لم يكن “جلد الذات” الذي تناولناه بمقال سابق إلا وسيلة للعقاب الذاتي نظراً لعدم قبول الشخص لنفسه، ونتج عن توهمه بأنه هو ذات الشخصية التي يعيش بها الآن بكل ما تحمله من مساوئ وسلبيات.
الوهم هو تشويه متعمد من الفرد لشخصيته وصورته غير الحقيقية عن نفسه وشخصيته (صورة الذات الكلية وأيضاً العقلية والنفسية والاجتماعية والجسدية) دون النظر إلى الأفضل والأجمل والجوهر الحقيقي لها.
ينتج عن الوهم بناء الفرد لشخصية وهمية يعبر بها عن ذاته، وبوعي منه أو دون وعي يُخفي شخصيته الجوهرية (الحقيقية)، ومع استمرار العيش بتلك الشخصية الوهمية تزيد قناعته واعتقاده بأن الشخصية الوهمية هي الحقيقة والجوهر لنفسه وذاته.
ونعرض هنا لبرنامج علاجي لحالة كانت تعاني من سيطرة الشخصية الوهمية (دون أن نتطرق إلى التفاصيل الشخصية للحالة) لأن الفائدة هنا أعم وأشمل لكل من يعاني من نفس المشكلة.
جلسات العلاج:
الجلسات العلاجية هي جلسات أسبوعية بحيث قمنا بتسطير الوقت وبرنامج العمل مع العميل، في كل مرة نقوم بتلخيص النقاط المهمة التي تدور حول المقابلة. ( مع ملاحظة حرص العميل على تسجيل كل النقاط بتفاصيلها للاستفادة منها بعد انتهاء البرنامج العلاجي).
لاحظنا بنهاية كل جلسة مدى التأثير على العميل من خلال تلخيصه هو لما فهمه ولما سجله وطرحه للتساؤلات حولها وهذا مؤشر جيد لحرصه على الفهم والتحليل واستعداده القوي للانتقال مما هو فيه من معاناة إلى ما يطمح اليه من علاج نهائي والتحرر من شخصيته الوهمية.
وعقب كل جلسة يتم الاتفاق مع العميل على عدد من الأنشطة التي يستطيع القيام بها ( كواجب منزلي ).
من الجلسة الأولى حتى الخامسة:
مع وجود أفكار وهمية مثل ” من حولي لا يقدرني – أنا لا استحق الحياة – أشعر بالعجز – أنا مريض وسأموت قريبا ) فقد انعكست هذه الأفكار الوهمية بالفعل على حالته البدنية فهو يعاني من ألام القولون ومشاكل فى جهاز الإخراج لديه كما تنتابه نوبات من البكاء المفاجئ مبررا ذلك بحزنه على ما وصل اليه من سوء حالة نفسية وهو ( بهذا العمر ) .
أنهينا الجلسة الخامسة بتدريب العميل على التنفس كآلية لتخفيف التوتر والفزع الذى كان يعاني منه قلقا على مستقبله وقد كان للتنفس تأثير كبير على هدوءه العقلي واسترخاءه الجسدي .
الجلسة السادسة والسابعة:
في الجلسة السادسة وحتى السابعة تم تدريب العميل على التنفس العميق وتوصيته بممارسته على مدار اليوم بشكل طبيعي ( وكما كان يحب هو تسميتها في الميدان العملي ) مما ساعد في التمهيد للعلاج حيث قلل من حدة تاثير الأفكار الناتجة عن أوهامه على نفسيته رغم استمرار وجودها وسيطرتها .
وكانت التعليمات التي طبقها بصورة جيدة ان يركز فى التنفس على الشهيق والزفير بطريقة مريحة له ايا كانت وضعيته مع محاولة عدم التركيز -بقدر الإمكان- على الأفكار السلبية مهما كانت ملحة عليه واستبدال بعض هذه الأفكار اللاعقلانية السلبية بالفكرة العقلانية الإيجابية البديلة لها مثل ( استبدال فكرة ” غير جدير باحترام الاخرين لي ” بـفكرة ” أنا أستحق تقدير الأخرين لي والدليل …….” على أن يكون دليلاً مقنعاً له وهو ما استطعنا بناءه كمخطط علاجي مع العميل .
نموذج للنتائج الإيجابية كما سجلها العميل:
“كنت ادرس بالمنزل لامتحان كان عندي بعد يومين. كانت المشاعر السلبية متحكمة في.. شعرت بضيقة صدر وصداع . وضعف تركيز بدراستي، وظللت افكر بداخلي، ادرس خمس دقائق، افتح الفيس بوك، أحاول اشغل نفسي مع استمراري في التفكير، حتى ظننت روحي كانت رح تطلع ، رح انفجر تذكرت التنفس الذى قام الإستشاري بتدريبي عليه وبعد النظر على الموقف وتحليله انتبهت إلى أن الافكار التي كانت تجول في ذهني كانت سلبية تماما وليس لها أي قيمة أو مصداقية وفجأة ولأول مرة أشعر أنني قادر على التحكم في هذه الأفكار وسألت نفسي كيف ؟ الافكار ” .
وسجل العميل انطباعه عن الجلسة السابقة بقوله:
” بعد ما انتهيت من الجلسة . كنت مرتاح نفسيا الحمد لله. شغلت نفسي. كنت مرتاح. قعدت فترة مصدوم شوي مش مصدق اني مرتاح ” .
الجلسة الثامنة حتى الرابعة عشر:
ارتكز العلاج فى هذه الجلسات على تسجيل العميل على أوهامه والتي تم توصيفها على أنها أفكار لاعقلانية (مقتنعاً هو بهذا الوصف)، وقد ساهم العميل بحماسه وذكائه رغبته الكبيرة فى التسريع بالعلاج وفق الضوابط المهنية التى حددها الاستشاري، ساعد هذا في مشاركة العميل بشكل فاعل وايجابي في صناعة المخططات العلاجية لأفكاره الوهمية عن ذاته وتعديل تلك الأفكار بطريقة إيجابية من قبل العميل .
نموذج 1
مخطط معرفي للانتقال من الافكار اللاعقلانية الى الافكار العقلانية والتأثير السلبي والإيجابي بالترتيب كما يقيسه العميل :
نعرض هنا لمثال واحد فقط (إذ أن المخطط الكامل قد تضمن أكثر من 11 فكرة وهمية تم علاجها) وليس كل المخطط ( مع التذكير بأن لكل حالة ظروفها ومخططها الخاص والذي يختلف من شخص لأخر).
في كل مرة كنا نستخدم هذه الجداول والمخططات لتغيير وتعديل الأفكار اللاعقلانية (الوهمية عن ذاته) بحيث في كل جلسة تنخفض درجة اعتقاداته لتلك الأفكار وقناعته بعدم صحتها حتى وصلت الى الاستبدال الكامل بالافكار العقلانية الحقيقية عن ذاته وعن العالم حوله .
كما كان لاستعمالنا للحوار الداخلى والتزام العميل بواجب منزلي استمر أربعة أسابيع بثلاث دقائق يومية يفكر في فكرة ايجابية مع ممارسة التنفس بتلقائية كان لذلك الأثر الايجابي بتعويد العقل على التفكير الايجابي التلقائي .
نموذج 2
لمخطط معرفي انتقال من الأفكار اللاعقلانية إلى الأفكار العقلانية:
لقد عبر العميل عن التأثير الايجابي لجلسات المخططات العلاجية للأفكار اللاعقلانية وأصبحت بالنسبة له نشاط يومي ممتع وقد قام بـعملية نفسية لا شعورية وهي عمل مخطط للأفكار العقلانية فقط وقام بحذف لا شعوري لوجود أفكار لاعقلانية ويتضح ذلك فى المخطط 3
مخطط 3
أنا الحمد لله املك القوة في تحريك أصابعي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك القوة في عمل قبضة اليد ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك يدي اليمنى ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك يدي اليسرى ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله يداي الاثنان املكهما ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك بصري ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك سمعي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك حاسة الشم ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك حاسة التذوق ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك حاسة اللمس ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله قلبي في كامل صحته ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله استطيع التنفس طبيعي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله لدي قدمي اليسار ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك قدمي اليمنى ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك كلا قدمي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك الحركة ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك القوة العقلية ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله اكل واشرب بطريقة طبيعية ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله أجيد القراءة والكتابة ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله املك طعام وشراب يومي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله اؤمن بالله ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله ذو سمعة طيبة ولذا أنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله ذو مكانة اجتماعية مرموقة ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله حي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله ذكي ولذا فأنا أحب نفسي.
أنا الحمد لله جميل الشكل ومقبول من الأخرين ولذا فأنا أحب نفسي.
كما انعكس التأثير الايجابي لسيطرة الأفكار العقلانية وعلاج العميل من تحكم الأفكار اللاعقلانية على سلوكياته مع نفسه ومع الآخرين وهذه أمثلة مما سجلها العميل:
موقف أختي الكبيرة ومرضها لمّا زوجها كان غائباً كنت حاسس براحة وثقة وساعدتها ووصلتها للمستشفى وكنت سند لها. وبديت أتحكم في أفكاري السلبية القديمة وفكرة إن رؤيتي للمرضى بالمستشفى تقربني لأن أكون بيهم مريضا بديت احس بتغيير، ثقة اكبر، تعاملي مع الناس احسن صرت مقدام اكثر .
يوم صار لي توعك معوي ولكني تمكنت من التحكم من نفسي بل تقبلتها براحة بال وتمكنت من السيطرة وقدمت الامتحان براحة الحمد لله.
شهر أكتوبر، لما طلعت من الجلسة بعد الموعد الصباحي وتكلمنا عن الأدوات التي سوف استخدمها لتغلب على المشاعر، شعرت بانشراح صدر وراحة وسعادة لم اشهدها من قبل .
بالجلسة عندما وقفت أمام المرآة فكانت ثقتي اكبر بكثير عن ذي قبل واثبت تقدم ملحوظ في الثقة بالنفس وخاصة بنظرة الأخرين لي بحيث أن المرة التي قبلها واجهت الموقف بخجل شديد وضحك ولكن في هذا الموقف وقفت أمام المرآة بجدية وأديت تمرين الثقة بقوة اكبر.
تعاملت مع أخي الأكبر بأسلوب حضاري ومتحكم في نفسي ورديت عليه عبر الرسائل النصية بردود جميلة وإيجابية حتى انه اعترف وأعجب بردي عليه.
رائع .فعلا .دائما متألقين