عند الحديث عن أدب الأطفال في ليبيا تحديدا،لابد من إعطاء نبذة عن القصص الشعبية المتداولة شفهيا والتي تشمل بالضرورة الجزء الخاص بالطفل وهو نوع من الآداب الشعبي تواجد على الدوام في كل المجتمعات وتخلل ثقافاتها وعند كل الشعوب ومن بينها المجتمع الليبي منذ القدم، وذلك قبل ظهور الطباعة في شكلها الحديث، ورأت الباحثين أنه من الهام إن يتم التعريف بهذا النوع من القصص ولو بشكل موجز .
قصص الأطفال في الموروث الشعبي الليبي:
- أشارت عدد من البحوث والدراسات إلى أن أول قصص شعبية في ليبيا يعود تاريخها إلى القرن الأول للميلاد وأسمها “حكايات كوبسيس الليبية” كان قد عثر على ثلاث منها من قبل الباحث الراحل “علي فهمي خشيم ” ، الذي قام بترجمتها إلى العربية ونشرها في كتابه”بحثا عن فرعون العربي”وهي بحسب المترجم في أهمية كتب وقصص كليلة ودمنة في المشرق وقصص إيسوب في الثقافة الغربية ،كما قامت السيدة “هنرييت سكسك فراج بجمع مجموعة من القصص الشعبية الليبية وأصدرتها في كتاب حمل عنوان “يا حزاركم” سنة 1991 بعد تنقيحها وصقلها وتبسيطها موجهة أساسا للناشئة لتعينهم على التحصيل الأدبي والعلمي، من خلال سردها للقصص ،وتليها عدد من محاولات الكتابة للطفل على أيدي بعض الكُتاب الرواد الذين ذكرت منهم على سبيل المثال “عبدالله جمال الدين الميلادي” الذي كانت له إسهامات في هذا المجال سواء عن طريق تخصيص جانب أو ركن للناشئة في مطبوعته “الإصلاح” أو في تحديثه للمناهج الدراسية حينذاك وإقحامه للحوارات والأناشيد والتلحين في صلب المناهج التعليمية ، ثم ظهرت مجموعة من المؤلفات القصصية التي سيطر على لغتها طابع السجع مثل “درر الاقتباس في تاريخ الأنبياء والإسلام” لمصطفى الكعبازي وكتاب “السفر الأدبي في الرسم العربي” لمحمد المجراب وكتاب “الدروس الأساسية للناشئة المدرسية” وكتاب “تلقين الصبيان” للشيخ علي سيالة وغيرها، وكلها كتب تهتم بشكل أو بآخر بتثقيف الناشئة القيم الدينية والإسلامية من خلال القصص التربوي الهادف ( المصري،2017).
- أما البداية الحقيقية لحركة التأليف والكتابة للطفل، فقد دشَّنها الكاتب محمد الزكرة الذي أصدر قصتي”الفلاح السعيد و”بوبي الظريف” عام 1970 ثم أصدر سنة 1972 قصة “التفاحة الآثمة” ( الأسطي ، 2002 : 1).
- ثم تتالت بعد ذلك الإصدارات على يد ثلة من الكُتاب فصدرت سلاسل عديدة ومؤلفات قيمة وهامة لكل من الكاتب يوسف الشريف الذي أصدر مجموعة قصصية متنوعة عرفت باسم ( قصص ليبية للأطفال )يليها مجموعة أخري أطلق عليها اسم ( من حكايات الشعوب ) ، وله سلسة علمية ثقافية عرفت باسم ( نوافذ) ،وقد حاول العديد من الكتاب الليبيين توظيف أعمالهم خدمة لتنمية القيم الأخلاقية والفضائل ومساعدة الآخرين وذلك من خلال القدوة والمثل وتقليد شخصيات القصة الخيرة والفاضلة ، حيث أسهمت قصص القاص ( يوسف الشريف ) في تقديم نموذجا يحتذي به لقصة المغامرة والتشويق ونذكر منها قصة ( عندما اختفت ليلي ) اذ انه يدعو الأطفال بطريقة غير مباشرة إلي المحبة والتعاون وعدم الوقوف عند أخطاء الآخرين ، وقد لجأ القاص إلي استخدام أسلوب القرآن الكريم في تناوله لبعض موضوعات قصصه ، حيث اختصر كثيرا من القيم في عرض مبسط غير معقد وله قدرة كبيرة علي تحقيق النتائج المرغوبة دوما ( العواسي ، 2006 :144).
- كما يعتبر “خليفة حسين مصطفى ” من الكتاب الليبيين الذين قدموا إضافة قيمة لأدب الطفل بإصداراته المختلفة ( المصري، 2017)، وفي خلال سنوات معدودة ظهر نتاج أدبي كبير تمثل في عدد من المؤلفات والكتب الرائدة في مجال أدب وقصص الأطفال في ليبيا نذكر:
- كتاب ” أدب الأطفال في ليبيا- دراسة في مضمون القصة- ” لكاتبه عبد الحميد محمد عامر، وكتابات أسماء مصطفى الأسطي وخاصة مؤلفها القيم:” النتاج الفكري للأطفال والناشئة في ليبيا/1921-2005م” الصادر عن مجلس الثقافة العام بسرت سنة 2006م.
وثمة كتب ثمينة أخرى في مجال أدب الأطفال وثقافتهم، منها كتاب: ” أدب الأطفال في ليبيا” لسالم أحمد العواسي (2006 ) ،وقد صدر عن مجلس الثقافة العام بليبيا ( حمداوي ،2009) ، ويري ( الهيثي ) أن لقصص الأطفال أهداف ومقاصد تربوية مختصة بمرحلة الطفولة وهي عادة أهداف عامة معروفة ومقصودة مختصة بتنمية قيم الأخلاق الحميدة لدي أطفال هذه المرحلة ويتضح ذلك غالبا من خلال التسميات التي تطلق علي القصة نفسها ومن خلال أسماء بعض الشخصيات المقدمة فيها وما تضمه من إيحاءات غير مباشرة تعمل علي تدعيم القيم الخيرة ونبذ القيم غير المرغوبة وخاصة بما تمتلكه من أرث شعبي هائل مع الإضافات التربوية الدينية المنسوجة من القصص الديني ( الإسلامي ) وما يمكن إن يقدمه من قيم تربوية واجتماعية كبيرة جدا ( الهيثي ، 1977 : 168).
الخلاصة:
مما تقدم من عرض لبعض الكتاب القصة الليبين أعطيت على سبيل المثال لا الحصر تتبين الفائدة الكبيرة من وراء المحافظة على مثل هذا التراث الزاخر بالمعرفة و بما يتسم به من حث على الفضيلة و عمل الخير و التحلي بالخصال الفاضلة، كما نرى ان باستخدام القصص التربوية الهادفة ( الدينية والاجتماعية ) في مرحلة رياض الأطفال فوائد عديدة ، تتمثل في تعليم الأطفال الابتعاد عن الوقوع في الأخطاء و أفعال الشر و اكتساب لخصال السيئة ،و رغم أن العدد الذي تم جمعه من القصص الليبية في البحوث والدراسات والمؤلفات التي حاولت الباحثةحصرها ضئيل جدا ،عند مقارنته بالقصص العربية الا ان التراث الليبي -كما هو الحال بالنسبة لبقية أقطار الوطن العربي- زاخر بعدد كبير من القصص والروايات التي تعرف شعبيا باسم ” الخرافات أو الخراريف “وهي مجموعات قصصية قصيرة زاخرة بالحكمة و الخبرة الانسانية منوعة ومتعددة تقدم من خلال شخصيات بشرية في بعض الاحيان و في أخرى تم استعمال بعض الحيوانات بمواصفات تعكس نماذج بشرية معينة و مختلفة و هي جميعا تسعي لهدف تربوي تعليمي واحد وهو تزويد الطفل بكل مايحتاج إليه من قيم ومعارف ومفاهيم للتواصل مع الآخرين في مجتمعه مستخدمين القصة كوسيلة تربوية ناجحة سهلة ومبسطة وغير معقدة التفاصيل.
المراجع والمصادر:
- الدوسري ، فاطمة بنت محمد (2017 ) . فاعلية استخدام القصة في تنمية بعض القيم الأخلاقية لطفل الروضة ـ، رسالة ماجستيريا غير منشورة ،كلية الشرق العربي ، السعودية .
- دياب، فوزية (1996) .القيم والعادات الاجتماعية، دار الكتاب العربي ، القاهرة.
- الرشيدي، فاطمة سحاب( 2017). أثر قصص الاطفال الدينية والاجتماعية في تنمية مهارات التفكير الابداعي لدي أطفال ما قبل المدرسة في منطقة القصيم –المملكة العربية السعودية، المجلة الدولية لتطوير التفوق،مج8،ع14.
- العواسي ، سالم امحمد (2006). أدب الطفل في ليبيا (من سنة 1970 – 2000 ) .مجلس الثقافة العام ،مجمع المؤتمرات ـ سرت ، ليبيا. أحمد نجيب (1990). أدب الأطفال، علم وفن، دار الفكر العربي، القاهرة.
- فهيم ، فتوح محمود محمد ( 2018). غرس القيم الأخلاقية في طفل ماقبل المدرسة ، رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة عمر المختار ،ليبيا .
- اللبدي، نزار وصفي(2001) :أدب الطفولة واقع وتطلعات دراسة نظرية تطبيقية، دار الكتاب الجامعي، العين ،الامارات العربية المتحدة.
- محمد ، أحمد حمدان ( 2015). فاعلية برنامج تدريبي قائم استخدام التمثيل والمناقشة من خلال القصة في تدعيم المفاهيم الاخلاقية لدي أطفال ماقبل المدرسة ـ مجلة الطفولة العربية ، ع 52، القاهرة ، مصر.
- مرتضي ؛ سلوي ؛ وإلياس ، أسماء (2015). تنمية المفاهيم الرياضية والعلمية في رياض الأطفال ،منشورات جامعة دمشق.
- المنسي ، محمد (2006). أثر ثقافة المجتمع في التربية الوجدانية للطفل، بحث منشور في مؤتمر: “التربية الوجدانية للطفل” المنعقد في القاهرة من 8 إلى 9 أبريل 2006 .
تصوصيات المؤتمر العلمي بعنوان( التربية الوجدانية للطفل ) المنعقد في القاهرة من 8 إلى 9 أبريل 2006 . - ميلود قيدوم ( 2003) . القصة وعلاقتها بعقل الطفل، مجلة العلوم الإنسانية، عدد خاص بفعاليات ملتقى أدب الطفل، منشورات المركز الجامعي، سوق أهراس، ديسمبر ، 104.
- نجيب، أحمد (1986). فن الكتابة للأطفال ، بيروت ، دار اقراء ،ط3.
- هماش ،فيروز ( 2017) . طرق عرض القصص للاطفال ،دار الكتاب العربي ، القاهرة.
- الهيتي ، هادي نعمان ( 1977). أدب الأطفال فلسفته ، فنونه ، وسائطه – الهيئة العامة للكتاب : مصر.