مقالات وآراء

الأفكار اللاعقلانية

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

يُعد هذا المفهوم (الأفكار اللاعقلانية Irrational Thoughts) من المفاهيم التي أثارت جدلاً ونقاشاً مُوسعاً بين جمهور المفكرين، والفلاسفة، وعلماء النفس، حيث يُعد من المفاهيم التي لها عمر طويل جداً، ويعود بجذوره إلى آراء الفلاسفة في الحضارة اليونانية القديمة، لكنه كمفهوم علمي له تاريخ قصير جداً، إذ يُعد ألبرت إليس (Albert Ellis) من أوائل الذين أدخلوه إلى التراث السيكولوجي، وأصبح له معنى ودلالة علمية. وقد وصف إليس هذا المفهوم وفسّره باعتباره أحد المكونات الأساسية للشخصية، حيث ظهر هذا الوصف بجلاء في نظريته التي أسماها “نظرية العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي” (Ellis, 1994).

وتعبر هذه النظرية عن طريقة إرشادية، تهدف إلى مساعدة الفرد في تعديل أفكاره اللاعقلانية المسببة للاضطرابات الانفعالية لديه إلى أفكار عقلانية تحقق له مستوىً مناسباً من الصحة النفسية (Ellis, 1994).

وفي هذا السياق حدّد إليس (Ellis) الأساس المعرفي للسلوك في معادلة تدعى (ABC)، حيث يقوم العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي على إقناع الفرد بأن النتائج الانفعالية غير المرغوبة (Emotional Consequence) ليست نتيجة حتمية للحدث (ACT)، بل نتاج الأفكار أو الاعتقادات الخاطئة التي يتبناها الفرد (Beliefs) .

لقد وردت تعريفات عديدة لمفهوم الأفكار العقلانية واللاعقلانية، كان من أبسطها ما أورده كل من إليس وهاربر، بأن العقلانية هي أي شيء يؤدي بالأفراد إلى السعادة والبقاء، بينما اللاعقلانية هي أي شيء يعيق السعادة والبقاء للأفراد (Daly & Others, 1983).

ويُشير إليس إلى أن نسق الاعتقادات لدى الفرد يتكون من جزأين، وهما: الأفكار العقلانية، والأفكار اللاعقلانية. وتتصف الأفكار العقلانية بجملة من الخصائص، من بينها، أنها: أفكار منطقية، وواقعية، وحياتية، أي متسقة مع الواقع، وتساعد الفرد على تحقيق أهدافه والتوافق النفسي، والتحرر من الاضطرابات الانفعالية، وتؤدي بالفرد إلى الإبداع والإيجابية والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، كما أنها ليست أفكاراً مطلقةً، فضلاً عن أنها تزيد من مشاعر المتعة والسعادة، ويصبح تحقيق الأهداف أسهل منالاً. أما النسق الثاني من الاعتقادات، فهو على النقيض في خصائصه من النسق الأول، حيث إن الأفكار اللاعقلانية هي المسؤولة عن إحداث الاضطرابات الانفعالية، والسبب في معظم الأعراض المرتبطة بالضغوط لدى الفرد، كما أنها تسيطر على تفكيره وتوجه سلوكه، فضلاً عن أنها أفكار غير واقعية، وغير منطقية، وغير إمبريقية، وغير مرنة، ودوغماتية في طبيعتها، ومطلقة، وغير ملائمة، وتؤدي إلى نتائج انفعالية غير سارة، ويُعبر عنها الفرد لفظياً في شكل الينبغيات، والوجوبيات (Shoulds, Musts)، مثل (يجب أن، ينبغي أن، من الضروري أن…)، وتؤدي إلى هزيمة الذات، وغالباً ما تكون نتاج الخصائص الفطرية وعملية التعلم (Gillilan, et al., 1984).

ويشير باترسون (Patterson) إلى أن نظرية إليس تقوم على مجموعة من الافتراضات، وهي:

العقلانية – اللاعقلانية لها أساس ولادي، أي أن الفرد يُولد ولديه استعداد لأن يكون عقلانياً ممثلاً لذاته، أو لاعقلانياً في سلوكه وهازماً لذاته. فالفرد عندما يفكر ويسلك بطريقة عقلانية، فإنه يصبح ذا فاعلية ويشعر بالسعادة والكفاءة.

وجود علاقة تكاملية بين الإدراك والتفكير والانفعال والسلوك، ولكي نفهم السلوك المدمر للذات، يتطلب فهم كيفية إدراك الفرد وتفكيره، وانفعاله، وسلوكه، فما الاضطرابات النفسية إلا نتاج التفكير اللاعقلاني.

التفكير اللاعقلاني من حيث المنشأ يعود بجذوره إلى التعلم المبكر غير المنطقي، والذي يكتسبه الفرد من أطراف عملية التنشئة الاجتماعية.

الإنسان هو كائن عاقل، ومدرك، ومفكر، ومنفعل، وناطق. فالتفكير واللغة متلازمان، حيث يتم التفكير من خلال استخدام الرموز اللفظية، وطالما أن التفكير يصاحب الانفعال والاضطراب الانفعالي، لذا يستمر الاضطراب الانفعالي لاستمرار التفكير اللاعقلاني. وهذا ما يُميز الشخص المضطرب بأنه يحتفظ بسلوكه غير المنطقي بسبب الحديث الداخلي أو الذاتي الذي يتكون عادةً من تفكير لاعقلاني.

استمرار الاضطراب الانفعالي الناتج عن الألفاظ الذاتية لا تتقرر فقط بالظروف والأحداث الخارجية فحسب، بل ويتأثر بإدراكات الفرد وتفكيره واتجاهاته نحو هذه الأحداث المسببة لهذا الاضطراب.

ينبغي مهاجمة الأفكار والانفعالات السلبية المدمرة للذات عن طريق إعادة تنظيم المعتقدات والاتجاهات التي يتبناها الفرد نحو تلك الأحداث بدرجة يصبح معها الفرد منطقياً وعقلانياً (Patterson, 1980).

 

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

عمر الهادي

مؤسس الأكاديمية الدولية للإنجاز

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×