مقالات وآراء

لقد أرهقنا قابيل!!

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

اقبض على نفسك متلبسا في اللحظة التي تحتاج فيها الى اعتراف الآخرين بوجودك و مصادقتهم عليك.

شيء بداخلك لحظتها يبحث بإلحاح عن توقيع على أهميتك من آخرين مشغولون هم أيضا بمثل هذا البحث.

تدورون جميعا في حلقة اثبات وجود مدفوعين بهاجس الخوف من اللاوجود وعدم الجدوى.

يصبح اللقاء ساعتها ساحة حرب طاحنة خفية، أحاديث تتطاير في الهواء من افواه اصحابها و أرواح تلهث نحو الضوء، نحو الوجود تدوس على غيرها ، اقصاء الاخر و حجب الأهمية عنه تشترك مع القدرة على القتل الفعلي، كلها تنبع من جذر واحد، البقاء على حساب الآخر، حين تستبد بكل هذه الرغبة فإنك مشروع قاتل مؤجل, أن تكون قادر على القتل المعنوي لوجود آخرين بأي شكل من الأشكال  فإنك تشبه قابيل الذي قتل آخاه لأن الله تقبل منه قربانا.

قابيل  لم يطق احتمال ان يكون احدا اقرب الى الله منه، قابيل كان يعلم انه بفعلته هذه يبتعد عن الله أكثر وأكثر، ولكن الهدف هنا لم يكن القرب منه الله، الهدف كان التخلص من منافس، كان يعلم يقينا انه لن يحصل على المكانة التي حصل عليها هابيل ولكن هذا لم يكن مهما، كل ما كان يسعى اليه هو تحطيم كل من يتجاوزه، مدفوعا بغضب أرعن واحساس متضخم بالذات.

اعتزل هابيل هذا الصراع وقال “لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ” (المائدة: 28)، ومنذ تلك اللحظة انقسمنا الى مشروع قتلة ومشروع شهداء، و سيظل المشهد دائما في كل مكان وزمان يحمل بذور قصة قابيل و هابيل، البادئ بالصراع والمعتزل الزاهد. 

 كل قابيل يحجب وجود هابيل ويركض نحو الضوء لا يجده، فالارواح الظلامية يقهرها الضوء وتتضاعف حاجتها الى مزيد من الضوء وتظل تركض تقصي الف هابيل وهابيل في طريقه، يود قابيل لو يوقع الجميع على وثيقة اعتراف بوجوده، بأنه مرئي، بالمقابل الذين القاهم على قارعة الطريق في سعيه الحثيث نحو الضوء قد يتحولون الى  قابيل اخر مصغر مثله تماما يلهثون نحو الضوء نحو الاعتراف بوجودهم، يدهسون اخرين تماما كا فعل بهم ..

وهكذا يظل قابيل ينسخ نفسه ويتكاثر ونصبح جميعا مرضى مهوسوون بالظهور ولفت الانتباه، نتسابق نحو الضوء فننطفئ اكثر، ينطفئ نور الله في ارواحنا،.

الأمر جداً بسيط، فقط راقب نفسك، اقبض على نفسك متلبسا برغبتك في لفت الانتباه في الاعتراف بوجودك .

اسأل نفسك ممن تبحث عن الاعتراف بوجودك؟ من عالم اصبح يعج بنسخ متفاوتة من قابيل؟!.

سؤال كهذا كفيل بأن يعيدك الى رشدك ويعيد توجيه بوصلتك، راقب  حاجتك الى الاعتراف بالوجود  كلما ظهرت وأطفئها في بدايتها حتى لا تلتهمك يوما ما.

أنت لست  في حاجة الى الاعتراف بوجودك، هذه الحاجة موجودة داخل كل نفس بشرية كإختبار وابتلاء، لابد انها كانت في نفس هابيل كما كانت في نفس قابيل .

لكن هابيل اختار الاخلاص لله بينما اختار قابيل الاخلاص لذاته .

ومن هنا دخل قابيل في  نفق مظلم وهو يحاول أن يرضي ذاته التي تتضخم يوما بعد يوم دون جدوى حتى بلغ الامر أن يقتل اخاه ارضاءا لذاته، في حين اختار هابيل ان يبحث عن رضى الله “إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ” .

لو عاد قابيل لأخبرنا انه لا شيء يستحق كل هذا العناء وأن ركضه المحموم نحو الظهور كان عقابه المر، لقدم رجاءه لنا جميعا “كفوا عن تناسخي لقد ارهقتموني باتباع فعلتي” .

ثم لأخبرنا بأن هابيل الذي اعتزل الصراع ورضي بأن يضحي بوجوده ويفنى من هذا العالم المادي انما وجد ما ارهق قابيل البحث عنه، وجد الضوء الحقيقي.

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

طرفة النعيمي

مركز الاستشارات العائلية- باحثة دكتوراة- قطر

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×