كلٌ منا يمر بلحظات حين يتسلل إلى أذهاننا فكر ملح، يرفض الرحيل. الإحساس بأننا نسينا شيئًا، أو تغاضينا عن تفصيل معين، أو فاتنا فرصة، وهو ما يمكننا تسميته هوس فاتني شيئاً، يمكن أن يكون مزعجًا ومستهلكًا للطاقة. وصف النفسيون هذه الظاهرة بـ “تأثير زيجارنيك”، وهو النزعة الطبيعية للدماغ لتذكر المهام التي لم تكتمل أكثر من تلك التي أكملت. ومع ذلك، في بعض الأحيان، يتجاوز هذا الإحساس مجرد النسيان، ويتحول إلى هاجس قد يؤثر على حياتنا اليومية.
جرس التنبيه اللا متوقف
خذ في الاعتبار سارة، الطالبة الجامعية المخلصة التي كانت دائمًا تفتخر بملاحظاتها الدقيقة ومشاركتها النشطة في الصف. على الرغم من جدّها، بعد كل محاضرة، كانت تشعر بأنها قد فاتها تدوين نقطة حيوية. هذا الهاجس لم يكن نتيجة أنها فاتها فعليًا شيء، بل كان الخوف المستمر من “ماذا لو؟”. كل ليلة، كانت سارة تمضي ساعات في مراجعة ملاحظاتها، مقارنتها مع زملائها، وحتى إعادة مشاهدة المحاضرات كاملةً عبر الإنترنت. درجاتها كانت ممتازة، ولكن الثمن العاطفي كان واضحًا.
متلازمة القطار الذي فات
ثم هناك رائف، الكاتب الحر الذي رفض عقدًا واعدًا لأنه شعر أن المشروع لم يكن مناسبًا له. بعد أسابيع، وجد نفسه مقتنعًا بأنه فاته فرصة ذهبية.
تضخيم عصر الهواتف الذكية
في عصر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، ازداد هذا الإحساس بفوات الفرصة. هذه الظاهرة، التي تُعرف غالبًا باسم “FOMO” (خوف فوات الفرصة)، تصف القلق الذي يشعر به الناس عندما يعتقدون أن الآخرين قد يكونون يخوضون تجارب مجزية دون وجودهم.
التغلب على الهوس
1. إعادة تقييم القيم الشخصية: حاول تحديد ما هو حقاً مهم بالنسبة لك في الحياة وركز عليه. عندما تعرف ما تقدره، سيكون من الأسهل التعرف على ما يستحق القلق وما لا يستحق.
2. التركيز على الحاضر: حاول العيش في اللحظة والاستمتاع بكل تجربة تمر بها، بدلاً من القلق بشأن ما قد تكون قد فاتك أو ما قد يأتي في المستقبل.
3. تطوير الثقة بالنفس: عندما تثق بقدرتك على اتخاذ القرارات الصحيحة وتقبل النتائج، ستشعر بالراحة أكثر مع الخيارات التي تقوم بها.
4. تحديد وتقدير اللحظات الثمينة: بدلاً من التفكير فيما قد فاتك، حاول التركيز على اللحظات الجميلة والتجارب التي تمر بها حاليًا، وتقديرها.
5. الحديث والبحث عن الدعم: إذا شعرت بأن هذا الهوس يؤثر على نوعية حياتك، فلا تتردد في التحدث إلى محترف أو البحث عن دعم من الأصدقاء والعائلة. تبادل الشعور والخوف من فوات شيء قد يساعد في وضع الأمور في منظورها الصحيح.
الختام
الشعور بأننا فاتنا شيء، رغم أنه طبيعي، يمكن أن يصبح هوسًا كاملًا، يؤثر على صحتنا النفسية ورضانا عن الحياة. التعرف والتعامل مع هذا يمكن أن يزيد من إنتاجيتنا وقدرتنا على العيش بسعادة واقتدار.
توجد العديد من الطرق التي يمكن للأفراد من خلالها التعامل مع هذا الهوس. منها إعادة تقييم القيم الشخصية، والتركيز على الحاضر بدلاً من الغمر في ما فات أو ما قد يحدث في المستقبل. العمل على الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات هو أيضًا عنصر مهم في تجاوز هذه الحالة النفسية.
وفي النهاية، يجب أن نتذكر أن الحياة ليست عبارة عن مجموعة من الأحداث التي تحدث لنا، ولكن كيف نستجيب لهذه الأحداث. في كل مرة نشعر فيها بالهوس أو القلق من أننا فاتنا شيء ما، يجب أن نتذكر أن هناك الكثير من اللحظات الثمينة حولنا تستحق التقدير والاهتمام. وبالتركيز على هذه اللحظات والاستمتاع بها، سنجد أن هاجس فوات الشيء يتلاشى تدريجيًا، مما يتيح لنا متابعة حياتنا برضا وسعادة.