوا يحملونه معهم في كيس عند ذهابهم لموقع العمل.

كما حرص الكثير من الشباب على الإستفادة من فرص التعليم الذي وفرته الدولة من خلال إنشاء العديد من المدارس والمعاهد في القرى والهجر التابعة للقبيلة، وهذا أدى بدورة إلى التحاقهم بوظائف في الدولة وخاصة بعد حصولهم على مؤهل عالي لان الدولة فرضت شرطاً على كل من يحصل على مؤهل أن يعمل لديها لفترة من الزمن أو أن يدفع المبالغ التي صرفت على تعليمه وذلك عند رغبته العمل في القطاع الخاص، وكانوا يفظلون العمل في المجال العسكري بشكل كبير لما يمثله هذا القطاع من أهمية وما يحظى العاملون به من مكانه اجتماعية مرموقة، بالإضافة إلى الأعمال المكتبية.

وقد ترتب على التغير في النشاط الاقتصادي والمهن التي يمارسونها الأفراد عما كان علية سابقاً تغيرات كثيرة، ومنها الحراك الاجتماعي ومركز الرجل والمرأة. وكذلك الإحتكاك بالثقافات الأخرى مما ساعد على توسع مداركهم.

فنجد أن هناك الكثير من الأفراد كانوا في السابق في مركز اجتماعي واقتصادي أدنى ولكن بعد العمل كموظفين في شركات البترول وموظفين في الدولة وممارستهم للأنشطة التجارية ذات العوائد الضخمة، أصبحوا في أوضاع اجتماعية ومراكز أعلى واصبحوا الناس ينظرون إلى الثروة التي يملكها الشخص كمعيار أو كمقياس للمكانة التي يشغلها في المجتمع.

وكذلك المرأة أصبح لها دور في النهوض بالمجتمع من خلال مشاركتها الفعالة في العمل في الوظائف النسائية المتوفرة بكل إخلاص وتفاني وقد أثبتت قدرتها في العمل.

وكانت الحياة الاقتصادية في القبيلة في فترة ما قبل اكتشاف البترول تقوم على العمل الجماعي في مهنة الأباء والأجداد (الرعي وتربية الماشية والزراعة والتجارة) وتنعدم داخل الأسرة الواحدة الملكية الفردية للأشياء والمساكن، وتحل محلها الملكية الجماعية، كما كانت الأسرة تقوم بالعمليات التي تشبع حاجات أفرادها من الناحية الاقتصادية، كعمليات الإنتاج والتوزيع والإستهلاك، وبعد اكتشاف البترول تعرضت الوظيفة الاقتصادية للأسرة إلى التغير والتحول، وحل محلها نظام اقتصادي جديد تشرف علية وتوجهة الدولة، والتي تتيح الفرص أمام أفراد القبيلة للإلتحاق بالوظائف التي توفرها للعمل والكسب المادي، وهذا بالتالي أدى إلى أن يمارس إفراد الأسرة أعمالا مختلفة عما كانوا يمارسونه سابقاً، حيث كانوا في السابق يمارسون ويعملون في نفس المهنة غالباً.

فمهنة الرعي أصبح لا يمارسها أبناء القبيلة نتيجة لتحسن أوضاعهم المادية والتحاقهم بالوظائف الحكومية وكذلك القطاع الخاص بالإضافة إلى ممارستهم لأنشطة تجارية جديدة. فقد اسُتقدمت العمالة الأجنبية لتحل محلهم في ممارسة الرعي، وبهذا نجد تغيراً كبيراً وحاسماً في أهم مهنة كانت في السابق تحافظ عليها القبيلة وتعتمد عليها بشكل كبير، لأن حياتها مرتبطة بالماشية وما كانت تنتجه.

ثالثاً:النسق القرابي.

يرى (راد كليف براون) بأن توزع الناس إلى جماعات قرابية (العائلات بأشكالها المختلفة) يعتبر عاملاً من عوامل البناء الاجتماعي، وهو يرى على هذا الأساس أن القرابة نوع من الترتيب، هذا الترتيب يمُكن أعضاء المجتمع من العيش معاً بحيث تتضح صورة التعاون فيما بينهم على مستوى الأفراد والجماعات فيعاون كل منهم الآخر في نطاق حياة اجتماعية منظمة.(الغامدي،1410 :131).

ويستخدم بعض العلماء لفظ القرابة كمرادف لاصطلاح (رابطة الدم) غير أنة في الوقت الحاضر لا يميل الكثيرون لاستخدام عبارة (رابطة الدم) نظراً لما تشير إلية من دلالات بيولوجية قد تكون مبعثاً للإلتباس في مجال الدراسات الاجتماعية.

ويمكن تعريف القرابة بأنها، العلاقات المباشرة التي تنشاء بين شخصين نتيجة لإنحدار إحداهما من صلب الآخر، كما ينحدر الحفيد مثلاً من الجد عن طريق الأب، أو نتيجة لإنحدارهمُا الاثنين من سلف واحد مشترك، كالعلاقة بين أبناء العمومة التي تُرد إلى الجد عن طريق الأعمام.(قطان،1979 :62).

ويلعب النسق القرابي بمعناه الواسع دوراً هاماً في حياة قبيلة بني هاجر، ذلك لأن النسق القرابي في القبيلة واسع ومتشعب وتتداخل فيه روابط الدم وروابط القرابة، حيث تبداء من الأسرة الصغيرة وانتهاءاً بالبدنة الكبيرة والتي تشكل مع غيرها من البدنات القبيلة.

وتعتبر الأسرة نواة النظام القرابي كله، وأن كانت روابط القرابة تمتد في المجتمعات القبلية إلى ما وراء حدود الأسرة بكثير، وتؤلف بناءاً واحد متمايزاً قد يصل إلى درجة كبيرة من التعقيد والتشعب بحيث يشمل المجتمع وأحياناً يشمل المجتمع كله.

والنسق القرابي في قبيلة بني هاجر يقوم على قواعد حددها الدين والعرف، من أهمها أن يكون النسب فيه للأب، مع الاعتراف بالقرابة من ناحية الأم.

ومن هنا يمكن أن نميز بين نوعين من الأقارب هما:-

1.الأقارب العاصبون، وهم الذين يؤلفون العصبة ويرتبطون ببعضهم البعض بروابط قرابية عن طريق الذكور.

2.الأقارب ذوي الأرحام، أي الإشارة إلى الأقارب الذين ينتمون إلى مجتمع أبوي، ويكون نظام الانتساب فيه عن طريق الذكور، ولكنهم يرتبطون فيما بينهم بروابط قرابة عن طريق النساء.(قطان،1979 :63-64). وعند الرغبة في تعين نسب فرد من أفراد القبيلة فإنه لابد من أن نرجع نسبه إلى جد أعلى قد يعود إلى أجيال موغلة في القدم، وكلما كان هذا الجد موغلاً في القدم كلما اتسعت دائرة الأقارب.

وهذا يعني أنه بالنسبة لقبيلة بني هاجر أن النسق القرابي فيها هو نظام معقد يتكون من شبكة من العلاقات التي يرتبط فيها الأفراد بعضهم ببعض والتي تظهر لنا بالتالي على شكل الجماعات القرابية التي تتخذ الأشكال التالية: الأسرة، العائلة الممتدة، الفخذ، البطن، العشيرة، القبيلة.

في حين تعتبر الأسرة في قبيلة بني هاجر أبسط صور القرابة وعلى أساسها تقوم أشكال وصور العائلات الأخرى الأكثر تعقيداً وتركيباً، والشكل السائد في قبيلة بني هاجر كما هو الحال في معظم القبائل العربية للعائلة أو الأسرة:-

أ.الأسرة المركبة:وتتكون الأسرة المركبة من عدداً من الأسر البسيطة التي ترتبط معاً لتؤلف وحدة قرابية نتيجة لوجود عضو مشترك يربط بينها كلها وهو الزوج، وتتميز هذه الأسرة بوجود نوعين من الأخوة الأشقاء الذين يشتركون في نفس الأب والأم والأخوة غير الأشقاء الذين ينحدرون من نفس الأب ولكن من أمهات مختلفات.(قطان،1979 :64).

ب.العائلة الممتدة:وهي توجد عندما يبقى الأبن في أسرة أبية بعد زواجه وإنجابه أطفالاً. وهنا نجد الأبن ينتمي لأسرتين مختلفتين يلعب في كل منهما دوراً مختلفاً، فهو أبن في أسرة أبية، وزوج وأب في الأسرة التي كونها بزواجه.

ج.الفخذ:يتكون الفخذ من إتحاد مجموعة من الأسر ذات المصالح والأهداف المشتركة، وتسكن في منطقة واحدة وتجمعها وحدة نسب لا تتجاوز عادة الجد الخامس، وأبناء الفخذ الواحد يرتبطون برباط من الحقوق والواجبات التي لكل منهم وعلية من قبل الآخرين، فكل فرد من أفراد الفخذ علية أن يؤدي الدية مثلاً متظامناً في ذلك مع بقية أعضاء الفخذ، وكل فرد مسئول عن أن يهب لنجدة بني فخذه في حالة تعرضة للخطر.

وأمير الفخذ هو الذي يُسير مختلف الأمور الاقتصادية والدنيوية كما أنه يمثل الفخذ أمام الآخرين وأمام شيخ القبيلة وله الولاء والطاعة والإلتزام من جميع أعضاء الفخذ، وكثيراً ما يكون الإنتماء لفخذ معين عاملا للتفاخر في المجتمع القبلي ولذلك يحرص أبناء القبيلة على حفظ أنسابهم ويعرفون دقائقه وتفاصيله.

د.البطن:والبطن اكبر من الفخذ وهو أحد الوحدات الرئيسية التي تتكون منها القبيلة، ويؤدي البطن نفس وظائف الفخذ تقريباً مع شي من العمومية والاتساع، وليس هناك خلاف كبير بين الفخذ والبطن إلا من حيث كبر حجم البطن وزيادة واتساع مسئولياته، وله أي البطن ملكية مختلف مصادر الثروة كالآبار والعيون والمضارب والمراعي والماشية، مع بروز خاصية التنظيم والإدارة لهذه الممتلكات.

هـ.العشيرة:تتكون العشيرة من اتحاد عدد من الأسر أو الأفخاذ أو البطون التي تشترك جميعها في نسب واحد وبدرجة تمكنهم من الرجوع بأصولهم إلى جد واحد مشترك، وتوجد بينهم مجموعة من الحقوق والواجبات، فضلاً عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية التي توحد بينهم وتجعلهم يقطنون منطقة واحدة لتأمين أنفسهم ضد أي اعتداء خارجي، وتنظم العشيرة مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.

وكان الزواج المرغوب فيه في القبيلة خلال الفترة السابقة هو الزواج من بنات العم، مالم يكن هنالك مانعاً شرعياً يحول دون إتمامه، ذلك لان أبناء القبيلة يشعرون بالانتماء الشديد إلى قبيلتهم وأنهم أولى بالزواج من بناتها من الأغراب، ومن هنا كان أبناء القبيلة يحرصون على الزواج من بنات العم بصفة خاصة. ثم يأتي بعد ذلك زواج أولاد الأخوال والعمات، ثم الزواج من الأسر داخل القبيلة. وكانت القبيلة تتشدد في الخروج بالزواج من نطاقها وذلك بالنسبة للجنسين، حيث يتم وضع الكثير من العقبات للحيلولة من أن يتم التوسع في الزواج لأسباب كانوا يرون أنها ضرورية وملحة لحماية القبيلة. ومن هذه الأسباب، هو العمل على تدعيم التماسك والوحدة بين أبناء القبيلة، والمحافظة على قوة النشاط الاقتصادي والمحافظة ايضاً على نقاء النسب فيها والذي كان يمثل هاجساً كبيراً لأبنائها، وعدم تعريض أبناء القبيلة لاستخدام الزواج الخارجي كوسيلة للضغط والإبتزاز في حالة نشوب أي حروب مع القبائل الأخرى مما قد يضعف موقفها أثناء الحرب نتيجة خوفها على أبنائها.

وكان أبناء القبيلة عندما يتقدم إليهم أي شخص للزواج من إحدى بناتهم، كانوا ينظرون إلى مكانته ومكانة والدة وإلى شجاعته وكرمة ونبل أخلاقه، وعلى هذا الأساس كان يتم القبول أو الرفض، وكانوا لا يشاورون البنت في الموافقة على الزوج المتقدم لخطبتها، بل يفرض عليها فرضاً وليس لها الحق في الإعتراض. أما في الوقت الحاضر فإن هناك إختلافاً جوهرياً في هذا الأمر، حيث إن من يتقدم إلى الزواج لا يُعطى كلمة بالموافقة دون أخذ رائي البنت ومشاورتها، على أن يتم قبل ذلك السؤال عن هذا الشخص والإطمئنان من أنه رجلاً صالحاً للزواج من أبنتهم، حيث أصبح التمسك بالدين والتعليم والشهادات في الوقت الحاضر من المعايير والمقاييس التي يتم على أساسها قبول الشخص أو رفضه بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية والوظيفية التي يحتلها، وهذا يعني أن هناك حرصاً وتشدداً كبيراً في عملية الزواج، وقد انعكس هذا الأمر في الإرتفاع الكبير والمبالغة فيه إلى حد كبير في المهور التي أصبحت تمثل عائقاً أمام الشباب الراغبين في الزواج، بالإضافة إلى فرض الشروط الكثيرة والتعجيزيه في نفس الوقت. ونتيجة لما لاحظة شيوخ وأعيان القبيلة من أن الكثير من الشباب أصبحوا غير قادرين على الإيفاء بالمتطلبات المفروضة لإتمام عملية الزواج، وكذلك ملاحظتهم تأخر سن الزواج بين الجنسين وإتجاة البعض منهم إلى الزواج من خارج بنات القبيلة والإتجاة ايضاً إلى الزواج من الدول العربية المجاورة. ومن هذا المنطلق فقد قرروا وأتفقوا على تحديد المهور في القبيلة، وأصبح هذا الاتفاق نافذاً، ومن يخالفه يتعرض للعديد من العقوبات المحددة والمتفق عليها والمعروفة بين أبناء القبيلة، مثل أن لايشاركونة في الاحتفال بالزواج، بالإضافة إلى عدم تقديمهم (العانيات) وهي الهدايا سواء كانت عينية مثل تقديم بعض الخراف أو بعض الإبل كهدايا أو تقديم مساعدة مالية. ونتيجة للشدة والحرص على وضع هذا الإتفاق موضع التنفيذ فقد التزم به الكثير من أبناء القبيلة تجنباً لفرض العقوبات المذكور بعضها سابقاً، وقد أدى هذا الإتفاق إلى تيسير أمر الزواج بين أبناء القبيلة. وقد سلكت العديد من القبائل المجاورة لقبيلة بني هاجر هذا الإتجاة وحددت المهور بين أبنائها تيسيراً للزواج وترغيباً وحثاً علية. وقد يسر هذا الأمر على الشباب وخفف عن كاهلهم الكثير من الصعوبات التي كانت تواجههم عند الأقدام على الزواج، لان هناك العديد من المتطلبات التي لابد أن يوفرها المقبل على الزواج، مثل السكن المستقل، والتأثيث الفاخر، وتكاليف قصر الأفراح ووليمة الزواج وغير ذلك من المتطلبات الضرورية.

ولكن في الوقت الحاضر نجد إن هناك تغيراً كبيراً قد حدث لفكرة الزواج من الأقارب، خاصة بعد انتشار الوعي والثقافة بين أبناء القبيلة وما تقدمة العلوم الطبية الحديثة من نصائح للخروج بالزواج من النطاق الظيق والمحصور على الأقارب إلى تفضيل الزواج من خارج النطاق القرابي نتيجة لما تم إثباته في الكثير من البحوث العلمية من أن الزواج من دائرة الأقارب يؤدي إلى إنتشار العديد من الأمراض الوراثية التي من الممكن إن تنتقل إلى الأجيال الجديدة مما قد يفرز للمجتمع جيلاً مريضاً وضعيفاً، وقد يعيق البرامج الطموحة الموضوعة من قبل الدولة للإعتماد على أبنائها لسد كافة احتياجاتها من الطاقات البشرية من ناحية، ومن ناحية أخري تحسين النسل بالإبتعاد قدر الإمكان عن الزواج الداخلي.

ومن ناحية أخرى هو أن التعرف على أسر جديدة من خارج نطاق القبيلة أو القرابة أصبح سهلاً، سواء عن طريق التجاور في السكن أو التعرف عليهم في مكان العمل أو غير ذلك، مما جعل الإتجاه إلى الزواج من خارج نطاق القبيلة متاحاً وميسراً مما شجع الكثير من الشباب والشابات للإقدام علية.

وكان في السابق هناك عادة منتشرة بين أبناء القبيلة وهي ما تعرف (بالحجري) وصفتها إن أبن العم يحق له أن يوقف زواج ابنة عمة أو إحدى قريباته من أي شخص بدون أن يبدي الأسباب وله كامل الحرية في هذا الأمر، مما سبب الكثير من المشاكل وأشاع العنوسة بشكل يكاد يكون ملموساً عند الكثير من نساء القبيلة، ولكن ولله الحمد أصبحت هذه العادة في حكم الماضي الذي لن يعود أبدا، وذلك نتيجة لإنتشار الوعي الديني الذي يحرم هذه العادة ويرفضها رفضاً قاطعاً، كما أن الكثير من أبناء القبيلة تعلموا واصبحوا واعين لخطورة هذه العادة البعيدة كل البعد عن الأخلاقيات والصفات الحميدة التي يحث عليها الدين الإسلامي.

وكان نظام تعدد الزوجات موجوداً في قبيلة بني هاجر بشكل كبير، حيث نجد الرجل في الغالب متزوج من أكثر من واحدة وينجب من كل زوجة عدداً من الأبناء قد يصل لدى الكثير من الرجال إلى أكثر من عشرة أبناء بين ذكور وإناث، ويكون السكن في غالب الأمر مشترك.

ولكن هذا النظام طراء علية الكثير من التغيرات نتيجة لعدة عوامل، حيث أصبح الرجال يفضلون الزواج من واحدة نتيجة للتبعات المالية التي يتحملونها في الوقت الحاضر، نتيجة لإرتفاع التكاليف المعيشية وتفضيلهم تعليم وتربية أبنائهم بشكل جيد، حيث كان في السابق الرجل يفتخر ويعتز بكثرة الأبناء لأنهم يجعلون له هيبة وعزوة ويضفون علية مكانة بين أفراد القبيلة، كما كان يعتمد عليهم في إنجاز الكثير من الأعمال التي يقومون بها نيابة عنه، خاصة في الرعي وتربية الماشية.

وقبل اكتشاف البترول كانت السيادة المطلقة في داخل الأسرة هي للأب وكانوا أفراد الأسرة لا يمنحون الحرية في التصرف أو في الإختيار، وبعد اكتشاف البترول والإستفادة من الفرص الوظيفية المتاحة بداءت تبرز في الأسرة الروح الفردية نتيجة لإستقلال الأبناء اقتصادياً من جهة، ومن جهة أخرى البعد في السكن عن سكن الأسرة الكبير، حيث استقل الأبناء عن الأباء في وحدات سكنية حديثة نتيجة الإستفادة من القروض العقارية التي تمنحها الدولة للمواطنين.

إما بالنسبة لطريقة التعامل التي كان الأباء يتعاملون بها مع أبنائهم في القبيلة، كان هنالك ميل كبير نحو الأبناء الذكور أكثر من الإناث حيث ينظرون إلى الذكور بكل الفخر والإعتزاز، بينما كانوا ينظرون إلى الإناث نظرة أحتقار وازدراء، وربما تعود هذه التفرقة إلى العادات والتقاليد المتوارثة التي تعتمد في الأساس على أمور غير واقعية مثل أن الإناث يجلبون الخزي والعار إلى غير ذلك من الأمور التي لم ينـزل الله بها من سلطان. هذا بالإضافة إلى أن التعامل مع الأبناء بشكل عام يتصف بالقسوة والتسلط وكانت الأوامر لابد أن تنفذ من غير مناقشة، إي إن العلاقة كان يسودها جو من السلطة والرهبة.

أما في الوقت الحالي نجد أن الكثير من المغالطات التي ذكرت سابقاً قد زالت تقريباً، وأصبح الأباء لا يفرقون بين الأبناء من ناحية الجنس بل كلهم سواسية، وهذا ربما يعود إلى إنتشار الوعي والعلم والثقافة بين أبناء القبيلة نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلت من أصحاب العلم والمشايخ لتوعية الناس بالبعد عن هذه التصورات الزائفة. ونجد إن هناك ايضاً تحولاً كبيراً في طريقة التعامل مع الأبناء، حيث أصبحت المعاملة تتم في جو من التفاهم والتشجيع والإرشاد والشورى، وأصبح الأبناء يشعرون بأهميتهم ودورهم داخل أسرهم وذلك من خلال إشراكهم في النقاش وأخذ رأيهم في كل الأمور التي تخص الأسرة وتخصهم، حيث أصبحت عملية التشاور سمة مميزة حالياً داخل الأسر،  ويحرص الأباء على إرضائهم بكل الوسائل والطرق التي تحقق للأبناء التوازن النفسي والتوافق الاجتماعي.

أما بالنسبة لوضع المرأة، فكانت المرأة سابقاً لا يعتد بها ولا ينظُر لها في القبيلة بنظرة تنم عن الاحترام والتقدير بل حتى انه عندما يرد ذكر أي امرأة في مجالس الرجال يضطر المتحدث أن يقول ( فلانة أعزكم الله أو أكرمكم الله ) أي إنها محتقرة وليس لها مكانه تحظى بها، وكان يُلقى على عاتقها الكثير من المهام مثل إحضار الحطب وحلب الماشية وعمل اللبن والسمن إلى غير ذلك من الوظائف التي تؤديها نحو تربية الأبناء وإعداد الطعام والعناية بالأسرة بشكل عام.

ولكن الحال تبدل عندما بداءت الدولة تفتتح المدارس الخاصة بالبنات في كل منطقة وكل تجمع سكني، وتنشر الوعي والثقافة والتعليم بين أبناء القبائل وتحثهم على إتاحة الفرصة أمام بناتهم للإلتحاق في المدارس، حيث أصبح بإمكان بنات القبيلة الإلتحاق بالمدارس والتعلم فيها والحصول على شهادات مكنتهن من الالتحاق بالوظائف المتاحة للعمل فيها، ومن هنا حدث تغير كبير في النظرة إلى المرأة من جانب أبناء القبيلة، حيث أن رب الأسرة بداء يدرك أهمية عمل المرأة من خلال الإسهام في نفقات الأسرة والتعاون مع الزوج في مواجهة تكاليف الحياة العصرية. كما أن تعليم المرأة أسهم إسهاماً مباشراً في تنشئة الأبناء وتلقينهم مبادئ الحياة الحديثة حتى يستطيعون التكيف مع المستجدات الحديثة.

وكان من أبرز مظاهر الإستقلال الاقتصادي والهجرة من المناطق الأصلية لأبناء القبيلة للإستقرار بالقرب من مراكز الأعمال والوظائف التي يعملون بها هو الإستقلال في وحدات سكنية مستقلة تماماً عن الأسرة الكبيرة، حيث بداء أبناء القبيلة إلى تغير نمط إقامتهم بعد الزواج، وذلك بالانتقال من المسكن العائلي إلى مسكن جديد مستقل عن السكن الأسري. وكان اغلب أبناء القبيلة يميلون بعد الزواج إلى الإقامة في المسكن الأسري حتى تتحسن الظروف المادية وتسمح إمكاناتهم بالإستقلال في سكن خاص. وهذا الأمر أدى بالتالي إلى تغيرات واسعة وقوية وفي القضاء على شكل الأسرة الممتدة، التي تتكون من الآباء والأعمام، والأشقاء، وأولادهم المتزوجين، وتُكون نمط جديد للأسرة في الوقت الحاضر يطلق علية (الأسرة النواة) والتي تقتصر على إقامة الزوجين وأولادهما فقط في مسكن واحد.

النتـائـج.

1.كان من أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث تغيرات في البناء الاجتماعي في قبيلة بني هاجر هو تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف البترول، فقيام الدولة أدى إلى سحب الكثير من المهام والوظائف التي كانت توديها القبيلة قبل ذلك، مما أدى إلى عدم اعتماد أبنائها عليها بشكل كبير، حيث أصبحت الدولة مسئولة عن النشاط الاقتصادي وتنظيمه وتقديم الرعاية الصحية والتعليم وتوفير كافة المتطلبات الضرورية لكل مواطن لينعم بحياة هادئة مستقرة وسعيدة. كما كان لإنتشار التعليم دوراً أيضاً في أحداث الكثير من التغيرات سواء ماكان منها عن طريق الإحتكاك بثقافات جديدة أو تغير بعض العناصر الثقافية وإدخال عناصر جديدة أخرى، وما صاحب ذلك من حراك اجتماعي أعاد صياغة ترتيب أوضاع الأفراد في السلم الاجتماعي.

2.لم يعد منصب شيخ القبيلة يحضى بأهمية كبرى في الوقت الحالي، حيث أصبح منصباً شرفياً أكثر منه عملياً يتمتع بسلطة، ذلك لأن الكثير من الوظائف التي كانت مناطه بشيخ القبيلة، أصبحت تُؤدى من قبل أجهزة الدولة الحديثة من خلال موظفين على درجة عالية من الكفأة والتأهيل مدعومين بكل ما يعينهم على أداء مهامهم بصورة ممتازة، كالمحاكم الشرعية ومراكز الإمارات وأجهزة الضبط القوية كالشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3.كان من أهم الأسباب التي تدعو القبائل إلى الغزو سابقاً، وفرض الهيمنة والقوة على القبائل الأخرى ووضعها تحت السيطرة من قِبل القبيلة ذات القوة العددية والنفوذ هو الرغبة في أستغلالها اقتصادياً.

4.تغيرت الروابط الموجودة بين أبناء القبيلة عما كانت علية سابقاً، حيث حلت محل الروابط القبلية وروابط الدم التي تجمع أفراد القبيلة روابط جديدة تقوم على الروابط المادية والوظيفية والمصالح المشتركة والأهداف المشتركة، وذلك بعد استقلال الأفراد اقتصادياً عن القبيلة وعدم اعتمادهم عليها بشكل كبير في تدبير أمورهم المادية. ولم يعد الإرتباط بالقبيلة هو الأساس في تمكين الأفراد من العمل والقيام بالنشاطات الاقتصادية الضرورية لمعيشتهم، كما أن الإرتباط بالقبيلة أصبح ضعيفاً جداً، حتى أن بعض الأفراد انسلخوا تماماً من القبيلة ولا يحملون لقب القبيلة ولا يرغبون في كتابته مطلقاً. حيث تحول ولاء الأفراد من القبيلة إلى الوطن وإلى الشركات التي يعملون فيها خاصة بعد الإستفادة من عوائد النفط الضخمة وتوظيف الكثير من أبناء القبيلة، وحدث تحول ايضاً في السلم الاجتماعي، حيث أصبحت المكانة في الوقت الحالي تقاس وترتبط بالمكانة الاقتصادية والوظيفية التي يشغلها الفرد في المجتمع لا بقبيلته أو أصله.

5.الكثير من العادات والتقاليد الممارسة سابقاً بين أفراد القبيلة، تعرضت هي ايضاً إلى عمليات كثيرة من التغيير والتهذيب حتى تتناسب مع الحياة العصرية التي قد يكون التمسك بها والحفاظ عليها عائقاً أمام الأفراد للرقي والتطور، لهذا نجد إن الغالبية من الأفراد لا يراعون عادات القبيلة التي لم تعد تناسب العصر الذي يعيشون فيه ولا تحقق مصالحهم.

6.تغيرت النظرة إلى المرأة، حيث أن رب الأسرة بداء يدرك أهمية عمل المرأة من خلال الإسهام في نفقات الأسرة والتعاون مع الزوج في مواجهة تكاليف الحياة العصرية. وأصبح لها دور في النهوض بالمجتمع من خلال مشاركتها الفعالة في العمل في الوظائف النسائية المتوفرة بكل إخلاص وتفاني و أثبتت قدرتها على ذلك.

7.وترتب على التغير في النشاط الاقتصادي والمهن التي مارسها الأفراد سابقاً تغيرات كثيرة، منها الحراك الاجتماعي ومركز الرجل والمرأة، وكذلك الإحتكاك بالثقافات الأخرى مما ساعد على توسيع مدارك الأفراد والعمل على تطورهم.

8.حدث تغيراً كبيراً لفكرة الزواج من الأقارب، خاصة بعد انتشار الوعي والثقافة بين أبناء القبيلة وما تقدمة العلوم الطبية الحديثة من نصائح للخروج بالزواج من النطاق الضيق والمحصور على الأقارب إلى الترغيب بالزواج من خارج النطاق القرابي، نتيجة لما تم إثباته في الكثير من البحوث العلمية من أن الزواج من دائرة الأقارب يؤدي إلى إنتشار العديد من الأمراض الوراثية التي من الممكن إن تنتقل إلى الأجيال الجديدة.

9.كما أن نظام تعدد الزوجات والذي كان معمولاً به سابقاً، طرء علية الكثير من التغيرات نتيجة لعدة عوامل، حيث أصبح الإتجاه نحو الزواج من واحدة نتيجة لما يترتب على الزواج المتعدد من تبعات مالية عالية نتيجة لإرتفاع تكاليف المعيشة، وتفضيلهم تعليم وتربية أبنائهم بشكل جيد، حيث لم يعد الرجل يفتخر ويعتز بكثرة أبنائه كما كان الوضع عليه سابقاً، حيث كانوا يجعلون له هيبة وعزوة ويضفون علية مكانة بين أفراد القبيلة.

10.كان أفراد الأسرة لا يمنحون الحرية في التصرف أو في الإختيار، وبعد اكتشاف البترول والإستفادة من الفرص الوظيفية المتاحة بداءت تبرز في الأسرة الروح الفردية نتيجة لإستقلال الأبناء اقتصادياً من جهة، ومن جهة أخرى البعد في السكن عن السكن الأسري، حيث استقل الأبناء عن الأباء في وحدات سكنية حديثة نتيجة الإستفادة من القروض العقارية التي تمنحها الدولة للمواطنين.

11.كان من أبرز مظاهر الإستقلال الاقتصادي والهجرة من المناطق الأصلية لأبناء القبيلة للإستقرار بالقرب من مراكز الأعمال والوظائف التي يعملون بها هو القضاء على شكل الأسرة الممتدة التي تتكون من الآباء والأعمام والأشقاء وأولادهم المتزوجين، وتُكون نمط جديد للأسرة في الوقت الحاضر يطلق علية (الأسرة النواة) والتي تقتصر على إقامة الزوجين وأولادهما فقط في مسكن واحد.

12.تعرضت الوظيفة الاقتصادية للقبيلة بعد قيام الدولة واكتشاف البترول إلى التغير والتحول، حيث حل محلها نظام اقتصادي جديد تشرف علية وتوجهة الدولة، والتي تتيح الفرص أمام أفراد القبيلة للإلتحاق بالوظائف التي توفرها للعمل والكسب المادي، وهذا بالتالي أدى إلى أن يمارس إفراد القبيلة أعمالاً مختلفة عما كانوا يمارسونه سابقاً، حيث كانوا في السابق يمارسون ويعملون غالباً في نفس المهنة.

الخاتمة.

تضمن هذا البحث موضوع التغير في البناء الاجتماعي لقبيلة بني هاجر والتي تم اتخاذها مثالاً على ما لحق القبائل الأخرى في الجزيرة العربية من تغيرات، حيث تم إلقاء الضوء على أبرز التغيرات التي لحقت بالبناء الاجتماعي في القبيلة، وقد أقتصر البحث على مناقشة بعض الأنساق في البناء الاجتماعي وأعطى الباحث مبررات على اقتصار البحث عليها وهي النسق السياسي والاقتصادي ثم النسق القرابي.

وقد عمد الباحث إلى مقارنة ما حدث لهذه الأنساق من خلال فترتين متميزتين عن بعضهما البعض من خلال مؤشرات هي، تأسيس المملكة العربية السعودية من جهة واكتشاف البترول من جهة أخرى، نظراً لما تمثله هذه المؤشرات من أهمية عند المقارنة بين ما كان سائداً في القبيلة وما تغير بعد دخول هذين العنصرين كعوامل للتغير في بناء القبيلة والتي لم يكن من الممكن حدوثها لولا ظهورهما بشكل متزامن بعض الشي. وقد كان بعض هذه التغيرات مقصوداً من قبل الدولة والأخر كان من قبل الأفراد أنفسهم. حيث أتضح من خلال البحث أن التعليم والإطلاع على ثقافات أخرى واقتناء وسائل الإتصال الحديثة كانت أيضاً من العوامل المساعدة على إحداث بعض التغيرات في جانب العناصر المادية من الثقافة.

ويرتبط المحور الأساسي في دراستنا هذه كثيراً باهتمامات الأنثروبولوجيا الاجتماعية ، والتي تعنى بدراسة أنماط السلوك الاجتماعي الذي يتخذ في العادة شكل انساق اجتماعية كالعائلة والقرابة والاقتصاد والبيئة والدين ، بالإضافة إلى دراسة العلاقات المتبادلة بين هذه الأنساق في المجتمعات المعاصرة أو المجتمعات التاريخية آي أنها تدرس ما يعرف بالبناء الاجتماعي في جميع المجتمعات البشرية بأنماطها المتنوعة .(السيف،1412 :7).

وبهذا يتضح من العرض السابق أن أبرز مظاهر التغير في النشاط الاقتصادي  هو أن المهنة لم تعد ترتبط بالأسرة أو القبيلة بل أصبحت ترتبط بالفرد القادر على الاستثمار، واصبح دور الفرد مالكاً أو مشرفاً فقط، أما الذي يقوم بشغل هذه المهنة وتنظيمها فغالباً ما يكون عمالاً مستقدمين من خارج الوطن.(السيف،1412 :65).

أما في الوقت الحاضر، فاللحوم مستوردة من الخارج والألبان والمنتجات الأخرى التي كان في السابق هي عماد الحياة لأبناء القبيلة لسد احتياجاتهم سواء كانت من الغذاء أو الملابس، أما ألان فقد اصبح هناك الكثير من المصانع الحديثة والكبيرة التي تنتج جميع مشتقات الألبان بدون أن تمسها يد بشر.

ومن هنا نستطيع القول إن أفراد القبيلة الواحدة تصبح ثقافتهم واحدة، وقد يمارسون مهنة واحدة، ومن هنا تنشاء صفات عديدة لتجانس أفراد القبيلة الواحدة فيها نوع من التوزيع البدائي للعمل وبخاصة الرجال والنساء.(العمري،1403 :144).

ويتضح من خلال الدراسة الميدانية أستطاع الباحث  أن يصل إلى العديد من النتائج وهي كالأتي:-

ومن الطبيعي أن يتم تسويق هذه المنتجات في الأسواق المجاورة لسكن أبناء القبيلة وخاصة المراكز الحضارية القريبة منها، فمن المعروف أن المنطقة التي تقيم فيها القبيلة يوجد فيها الكثير من الواحات والينابيع المتدفقة من جوف الأرض وخاصة في منطقتي الاحساء والقطيف، كما تشتهر هذه المناطق بكثرة بساتينها وزراعتها المختلفة. مما أدى بأبناء القبيلة بالاحتكاك بالتجمعات الزراعية، ومن جهة أخرى كانوا أبناء القبيلة يفضلون في أوقات الصيف وعندما تجف المراعي وتندر المياه، النـزول بالقرب من التجمعات الزراعية، وكان هذا الأمر سبباً في تعرف بعض أبناء القبيلة على حياة التجمعات الزراعية والتي قد استهوتهم وأدت بهم إلى ترك حياة البداوة والعمل في الزراعة. (أبو علية،1406 :42).

ولأن البدوي دائماً يعشق الصحراء ويحن إليها فقد أصبحت حياته موزعة بينها وبين الهجر التي كونوها واستقروا فيها للزراعة، فعندما يأتي الربيع نجد أن هذه الهجر تصبح خاوية من أهلها ولا يبقى فيها إلا القليل الذي تكون مهمته حراسة المزارع ومراعتها.

ومن هنا يتضح لنا أن بعض أبناء القبيلة عملوا في الزارعة ولكن بشكل بدائي وموسمي، بمعنى أنهم كانوا يستقرون حول مزارعهم في الصيف ويخرجون إلى الصحراء في الربيع والشتاء.

وفي النهاية يتمنى الباحث أن يكون قد وفق في عرض هذا الموضوع من خلال هذا البحث، ويتمنى أن يحوز على رضاء كل من يطلع علية، فالإنسان يظل يتعلم من أخطائه حتى يتوفاة الله، وسوف أكون في غاية السعادة لمن يبدي لي ملاحظاته حول هذا البحث البسيط لما للنقد العلمي الهادف من أثر في الارتقاء بقدرات الباحثين.

التوصيات.

الباحث من خلال قيامه بهذا البحث يقترح إجراء العديد من البحوث وهي على النحو الأتي:-

1.دراسة أثر استقلال الأفراد اقتصاديا ومساهمته في عملية ذوبان القبيلة.

2.دراسة التغير في الأنماط الإستهلاكية لدى أبناء القبيلة بعد اكتشاف النفط.

3.دراسة التغيرات التي طراءت على نظام التكافل الاجتماعي في القبائل بعد اكتشاف النفط.

4.القيام بدراسة لدور نظام رد الشأن في الحد من الخلافات بين أفراد القبيلة.

5.دراسة للعوامل التي تؤدي إلى وجود نظام ذبح شاة الغرم بين القبائل.

6.القيام بدراسة على فئة من الأرقاء أو أبنائهم الذين تم إعتاقهم ومدى اندماجهم في المجتمع واسهامهم في تنميته.

7.دراسة العوامل التي أدت إلى التغير في مركز المرأة في المجتمع السعودي-دراسة مقارنة بين وضعها قبل وبعد اكتشاف النفط .

لقراءة الدراسة كاملة:

التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 1-3

التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 2-3

التغير في البناء الاجتماعي للقبيلة في الجزيرة العربية 3-3

المراجع.

  • الخشاب،احمد 1970،دراسات أنثروبولوجية.القاهرة:دار المعارف.
  • بن خلدون،عبد الرحمن د.ت المقدمة-الباب الثاني-الفصل الأول،تحقيق علي عبد الواحد وافي.القاهرة:دار الشعب.
  • حسن،عبد الباسط محمد 1970،التنمية الاجتماعية.القاهرة:معهد البحوث والدراسات العربية.
  • حسن،عبد الباسط محمد 1410،أصول البحث الاجتماعي.الطبعة الحادية عشر.القاهرة:مكتبة وهبة.
  • عيسى،محمد طلعت 1971،تصميم وتنفيذ البحوث الاجتماعية،الطبعة الأولى.القاهرة:مكتبة القاهرة الحديثة.
  • سعد،عبد الحميد محمود 1981،البحث الاجتماعي-قواعده وإجرائتة-مناهجه وأدواته .القاهرة:مكتبة نهضة الشرق.
  • إسماعيل،قباري 1982،مناهج البحث في علم الاجتماع .الإسكندرية:منشأة المعارف.
  • الهادي،محمد محمد 1995،أساليب أعداد وتوثيق البحوث العلمية،الطبعة الأولى.القاهرة:المكتبة الأكاديمية.
  • شفيق،محمد 1994،البحث العلمي-الخطوات المنهجية لإعداد البحوث الاجتماعية.الإسكندرية:المكتب الجامعي الحديث.
  • قطان،محمد علي 1400،الدراسات الاجتماعية في المجتمعات البدوية.جدة:دار الشرق.
  • الشريف،عبد الرحمن صادق 1404،جغرافية المملكة العربية السعودية .الرياض:دار المريخ.
  • شكري،علياء 1979،بعض ملامح التغير الاجتماعي الثقافي في الوطن العربي-دراسة ميدانية لثقافة بعض المجتمعات المحلية في المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى.القاهرة:دار الجيل للطباعة.
  • بشير،رفعت إبراهيم 1407،التغير الاجتماعي والتنمية في دول الخليج العربي.الكويت:ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع.
  • وصفي،عاطف د.ت،الانثروبولوجيا الاجتماعية.بيروت:دار النهضة العربية.
  • غيث،محمد عاطف 1979،قاموس علم الاجتماع.القاهرة:الهيئة المصرية للكتاب.
  • الغامدي،سعيد فالح 1410،البناء القبلي والتحضر في المملكة العربية السعودية ، الطبعة الخامسة.الإسكندرية:المكتب الجامعي الحديث.
  • السيف،محمد إبراهيم 1412،دراسة في البناء الاجتماعي ،الطبعة الأولى.الرياض:دار ثقيف للنشر والتأليف.
  • الفوال،صلاح مصطفى 1967،البداوة العربية والتنمية،الطبعة الأولى.القاهرة:مكتبة القاهرة الحديثة.
  • العمري،بكر عمر 1403،القبلية ونظرية الذوبان الاجتماعي-مع دراسة تطبيقية على سياسة المغفور له الملك عبد العزيز، الدارة،العدد(الثالث).الرياض:دارة الملك عبد العزيز.
  • حسنين،مصطفى محمد 1984،علم الاجتماع البدوي،الطبعة الأولى.جدة:عكاظ للنشر والتوزيع.
  • قطان،محمد علي 1979،دراسة في المجتمع-في البادية والريف والحضر،الطبعة الأولى.القاهرة:دار الجيل للطباعة.
  • أبو علية،عبد الفتاح حسن 1416،الإصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبد العزيز.الرياض:دار المريخ للنشر.
  • العرابي،حكمت 1991،النظريات المعاصرة في علم الاجتماع.الرياض:مطابع الفرزدق.
  • مرسي،محمد عبد المعبود 1984،علم الاجتماع عند تالكوت بارسونز بين نظريتي الفعل والنسق الاجتماعي.القصيم:مكتبة العليقي الحديثة.
  • عثمان،عبد الفتاح وعلي الدين السيد محمد 1993،النظريات المعاصرة وقضايا المجتمع العربي.القاهرة:مكتبة عين شمس.

 

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

د. خالد الهاجري

دكتوراة في التنمية البشرية- المملكة العربية السعودية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×