مقالات وآراء

أغرب 6 أنواع للهوس المفرط، تعرّف عليها!

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

الهوس، في جوهره، هو تعبير عن الشغف المتجاوز للحدود تجاه نشاط محدد، فكرة، أو سلوك معين. هذا الشغف، عندما يتجاوز حدوده، يمكن أن يتحول إلى إصرار مفرط وتعلق غير طبيعي. في بعض السياقات، قد يكون الهوس محفزًا قويًا يدفع الفرد نحو تحقيق إنجازات استثنائية أو تحقيق أهداف طموحة. فعلى سبيل المثال، قد يكون هوس فنان بتقنية معينة هو السبب وراء خلق أعمال فنية رائعة.

ومع ذلك، في الجانب الآخر من الميدان، يمكن أن يكون للهوس تأثيرات سلبية خطيرة على الحياة اليومية للفرد. عندما يصبح الشخص مهووسًا بشكل لا يمكن السيطرة عليه، قد يبدأ في تجاهل الأمور الأساسية في حياته، مثل العمل، العلاقات الشخصية، والصحة البدنية والعقلية.

إشراقات الإبداع ومخاطر التدهور النفسي:

الهوس، في هذا السياق، يمكن أن يكون مزدوج الحد. فهو قد يكون سلاحًا ذو حدين، حيث يمكن أن يكون مصدر إلهام وإبداع، وفي الوقت نفسه، قد يكون سببًا في التدهور النفسي والاجتماعي. لذا، من الضروري التعرف على الفرق بين الشغف الصحي والهوس المضر، وتعلم كيفية التعامل مع كل منهما بشكل مناسب.

أغرب 6 أنواع للهوس:

هناك العديد من الأشكال والتجليات التي يمكن أن يأخذها. سواء كان ذلك هوسًا بالأشياء المادية، أو الأنشطة، أو حتى الأفكار، فكل نوع من هذه الأنواع يحتاج إلى فهم عميق وتقدير للتأثيرات المحتملة التي قد يحدثها على حياة الفرد، ونستعرض هنا أغرب ستة أنواع للهوس وهي:

  1. ترتيب الأشياء:

العديد من الأشخاص يجدون الراحة والتحكم من خلال ترتيب الأشياء بطريقة محددة ومنظمة. هذا النوع يتجاوز مجرد الرغبة في الحفاظ على النظام؛ فهو يمكن أن يكون تعبيرًا عن الحاجة إلى السيطرة في عالم قد يبدو في بعض الأحيان كأنه فوضوي. الأشخاص الذين يعانون من هذا الهوس قد يشعرون بالقلق الشديد إذا تم تغيير ترتيب الأشياء أو إذا لم تكن الأشياء مرتبة بالطريقة التي يرونها مناسبة. في بعض الحالات، قد يكون هذا السلوك نتيجة لاضطراب نفسي معروف باسم القلق الهوسي القهري، حيث يشعر الأشخاص بحاجة ملحة لتنفيذ روتينيات معينة أو تكرار سلوكيات معينة للتخفيف من مشاعر القلق. وفي هذا السياق، يمكن أن يكون ترتيب الأشياء واحدًا من هذه الروتينيات التي يعتمد عليها الشخص للشعور بالأمان والاطمئنان.

  1. النظافة الشخصية:

النظافة هي جزء أساسي من روتين العديد من الأشخاص، ولكن بالنسبة لبعض الأفراد، يمكن أن تتحول الرغبة في الحفاظ على النظافة إلى هوس يتجاوز الحدود الطبيعية. الأشخاص الذين يعانون من هذا الهوس قد يشعرون بالقلق الشديد من أي شكل من أشكال التلوث أو الجراثيم، مما يدفعهم إلى اتخاذ إجراءات متطرفة للحفاظ على نظافتهم. قد يستحمون عدة مرات في اليوم، أو يستخدمون المطهرات اليدوية بكميات كبيرة وبشكل متكرر، حتى في الأوقات التي لا تكون فيها ضرورية. هذا الهوس قد يكون نتيجة للخوف المفرط من الأمراض أو العدوى، أو قد يكون مرتبطًا بأمور نفسية أعمق، مثل الحاجة إلى السيطرة أو الخوف من العوامل الخارجية. في بعض الحالات، قد يكون هذا السلوك مؤشرًا على وجود اضطراب نفسي، مثل القلق الهوسي القهري، حيث يشعر الأشخاص بحاجة ملحة لتنفيذ روتينيات معينة للتغلب على مشاعر القلق.

  1. التقاط الصور الشخصية:

في العقود الأخيرة، شهدنا ثورة في كيفية تواصل الأشخاص وتعبيرهم عن أنفسهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ظهور الهواتف الذكية المزودة بكاميرات عالية الجودة، أصبح التقاط الصور الشخصية أو “السيلفي” جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية. لكن ما بدأ كوسيلة لتوثيق اللحظات ومشاركتها مع الأصدقاء قد تحول لدى البعض إلى هوس يتجاوز الحدود. الأشخاص الذين يعانون من هذا الهوس قد يجدون أنفسهم يقضون ساعات طويلة يوميًا في التقاط الصور، وتحريرها، ونشرها، في محاولة للحصول على الاعتراف والتقدير من المتابعين. هذا السلوك قد يكون نتيجة للشعور بالقلق حول كيفية رؤية الآخرين لهم، أو الرغبة في الحصول على تأكيد خارجي للقيمة الذاتية. في بعض الحالات، قد يؤدي هذا الهوس إلى تشويه الصورة الذاتية والشعور بالقلق المستمر حول المظهر الخارجي، مما يجعل الشخص يسعى باستمرار للحصول على الصورة “المثالية”، حتى إذا كان ذلك على حساب الواقعية والصحة النفسية.

  1. التحديق في المرايا لفترات طويلة:

الانغماس في النظر إلى النفس في المرايا لفترات طويلة ليس مجرد عادة بسيطة، بل قد يكون تعبيرًا عن البحث العميق عن الهوية أو الرغبة في فهم الذات بشكل أعمق. لدى البعض، قد يكون هذا الهوس نتيجة للشعور بالقلق الشديد حول المظهر الخارجي، حيث يبحثون باستمرار عن أي عيوب محتملة أو تغييرات في مظهرهم. هؤلاء الأشخاص قد يكونون مهووسين بتحقيق معيار معين من الجمال أو الكمال، وقد يشعرون بالقلق أو الاحباط إذا لم يتمكنوا من تحقيق هذا المعيار.

وفي بعض الحالات، قد يكون التحديق المستمر في المرايا نتيجة للبحث عن التأكيد الذاتي. الشخص قد يبحث عن تأكيدات داخلية تتعلق بقيمته وكيانه، وقد يستخدم المرايا كوسيلة للتواصل مع الذات وفهمها بشكل أعمق. في كلتا الحالتين، يعكس هذا الهوس الحاجة إلى فهم وقبول الذات، ولكن عندما يصبح مفرطًا، قد يؤدي إلى تشويه الصورة الذاتية والشعور بالعزلة والقلق.

  1. تناول الطعام:

الطعام، بالنسبة للكثيرين، ليس مجرد وسيلة لتلبية الحاجات البدنية، بل يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن الذات، والتواصل، وحتى التعامل مع مجموعة متنوعة من العواطف. هوس تناول الطعام يمكن أن يكون نتيجة لتعقيدات نفسية تتعلق بالرغبة في الشعور بالراحة، الأمان، أو حتى الهروب من مشاعر مؤلمة مثل الحزن، الغضب، أو الاكتئاب.

الأشخاص الذين يعانون من هذا الهوس قد يجدون أنفسهم يتناولون الطعام بكميات كبيرة حتى عندما لا يشعرون بالجوع، أو قد يلجؤون إلى أنواع معينة من الطعام كوسيلة للتعامل مع مشاعر معينة. في بعض الحالات، قد يتحول هذا الهوس إلى اضطرابات في تناول الطعام مثل الشره المفرط أو البوليميا.

من الضروري فهم أن هوس تناول الطعام ليس مجرد مشكلة تتعلق بالطعام نفسه، بل هو انعكاس لمشكلات نفسية أعمق قد تحتاج إلى التعامل معها. البحث عن الدعم والمساعدة من خلال المحترفين في مجال الصحة النفسية قد يكون خطوة مهمة نحو فهم ومعالجة الأسباب الجذرية لهذا الهوس.

  1. قضم الأظافر:

قضم الأظافر هو سلوك يمكن أن يبدأ في الطفولة ويستمر في العمر البالغ لدى البعض. بالنسبة للكثيرين، يعتبر هذا السلوك وسيلة للتعامل مع مشاعر مثل التوتر، القلق، أو حتى الضجر. ولكن عندما يصبح هذا السلوك هوسًا، قد يتجاوز مجرد رد فعل غير واعي ويتحول إلى طريقة معتادة للتعامل مع المشاعر السلبية.

الأشخاص الذين يعانون من هوس قضم الأظافر قد يجدون أنفسهم يقضون وقتًا طويلًا في قضم أظافرهم حتى الوصول إلى الجلد المحيط، مما يمكن أن يؤدي إلى الألم، النزيف، وحتى العدوى في بعض الحالات. بالإضافة إلى الأضرار البدنية، قد يكون لهوس قضم الأظافر تأثيرات نفسية، حيث قد يشعر الأشخاص بالخجل أو الحرج من مظهر أظافرهم.

من الضروري فهم أن هذا السلوك، على الرغم من أنه قد يبدو بسيطًا على السطح، قد يكون انعكاسًا لمشكلات نفسية أعمق. البحث عن استراتيجيات للتعامل مع التوتر والقلق، والعمل مع محترفين في مجال الصحة النفسية، قد يساعد في التغلب على هذا الهوس وتحقيق التوازن النفسي.

علاماته ومؤشراته:

التمييز بين الشغف الصحي والهوس المفرط قد يكون تحديًا، خاصة عندما يكون السلوك مقبولًا اجتماعيًا أو يعتبر جزءًا من الروتين اليومي. ولكن هناك بعض العلامات التي يمكن أن تشير إلى وجود هوس:

  • التفكير المستمر: إذا كنت تجد نفسك تفكر باستمرار في نشاط معين أو سلوك، حتى عندما تكون بعيدًا عنه، قد يكون ذلك دليلًا على الهوس.
  • القلق عند التوقف: إذا شعرت بالقلق أو الاضطراب عندما تحاول الابتعاد عن النشاط أو السلوك المعني، فقد يكون هذا دليلًا آخر.
  • تجاهل الواجبات: إذا بدأت تتجاهل الواجبات والمسؤوليات الأخرى من أجل الاستمرار في النشاط، فقد يكون ذلك علامة على الهوس.
  • التأثير السلبي على العلاقات: إذا بدأت تلاحظ أن علاقاتك مع الأهل والأصدقاء تتأثر بسبب اهتمامك المفرط، فهذا يمكن أن يكون إشارة إلى مشكلة.
  • زيارة طبيب نفسي: إذا كنت تشعر بأنك قد تكون مصابًا بالهوس، فقد يكون من الجيد التحدث مع محترف في مجال الصحة النفسية للحصول على رؤية أكثر وضوحًا ودعم في التعامل مع القضية.

الحماية والوقاية:

الوقاية من اضطراب الهوس تتطلب فهمًا عميقًا للعوامل التي قد تؤدي إلى تطور هذا الاضطراب وكيفية التعامل معها. اليك بعض الخطوات التي يمكن اتباعها:

  • الوعي الذاتي: تعرف على نفسك وعلى عواطفك. إذا كنت تلاحظ أنك تميل إلى الهوس بشكل معين، فحاول تحديد الأسباب وراء هذا السلوك والبحث عن طرق بديلة للتعامل مع المشاعر المرتبطة به.
  • تقييم الأولويات: حدد ما هو مهم بالنسبة لك في الحياة وركز على تلك الأمور. عندما نكون لدينا هدف أو غرض واضح في الحياة، يصبح من الأسهل تجنب الانجراف نحو هذا الاضطراب.
  • تطوير مهارات التعامل مع التوتر: تعلم طرقًا صحية للتعامل مع التوتر والقلق، مثل التأمل، التنفس العميق، أو ممارسة الرياضة. هذه الأنشطة يمكن أن تساعد في تقليل الحاجة إلى اللجوء إلى سلوكيات هوسية كوسيلة للتعامل مع المشاعر الصعبة.
  • البحث عن الدعم: تحدث مع الأصدقاء أو أحبائك عن مشاعرك ومخاوفك. الحديث مع الآخرين يمكن أن يساعد في وضع الأمور في منظورها الصحيح ويقدم رؤية جديدة قد تكون مفيدة.
  • الاستشارة النفسية: إذا كنت تشعر أن الهوس يؤثر على حياتك بشكل سلبي، فقد يكون من الجيد البحث عن مساعدة من محترف في مجال الصحة النفسية. المعالجين والأطباء النفسيين يمكنهم تقديم الدعم والأدوات التي تحتاجها للتعامل معه والعمل نحو حياة أكثر توازنًا وسعادة.

خاتمة:

يمكن اعتبار الهوس بمثابة تجاوز لحدود الشغف العادي، حيث يتحول الاهتمام أو النشاط المحبب إلى شيء يسيطر على حياة الشخص ويؤثر عليها بشكل كبير، وبالرغم من أنه قد يبدو في البداية كتعبير عن حب أو شغف عميق، يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية وحتى الصحة البدنية. عندما يصبح الشخص غير قادر على التحكم في هذا الشغف المفرط أو يجد نفسه يتجاهل الأمور الأخرى المهمة في حياته، فإنه يصبح من الضروري إعادة التقييم. إذا كنت تشعر أنك قد وقعت في فخ الهوس، أو أن هوايتك التي كانت مصدرًا للسرور أصبحت تسبب لك القلق، فقد يكون الوقت قد حان للبحث عن المساعدة المتخصصة. من خلال فهم الأسباب الكامنة وراء هذا الهوس وتطوير استراتيجيات للتعامل معه، يمكنك استعادة التوازن في حياتك والاستمتاع بالأنشطة التي تحبها بشكل صحي ومستدام.

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

د. محمود الراشد

أخصائي في مجال التقييم النفسي والتنبؤ، خبرة في التحليل النفسي لرسومات الأطفال واكتشاف ميولهم وطموحاتهم. قدم الدكتور محمود العديد من الدورات والورش التدريبية التي استهدفت الأخصائيين والمربين، واشتهر بقدرته على تحويل المعرفة العلمية إلى أدوات تطبيقية. يشغل الدكتور محمود منصب المدير العام المؤسس للأكاديمية الدولية للإنجاز، وهي مؤسسة تدريبية متخصصة في ماليزيا. بالإضافة إلى ذلك، فهو: عضو فاعل في رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية (رانم) وعضو جمعية علم النفس الأمريكية (APA). عضو قسم المحللين السلوكيين في الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) A member of the Behavior Analyst Division in American Psychological Association (APA)

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×