نستكمل سلسلة الفيتامينات التربوية، لكل أبوين حريصين على أمانة الله عندهم في أبنائهم مع هذه السلسلة المصغرة في أصول تربية الأبناء، وكأنها كبسولات مكثفة بالفيتامينات، إلا أنها فيتامينات تربوية على السريع، ومن أراد الاستفاضة في العلم، فليجتهد بالبحث عن معرفة التفاصيل، فإن أفضل العلم والذي لا يُنسى هو ما يتم البحث عنه، وليس ما يأتيك على طبق فتعزف عنه.
وقد تحدثنا سابقا عن مرحلة التربية في الحمل أولا، وثانيا بعد الإنجاب، وثالثا إلى بلوغ الطفل ثلاث سنوات..
رابعا: من ثلاث إلى سبع سنوات:-
- القدوة، كونا أيها الأبوان قدوة لأبنائكما، فأنتما ما زلتما في مرحلة الغرس والتعهد بالري لتلك النبتة الصغيرة، وخاصة أنها تريد أن تتشرب منكما، بل وتتشرب بالفعل منكما كل شيء، ولهذا انتبها بشدة لأقوالكما وتصرفاتكما وردود أفعالكما، فإن عيني صغيركما كاميرا تلتقط وتسجل وتحفظ ما تراه وتسمعه وتشاهده، وهذه قاعدة ذهبية(3) في التربية.
ادعما القدوة بالسيرة النبوية، وسير الصحابة والتابعين، والبطولات وأبطال الإسلام والفاتحين، وما أكثرهم في التاريخ، وأيضا برجالات العصر الحديث من العلماء والمتميزين في مجالاتهم والناجحين في تخصصاتهم من أدباء ومفكرين وأصحاب مبادئ وقيم.. ونوِّعا في ذلك عن طريق القراءة لطفلكما، أو سماع القصص، أو مشاهدة الأفلام سواء كرتونية أو وثائقية أو أعمال سينمائية صادقة غير منحرفة التاريخ أو السلوك، فإنكما تبنيان وتغرسان وتريدان وضع كل ماهو صحيح ومناسب لهذا البناء الضخم ( الإنسان) كي لا يحدث أي خلل في بنائه، ليصمد أمام تقلبات الزمان والأحوال.
- الرياضة البدنية وممارسة أحد أنواعها جزء لا يتجزأ من التربية البدنية والصحية والنفسية بلا أدنى شك، ولمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل”، وإذا بحثت في تلك الرياضات الثلاث، ستجد ماتضيفه كل منهما على شخصية الإنسان، ما سيجعلكما كأبوين لا تفرطان فيها أبدا.. وهذه قاعدة ذهبية (4) في التربية.
- الاحترام والتقدير، بالحوار والنقاش وأساليب الإقناع العقلية العلمية، وليس الجدل بلا طائل، أو فرض نظريات لا يفهم من أين جاءت ولماذا وكيف وأين ومتى، لأنكما أيها الأبوان هنا ترسخان طريقته في التفكير، وفي كيفية حواره مع الآخرين، وترسخان معه طريقة حل المشكلات وكيفية مواجهة الحياة، وإياكما إياكما أن تستصغراه، أو تهيناه أو تخيفاه من أي شيء لتحظيا بوقت أو مكان أو أي شيء، بل تذكرا دائما أنه غرسكما وما تغرسانه اليوم ستحصدانه غدا، وكما تعاملونه في صغره سيعاملكما به في كبركما، فاتقوا الله في أبنائكم وبروهم في صغرهم، ليتقوا الله فيكما ويبركما أبنائكم..
ليس عيبا أن تطلبا منه وتستبقا الطلب بقول ( من فضلك- لو سمحت)، ليس عيبا أن تقولا له إن قدم لكما شيئا( شكرا- جزاك الله خيرا)، ما أسعده حينما تثنيان عليه عندما ينجز شيئا أو يقوم بعمل شيء حتى وإن كنت طالبه منه بتلك الكلمات التحفيزية المشجعة ( بارك الله فيك- الله يكرمك- الله يعزك- أحسنت يا أسدي أو يا بطلي، أو ياجميلتي أو يا قمري- أو ياقلبي وياحبي).. وهذه قاعدة ذهبية(5) في التربية.
- ما زلتما مراعيان التغذية الصحيحة، وعدم الانجراف وراء إعلانات التسالي والمطاعم، بل واستبدالها بما هو صحي ومفيد، ومن الممكن تحقيق ذلك دائما بالبحث في قنوات اليوتيوب عن الأكلات الصحية للأطفال وبدائل للأطعمة التي يشتهيها الأطفال، فالتغذية الصحيحة، والرياضة البدنية مستمران معنا كمنهج حياة ثابت حتى الممات.
- ممارسات هامة كتربية عملية للحياة المجتمعية، وذلك عن طريق أن يصطحب الأب ولده لبعض مجالس العلم ، وفي المسجد بعض الصلوات وخاصة الجمعة، وكذلك في مجالس الرجال سواء أعمال أو مجالس اللهو المباح للرجال الصالحين.. وكذلك الأم عليها أن تصطحب ابنتها في خروجاتها الهادفة سواء أعمالا تطوعية أو مع الصديقات الصالحات، أو مجالس العلم والذكر بالمسجد.. لكن قبل الخروج لا بد من شروط( فلا تشير على كل ماتراه- ولا تطلب مني شراء شيء أمام أحد- وألّا تنظر إلى طعام مقدم كضيافة قبل أن يوضع أمامك- تأخذ ما يكفيك بلا شراهة- اللعب في أماكن اللعب فلا تنطيط على الكنب ولا إلقاء للخدديات على الأرض بحجة اللعب ….إلخ- مما يضايق الأبوان من أطفال الضيوف، فلابد ألا يقوم به طفلكما بمثل هذا التوجيه)، وسيحفظ الطفل تلك التعليمات بعد عدة مرات وسيبدأ في تسميعها، وبالتالي تنفيذها، مع التعديل عليها كلما لزم الأمر. وهذه قاعدة ذهبية(6) في التربية، ولا تستهينوا بها، فهي ما سيميز شخصية طفلكما عن باقي الأطفال، وهذا ما سيجعل حياتهم منظمة تنظيماً فعال وليسوا غوغائيين أو عشوائيين، أو مهملين غير منظمين.
- من الممكن في هذه المرحلة استخدام الألوان والرسم، وتعليم الحروف والكلمات، عن طريق الأناشيد أو الأغاني المختصة بذلك للأطفال، كذلك بعض القيم المغناة.. وبالتالي فإنها من أفضل المراحل لتحفيظ كتاب الله، وأيسرها وأسرعها، فاغتنموها أيها الأبوان واستثمراها جيدا بوضع مخطط لذلك بالاتفاق بينكما، وبما يناسب قدرات طفلكما، وكلما وجدتموه يتشرب ما تقدمونه فعليكم بالمزيد، وإن كان العكس فعليكم بمراعاة قدراته الذهنية، فليست القدرات تتشابه حتى وإن كانوا إخوة.
- الحذر الحذر من المقارنة بين الأخوة أو الأقران، وهذه القاعدة الذهبية (7) في التربية، فعقد المقارنات كفيل ببناء العقد النفسية وخاصة عند اختلاف القدرات، علما أولادكم أن يقارنوا أنفسهم بما كانوا قبل( الأمس)، وما أصبحوا عليه الآن( اليوم)، فهذا خير مثال وأفضل أسلوب لبث التحفيز والتقدم للأمام.
- إياكما إياكما والعقاب في مثل هذه المرحلة، فلقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم الصلاة في سبع والضرب غير المؤذي عليها في عشر، فلو كان هناك أمر أهم من الصلاة لضرب عليه، وبالتالي فلا يوجد أبدا ما يعطي الأبوين رخصة لضرب طفلهما إلى أن يبلغ العاشرة وعلى الصلاة فقط، وليس على غيرها، وضربا للتنبيه أو التذكير، وليس للإساءة أو الإهانة. وهذه القاعدة الذهبية (8) في التربية.. لكن من الممكن الإعراض بالوجه عن الطفل لتبديا له أيها الأبوين أنكما معترضان على تصرف ما، أو إغلاق الفم بطريقة لطيفة ليعلم أنك لن ترد عليه حتى يرجع عما يفعل، أو أنك تناقشة وتفهمه خطورة مايفعل، فإن لم يقتنع ويصر على التجريب فلا بأس، بشرط أن تكونا أيها الأبوان منتبهين لما سيحدث، وتتدخلا برد فعل سريع لعدم تفاقم الأمر إن تطلب ذلك.. فالأطفال يحبون أن يجربوا بأنفسهم فلا بأس بذلك أبدا مع أخذ الاحتياطات المناسبة، ورد الفعل السريع لتفادي أي خسائر.
- ضعا أنفسكما مكان طفلكما الصغير هذا لتقدرا احتياجاته وتتفهما أفعاله، ولتدركا ما يناسبه من رد فعلكما فلا تغضبا لأنه متشبث بكما ويريدكما، فهو لا يعرف غيركما، ولا يحب أحدا مثلكما، فأنتما دنياه الحقيقية، ولا تملا ذلك، فما هي إلا سنوات معدودات وسيكون له صحبته وخروجاته، وستطلبان منه أن يكون معكما فيفضل صحبته عنكما، ولهذا اصبرا على صغيركما، بل واصطبرا كثيرا كثيرا، فالتربية تحتاج صبرا واصطبارا ولا تتعجلا أيها الأبوان النتائج، فما زلتما في مرحلة الغرس، والري، ولم يحن وقت الحصاد بعد، وهذه القاعدة الذهبية (9) في التربية.. فاستمتعا مع طفلكما بهذه المرحلة الرائعة، ورسخوا ذكرياتكم الجميلة في ذهنه، وذكرياته، فامرحوا معا، والعبوا معا، وأزيحوا هموم الحياة بمداعبته، والتريض معه، والحديث معه، واعرضوا عليه بعض الأمور البسيطة وأنصتوا إلى وجهة نظره، وأثنوا على فكره.
- طفلكما منتج تربيتكما ومشروع حياتكما، فلا تقيدوه بما لا ناقة له فيها أو جمل، فلا تسخطوا على أحوالكم وأرزاقكم وتصبوها أمام عينيه الصغيرتين، ولا تشتكوا ضيق ذات اليد أمامه، فهو ما زال صغيرا جدا على حمل هذه الهموم.. فهذا سن البناء والغرس والري، سن الإدخال، فأصلحوا المدخلات، واستفيقوا أثناء عمليات الإدخال لتصلح المخرجات، فإنما طفلكما هو مشروع حياتكما أيها الأبوان، واستثمارا لحياتكما في كبركما وبعد مماتكما( ولد صالح يدعو له)، فما يحتاجه أي مشروع لإنجاحه ونموه، يحتاجه ابنكما في غرسه وريَه. وهذه القاعدة الذهبية(10) في التربية.