تعتبر دراسة الجانب الإيجابي في شخصية الفرد تيارا حديثا نسبيا في علم النفس، حيث حظي باهتمام كبير خلال السنوات الأخيرة من قبل علماء النفس، وفيما يعرف الآن بعلم النفس الإيجابي، ذلك باهتمامه بتنشيط الفاعلية الوظيفية والكفاءة الذاتية والصحة الكلية للإنسان وكذا تحقيق الذات والشعور بالأمن والتفاؤل، المرونة النفسية والشفقة بالذات.. إلخ.
فماذا نقصد بالشفقة بالذات؟
بالنظر إلى الجانب المشرق وفي ضوء علم النفس الإيجابي سوف نتحدث في هذه الورقة عن موضوع الشفقة بالذات (Self compession) أو التعاطف الذاتي هذا الأخير كمصطلح ظهر في بداية القرن الحادي والعشرين كمفهوم من مفاهيم علم النفس والصحة النفسية على يد العالمة الأمريكية (كريستين نيف) “Neff 2003″، حيث نظرت إليه على أنه يتضمن بعدا أساسيا من أبعاد البناء النفسي للفرد وسمة مهمة من سمات الشخصية الإيجابية. لكن في الحقيقة تعود جذور مفهوم الشفقة بالذات إلى الفلسفة الشرقية والتعاليم اليونانية منذ ما يقرب من 2500 عاما والتي تقترح أن الشفقة تعني “التوجه نحو الذات أو الآخرين” إذ أن هذا التوجه ينطوي على إحساس الفرد بتجربة المعاناة مع الرغبة في التخفيف منها بدلا من إنكارها أو التحول عنها بعيدا مع الاعتراف بأن الإخفاقات والمآسي هي جزء من التجارب الإنسانية.
حيث تعرفها (Neff 2003) بأنها ذلك الانفتاح على المعاناة الشخصية وتحريكها، واختبار الشعور بالرعاية واللطف تجاه الذات، واتخاذ موقف تفهم بدون إصدار أحكام تجاه أوجه القصور والفشل، وأن تجربة المرء هي جزء من الخبرة الإنسانية المشتركة.
كما يذكر (jarrett 2018) في السياق نفسه أن الشفقة بالذات تعد هدفا مهما للتدخلات المستقبلية، حيث تساعد في خفض التحديات ومنها الإجهاد والصدمات النفسية.
وبذلك تعتبر الشفقة بالذات من الاتجاهات الإيجابية نحو الذات في المواقف المؤلمة والفشل بحيث إن الفرد ينطوي على اللطف بالذات أو ما يسمى بالتعاطف الذاتي، والابتعاد عن الانتقاد الشديد لها. فغالبا الشفقة بالذات تميل إلى تعزيز مشاعر الاهتمام في ضوء التجربة الإنسانية المشتركة، معترفا بهذه المعاناة والفشل والعجز كجز من تجربة جميع الناس.
وعليه يمكن القول أن الشفقة بالذات هي بمثابة الدعم النفسي الذي يقدمه لذاته، هو حنانه وعطفه على ذاته، دون توبيخها أو نقدها أو جلدها.
مكونات الشفقة بالذات:
في الحقيقة تذكر “نيف neff” أن الشفقة بالذات تتكون من ثلاثة عناصر تتفاعل مع بعضها لخلق إطار عاطفي تجاه الذات.. كالآتي:
*اللطف بالذات مقابل الحكم على الذات (النقد الذاتي): ويعني فهم الفرد لذاته بدلا من إصدار أحكام قاسية عليها في حالات القصور وتقديم الدفء العاطفي والقبول غير المشروط، كما أنه يحتوي على نشاط مهدئ ومريح للنفس في أوقات المحن.
* الإنسانية العامة (المشتركة) مقابل العزلة: وتعني إدراك الفرد لخبراته كجزء من الخبرات الإنسانية الكبرى بدلا من رؤيتها على أنها منفصلة. حيث ترى (نيف neff) أن تركيز الفرد على أوجه القصور لديه هو نوع من التشويه الذاتي الذي يجعل الفرد كمن يسير في نفق مظلم لا يرى فيه شيئاً غير معاناته مما يجعل من معاناته هي الأسوأ.
* اليقظة العقلية مقابل الإفراط في التوحد: يشير هذا العنصر إلى الانفتاح على عالم الأفكار والمشاعر والأحاسيس المؤلمة والخبرات غير السارة لدى الفرد، ومعايشة الخبرة في اللحظة الحاضرة بشكل متوازن. ضمن هذا السياق تتضمن الشفقة بالذات اتخاذ أسلوب متوازن في التعامل مع الانفعالات السلبية للشخص، لأن المشاعر قد تكون مكبوتة أو مبالغا فيها وهذا الموقف ينبع من تماثلها لعمليات متعلقة بالخبرات الشخصية لأولئك الأشخاص الذين يعانون أيضا من هذه الخبرات.
في ضوء ما سبق يمكن القول أن الشفقة بالذات هي حالة من التقبل الذاتي، ويمكن أن نميز الفرد المتعاطف ذاتيا مع نفسه من خلال توفر شخصيته على بعض السمات كالتسامح، الانفتاح، التعاطف، الاتزان الانفعالي، الإنسانية، العطاء، اليقظة.. إلخ. زيادة على ذلك فالتعاطف الذاتي وحسب العديد من الدراسات توصلت إلى أنه يقلل من التوتر والاكتئاب ويزيد من فرص نجاح الفرد، وأن تعامله بعطف مع نفسه ورؤية أماكن الخلل والخطأ فيها تمكنه من أن يشرع في إصلاح ذاته بهدوء وراحة بدلا من نقدها باستمرار والدخول في دائرة التقريع واللوم غير المفيد…“عامل نفسك بلطف كصديق مقرب”..
قائمة المراجع:
– خشبة، فاطمة السيد حسن.(يوليو 2018). التنبؤ بمستوى اليقظة العقلية من خلال بعض المتغيرات النفسية لدى طالبات الجامعة. مجلة كلية التربية.(179ج1). جامعة الأزهر.
– واعر، نجوى أحمد عبد الله. (يونيه 2019). الشفقة بالذات والعبء كمنبئات بالاجهاد التعلمي لدى طالبات كلية التربية. المجلة التربوية. (62).جامعة الوادي الجديد.
– علاجي، أميرة بنت المعادي. (يناير 2020). الهناء النفسي وعلاقته بالشفقة بالذات لدى طالبات المرحلة الثانوية. مجلة كلية التربية. (185ج1). جامعة الأزهر.
– عبد اللا، محمد الصافي عبد الكريم .(د.ت). دراسة استكشافية لتفاعل الشفقة بالذات والمرونة النفسية في خفض أعراض الاكتئاب والشعور بالوحدة النفسية لدى أمهات الأطفال ذوي التوحد. المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . الإسكندرية.