تحفة ألفريد هيتشكوك “Psycho” عام 1960 ليست مجرد سمة مميزة في هذا النوع من الرعب والتشويق؛ إنه لغز نفسي يدعو إلى المزيد من التفسير والتحليل. فهو لم يضع حدودًا جديدة لما هو مقبول على الشاشة فحسب، بل دفع أيضًا حدود ما نفهمه عن أعماق النفس البشرية. بالاعتماد بشكل كبير على نظريات التحليل النفسي، يعمل الفيلم كعدسة لفحص العلاقات المعقدة بين الهوية والجنس والروابط الأمومية.
تحديد النغمة
يبدأ الفيلم مع ماريون كرين، السكرتيرة، التي تسرق المال بشكل متهور من صاحب عملها لتبدأ من جديد مع عشيقها سام، هذا الفعل هو هروبها من الدنيوية والقمع في حياتها. من هذه النقطة، يقدم لنا هيتشكوك فكرة الازدواجية – ما نحن عليه وما نطمح إليه أو نتظاهر به.
الرغبات المكبوتة
أدخل نورمان بيتس، المالك الخجول والمربك اجتماعيًا لفندق بيتس. يقدم هيتشكوك من خلال بيتس طبقًا فرويديًا مليئاً بمكونات الأنا والأنا العليا والهو. إن عالم بيتس الداخلي هو ساحة معركة بين رغباته المكبوتة (الهو)، وضميره الأخلاقي (الأنا العليا)، والجزء الواقعي الذي يتوسط بين الاثنين (الأنا).
شبكة الأم
يعرض الفيلم عقدة أوديبية مع علاقة نورمان المقلقة بوالدته. الأم المتوفاة ليست مجرد شخص؛ إنها حضور نفسي طاغٍ يتحكم في نفسية نورمان. هذه هي إشارة هيتشكوك إلى مفهوم التحليل النفسي المتمثل في شخصية الأم المسيطرة التي تؤدي إلى توقف النمو النفسي الجنسي.
استراق النظر
موضوع استراق النظر يتعمق في فيلم “Psycho”. يتجسس بيتس على ماريون من خلال ثقب الباب، مما يلخص الفكرة الفرويدية القائلة بأن مراقبة الآخرين سرًا توفر المتعة الجنسية والشعور بالسيطرة. كما يجعل هيتشكوك الجمهور متواطئًا في هذا الفعل، مما يجبرنا على التشكيك في حدودنا الخاصة بالخصوصية والأخلاق.
الصدع في الواجهة
مشهد الاستحمام سيئ السمعة هو المكان الذي قُتلت فيه ماريون، وهو ما يرمز إلى تفكك خطة هروبها وشخصيتها. إنها ليست مجرد لحظة عنف جسدي ولكنها أيضًا تمزق نفسي، مما يشير إلى التحول من ماريون إلى نورمان باعتباره محور الفيلم. هنا، يوضح هيتشكوك بشكل عميق العواقب المروعة للعواطف المكبوتة التي تنفجر بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
سيكولوجية الكشف النهائي
عندما يتم الكشف عن هوية نورمان المزدوجة، يكون الأمر صادمًا ومنطقيًا للأسف. لقد فشلت الأنا في التوسط بين الهو والأنا العليا، مما أدى إلى خلق شخصية منفصلة تمامًا تنفذ الرغبات الأساسية للهو. هذه الشخصية عبارة عن هروب مُصمم، وهو واقع بديل حيث لا يضطر نورمان إلى التعامل مع الذنب الساحق والارتباك الجنسي الذي سببته له قبضة والدته النفسية.
خاتمة
“Psycho” هو أكثر من مجرد فيلم. إنه دراسة حالة تحليلية نفسية متنكرة في زي قصة مثيرة. إنه يغوص في هاوية العقل البشري ويخرج بحقائق مقلقة ولكن تنويرية حول تركيبتنا النفسية المعقدة. يتجاوز الفيلم عنوان الرعب الخاص به، حيث يقدم قصة عميقة الطبقات يمكن تحليلها وإعادة تحليلها مرة بعد مرة، والكشف عن رؤى جديدة في كل مرة. سواء كنت من محبي السينما، أو متحمسًا لعلم النفس، أو ببساطة شخصًا يقدر رواية القصص العميقة، فإن “Psycho” هي رحلة مقنعة وممتعة عبر النفس البشرية لن ترغب في تفويتها.