مقالات وآراء

الحروب مقبرة الطفولة

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

لا تحمل الحروب بين طياتها سوى الألم والمعاناة للأنفس البريئة، حيث تؤدى الحروب لدى الأطفال لاسيما الصغار منهم إلى حدوث أزمة هوية حادة، فالطفل لا يعرف لمن ينتمي ولماذا يتعرض لهذه الآلام، أما الأطفال الأكبر سناً فيجدون أنفسهم وقد أصبحوا في موقف فُرض عليهم وهو الدفاع عن أنفسهم وذويهم وعرضهم ولو عرضهم ذلك للخطر، وحتى إذا لم يفعل الأطفال ذلك فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التشرد تفوق قدرتهم على الاستيعاب خصوصًا على التعبير الجيد عن المشاعر والرغبات مما يغذي مشاعر دفينة تظهر في مراحل متقدمة من أعمارهم في صور عصبية وانطواء.

الحروب وتدمير نفوس الأطفال

إن ما نشاهده من الصور المؤلمة للمصابين والقتلى قد يكون الزمن كفيلاً بتجاوزها ونسيانها، وأمّا الذي لا يمحوه الزمن فهو الذي لا نشاهده وهو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحروب بداخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيزاً أو قريباً أو منزلاً يستظل بظله ليجد نفسه فجأةً في العراء.

ويعتبر السلاح الأشد فتكاً في الحروب هو التدمير النفسي الذي يدمر التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال، وهكذا الحروب دائما يصنعها الكبار ويقع ضحية لها الصغار. ولعلنا في العالم العربي بشكل عام وفى المجتمع الليبي بشكل خاص لا نعطي اهتماماً كبيراً بالرعاية النفسية والتربوية والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال في حين أن غالبية المختصين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به….. ومن الممكن تفادي هذه الحالات فقط إذا تذكر أحدهم الجانب النفسي للطفل في هذه الأوقات العصيبة . فالأطفال ليسوا أكثر مرونةً من الكبار؛ نتيجةً لصغر أعمارهم، فهم لا ينسون الخبرات السيئة بسهولة، وإذ لم يكشفوا عن الاضطراب في الفترة التالية للصدمة مباشرةً فإن المشكلات يمكن أن تحدث لهم في وقت متأخر، ربما يكون شيئًا مهمًا هنا أن نذكر أن الأطفال لا يملكون القدرة على التعبير عما يحسون ويشعرون في كثير من الأحيان؛ ولذلك يعتقد بعض الكبار أن تأثيرات الحروب النفسية لا تطول الأطفال، لكنَّ الدراسات الحديثة تشير إلى أنه من التأثيرات المتوقّعة الناتجة عن صدمات الحروب والعنف على الأطفال ومنها: 

  • التأثير على التطور الخلقي. 
  • التأثير على الأداء المدرسي وضعف تحصيله لتشتت ذهنه
  • مشاعر الجرح والتشاؤم بالنسبة للمستقبل. 

وللحرب العديد من الآثار النفسية والاجتماعية على الأطفال، تتلخص على الشكل التالي: 

  1. اضطرابات في نومهم مع الأحلام المزعجة والكوابيس المخيفة. 
  2. المشاهدة الوهمية للعفاريت والأشباح بما يسبب الفزع الدائم 
  3. تغيرات سلوكية تطرأ على الطفل كأن يصبح منطويًا بعد أن كان اجتماعيًا. 
  4. فقدان الاهتمام بأنشطة اللعب العادية أو بالمدرسة. 
  5. اكتساب سلوكيات عدوانية بعد أن كان الطفل مسالمًا محبًا لزملائه. 
  6. تبني أفكار غريبة، مثل أنهم لن يصبحوا كبارًا. 
  7. فقدان بعض العادات الراشدة، كالتبول في الحمامات . 
  8. فقدان مهارات اللغة، مثل صعوبة التحدث. 
  9. الخوف الشديد من الظلام. 
  10. العزلة وعدم الرغبة في المشاركة والتعبير .

إلى جانب الأعراض المرضية مثل الصداع، المغص، صعوبة في التنفس، التقيؤ، التبول اللاإرادي، انعدام الشهية للطعام، آلام الوهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرضون للتعذيب، وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه أو جثث مشوهة أو حالة عجز لدى مصادر القوة بالنسبة له مثل الأب والأم يصاب عندها بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية. 

وغالباً ما تظهر هذه المشاعر التي يختزنها الطفل أثناء اللعب أو الرسم فنلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب كأشخاص يتقاتلون أو يتعرضون للموت والإصابات وأدوات عنيفة أو طائرات مقاتلة وقنابل ومنازل تحترق أو مخيمات ويميلون إلى اللعب بالمسدسات واقتناء السيارات والطائرات الحربية.تخلص توجيهات المختصين في هذا المجال أنه على الأهل في حال تعرض الطفل لظروف مروعة أن يبدئوا مباشرة بإحاطتهم بالاطمئنان ولا يتركوهم عرضة لمواجهة هذه المشاهد دون دعم نفسي وذلك عن طريق الحديث المتواصل معهم وطمأنتهم بأن كل شي سيكون على ما يرام وأنهم لن يصيبهم شي مع التركيز على بث كلمات من الحب أو تشتيت فكرهم عن التركيز في الحدث المروع خاصة في أوقات الغارات المخيفة في حال وقوعها على مقربة منهم، فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد. وبالنسبة للأطفال الأكبر سناً يمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن أو أن القصف لن يطالهم وأن الأهل متخذين كافة الاحتياطات لحمايتهم، مع ضرورة عدم منعهم من البكاء أو السؤال عما يجري والحديث عنه فمن الضروري معرفة ما يدور في تفكير الطفل وأن نترك لمشاعره العنان في هذه الأوقات حتى لا تتراكم الصدمة.

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

د. فايدة الورفلي

مدرب الحياة، توجيه وإرشاد نفسي وحياتي- ليبيا عضو هيئة تدريس بقسم العلوم التربوية والنفسية كلية التربية جامعة بنغازي مدرب دولى معتمد من الاكاديمية الدولية للانجاز

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×