يسعى الفرد دائمًا لنيل استحسان الآخرين، لأن بطبيعة النفس الإنسانية تبحث عن التقدير والاحترام والمدح والإطراء. فتحاول إظهار ما يميزها وإخفاء ما قد يحبط ردود أفعال الآخرين فيما يخص الإعجاب بكل أنواعه. هذا السعي وراء تقدير الآخرين، لكن هل فكرنا يومًا عن تقديرنا لذواتنا أو إنجازاتنا أو قدراتنا أو حتى تقديرنا لمظهرنا الداخلي والخارجي؟ كل هذا يدور حول ما يسمى بتقدير الذات.
تقدير الذات هو التقييم الذاتي والشعور بالأهمية والقيمة والقدر العالي. وهو يتعلق بنظرة الفرد وقناعاته عن نفسه وشخصيته وقدراته.
في العديد من الدراسات والأبحاث التي تخص علم النفس ككل، هناك متغيرات أساسية لمفهوم تقدير الذات تتلخص بالسعادة والرضا عن الحياة والإنجازات على مستوى الدراسة أو العمل أو العائلة.
العديد من النظريات قامت بمناقشة مفهوم تقدير الذات، ومن أبرز العلماء الذين ناقشوا نظرية تقدير الذات هو عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو، الذي وضع تقدير الذات كحاجة أساسية في هرم الحاجات الإنسانية، فقام بتوضيح مفهوم الذات بصورتين مختلفتين: الصورة الأولى هي الحاجة لتقدير الآخرين واستحسانهم وإعجابهم، أما الصورة الثانية فهي الحاجة لحب الذات والثقة بالقدرات الشخصية واحترام الذات وتقديرها ورفع قيمتها.
وكما وضح ماسلو أن الحاجة لتقدير الذات أكبر من الحاجة لتقدير الآخرين ليصل الإنسان لمرحلة عالية من الصحة النفسية، حيث أن التوازن بين الصورتين يتضح أنه كلما زاد حب الذات وتقديرها والشعور بالقيمة المرتفعة، كلما قلت الحاجة لإطراء ومدح وإعجاب الآخرين، مع ضرورة هذه الحاجة وعدم تجاهلها.
وكان لعالم النفس كارل روجرز نظرية تخص تقدير الذات، يوضح فيها أن بعض البشر يصورون أنفسهم بصورة قاصرة، يشكلون بها أفكارًا تمدهم بأنهم غير جديرين بالاحترام والحب من الآخرين.
من المقومات الأساسية لتقدير الذات:
1. المعتقدات وتكوينها في عقل الإنسان عن ذاته وتصوراته عن شخصيته وثقته في قدراته ومهاراته في حل المشكلات، كاعتقاد الشخص أنه ذكي وقوي قادر على اتخاذ القرار وقادر على إنجاز أعماله بشكل متقن، وأنه متميز وله قيمة في نفسه وفي قيمته عند الآخرين. وتنشأ المعتقدات منذ السنوات الأولى من عمر الطفل من خلال قيمة احترام الوالدين للطفل واحترامهم لبعضهما وللآخرين خارج محيط البيئة الأسرية.
2. عدم الشعور بالذنب عند اتخاذ القرارات التي تتبين فيما بعد أنها ليست سليمة، وهذا نابع من إيمانهم بأنفسهم وبقدراتهم وآرائهم، وثقتهم بحكمتهم في العديد من المواقف.
أما التقدير الذاتي المنخفض فيكون نتيجة عدة عوامل، قد تكون وراثية أو مجتمعية، فالبيئة والمجتمع والأفراد والأسرة والظروف، جميعها تلعب دورًا في تكوينه. وقد يكون التقدير الذاتي المنخفض نتيجة لخبرات سلبية مثل الفشل الدراسي أو التنمر.
وهناك العديد من الصفات التي يتصف بها الأشخاص ذوو التقدير الذاتي المنخفض، ومنها:
1. اللوم المستمر للذات على كل تصرف وكلمة، ومراجعة النفس وجلدها بالشعور المستمر بالذنب والخطأ.
2. الحساسية المفرطة تجاه الآخرين وآرائهم وانتقاداتهم، واعتبار النقد والرأي الآخر كاستنقاص واستخفاف.
3. الخوف من اتخاذ القرار والشعور الدائم بالقلق من المستقبل.
4. الشعور بالظلم وأنه الضحية في كل زمان ومكان.
5. عدم مسامحة النفس عند الفشل وعدم مساحة الآخرين، والشعور بضرورة الانتقام.
6. تحليل المواقف بشكل سلبي وسوء الظن.
7. البحث عن إرضاء الناس والكمال في العلاقات، والضغط على النفس من أجل إرضاء الآخرين.
8. تقديره لنفسه يعتمد فقط على آراء الآخرين، فعند وجود نقد أو في حال عدم تلقي المديح ينخفض مستوى تقدير الذات. فتقديره لنفسه مقترن بإعجاب الآخرين فقط.
من المقومات الأساسية التي تنمي التقدير للذات:
1. الاهتمام بالأفكار والمعتقدات الذاتية والتحكم في الأفكار التي تؤدي إلى التقليل من قيمة الذات.
2. تقبل الفشل وتقبل الشكل وتقبل الظروف واحترام اختلاف العقليات والمعتقدات والثقافات.
3. رفع مستوى الاستحقاق، مثل الشعور بأنك تستحق السعادة والنجاح والاحترام من الآخرين.
4. الابتعاد عن الأشخاص والعلاقات التي تتعمد النقد بهدف إلحاق الضرر.
5. مواجهة الصعوبات وكيفية التعامل المرن معها والتعود على اجتيازها بدلاً من البحث عن السهولة.
6. القناعات التي يحملها الفرد عن نفسه، أنه شخص مختلف ومتميز ويستحق كل التقدير والحب.
7. الاهتمام بالمظهر الخارجي.
8. الابتعاد عن التذمر والتركيز على الإيجابيات.
9. العمل والإنجاز والتطلع الدائم للتطوير وتحديد أهداف مستقبلية.
10. الترتيب والنظام والتخطيط المسبق للأعمال.
كلما ارتفع تقدير الذات، زاد الشعور بالسعادة والاستمتاع بصحة نفسية جيدة، وهذا يؤثر إيجابيًا على الأسرة والأبناء ويزيد من الإنتاجية.