مقالات وآراء

وراء كل وجه: قصص التسرع في إصدار الأحكام

الدبلوم المتكامل في الصحة النفسية

في مجريات الحياة اليومية التي نعيشها، نميل بشكل طبيعي إلى تكوين صورة سريعة وغير مكتملة عن الأشخاص الذين نقابلهم، نحن نتفاعل مع الظاهر من كلماتهم وأفعالهم، بينما تظل القصص التي يحملونها بداخلهم مخفية خلف ستار الخصوصية، هذه القصص، التي لا يعلمها إلا أصحابها، هي التي تحدد حقا من هم ولماذا يتصرفون كما يفعلون، واليوم، نود أن نقدم لكم رحلة خاصة عبر ثلاث قصص حقيقية وملهمة تدعونا لإعادة التفكير وتجنب التسرع في الحكم على الآخرين، لنبدأ معًا هذه الرحلة، ولنكتشف ما وراء كل وجه نقابله.

ثلاث قصص:

القصة الأولى:

سعاد امرأة شابة، كانت تسير في الشارع ذات يوم عندما رأت رجلاً بلا مأوى يجلس على الرصيف، كان قذرًا، وبدا وكأنه لم يأكل منذ أيام، شعرت سعاد بنوع من الشفقة عليه، لكنها سرعان ما رفضت فكرة التعاطف معه، وقالت في نفسها، “لا يوجد شيء يمكنني القيام به من أجله. إنه مجرد متشرد.”

ولكن بعد ذلك راودتها فكرة أخرى حين تذكرت القراءة عن رجل بلا مأوى غير حياته بعد أن حصل على وظيفة ومكان للإقامة، قررت الاقتراب من الرجل وسؤاله عما إذا كان بحاجة إلى مساعدة، كان الرجل مترددًا في البداية، لكنه أخبر سعاد في النهاية بقصته، لقد فقد وظيفته ومنزله قبل بضعة أشهر، وكان يعيش في الشوارع منذ ذلك الحين ويكافح للعثور على وظيفة ومكان للعيش، وبدأ يفقد الأمل.

استمعت سعاد لقصة الرجل وشعرت بالشفقة عليه، عرضت عليه مساعدته في العثور على عمل ومكان للإقامة، كان الرجل ممتنًا لها للمساعدة، وفي النهاية وقف على قدميه مرة أخرى.

توضح هذه القصة أنه لا ينبغي لنا أبدًا الحكم على شخص ما بناءً على مظهره أو ظروفه، لأن كل شخص لديه قصة، ولا نعرف ما الذي يمر به شخص ما إلا إذا أخذنا الوقت الكافي للتعرف عليهم.

القصة الثانية:

كان معتز طالباً في المرحلة الثانوية حين فاجأ أساتذته في وقت الراحة بقوله “أنا لا أؤمن بوجود الله!”، فهمّ أحدهم ليضربه، وسبّه الآخر لجرأته ولما اعتبره “كفراً”، لقد كان معتز مزعجًا في الصف، يتشاجر باستمرار مع طلاب آخرين، حتى أنه تم عقابه عدة مرات، وقف أحد المعلمين، وبلطف أجرى محادثة معه غيرت حياته، فأخبر معتز المعلم أنه لا يجد من يسمعه، لا في البيت ولا بين زملاءه، ولا يشعر أنه موجود إلا إذا فعل تصرفاً صارخاً يلفت انتباههم، وهذا ما فعلته قبل قليل، لكني أؤمن بالله، وأقسم لمعلمه أنه يحافظ على الصلوات!

بمساعدة معلمه، بدأ معتز في تغيير مسار حياته، توقف عن الوقوع في المشاكل في المدرسة، حتى أنه بدأ في تكوين صداقات، وبتوظيف مواهبه صار الجميع يتحدث عن تميّزه وتفوقه.

تُظهر هذه القصة أنه لا يجب أن نتخلى أبدًا عن شخص ما، بغض النظر عن مدى صعوبة ما يقول، كل شخص لديه ما يجب أن نسمعه منه، ويملك القدرة على التغيير، وعلينا دائمًا أن نقدم لهم فرصة للقيام بذلك.

القصة الثالثة:

اعتادت أمل أن تتشارك مع متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي بصور الأنشطة التي تمارسها في حياتها اليومية، والملاحظة الملفتة للانتباه، أنها كانت كل يوم عادة ما تغير نشاطها، مرة وهي تعزف على جيتار، وأخرى وهي تعلن عن البدء في كتابة قصة، ومرة وهي تجلس تعلم الأطفال شئياً ما، وهكذا كل يوم هي في قصة جديدة ومختلفة تماماً عن سابقاتها!

لم يرق لمن يتابعها هذه التقلبات في حياتها، معتبرين أنها غير جديرة بالمتابعة لتكون قدوة لمتابعيها!

ولكن كان لها قصتها الخاصة، ملخصها هو حرمانها من أبيها وأمها وهي طفلة صغيرة أدخلها في اضطراب “البحث عن ذاتها وهويتها الحقيقية، مع ضعف شديد وعدم قدرة على التركيز على نشاط واحد لفترة طويلة، بل وفقدان الاستمتاع به!

 تُظهر هذه القصة أنه لا يجب أن نحكم على الأشخاص من ظاهر أفعالهم، كل شخص لديه قصته التي يعبر عنها بما يراه هو صحيحاً وبما يعتبره شكلاً من أشكال السعادة لنفسه والبقاء على قيد الحياة!

الخلاصة:

هذه مجرد ثلاث قصص توضح سبب أهمية عدم التسرع في إصدار الحكم على شخص ما، حيث إن كل شخص لديه قصة، ولا نعرف ما الذي يمر به شخص ما إلا إذا أخذنا الوقت الكافي للتعرف عليهم.

لذلك في المرة القادمة التي تميل فيها إلى الحكم على شخص ما، خذ خطوة للوراء وتذكر أنك لا تعرف القصة بأكملها.

 

من قصص نجاح المشاركين في دوراتنا

د. محمود الراشد

أخصائي في مجال التقييم النفسي والتنبؤ، خبرة في التحليل النفسي لرسومات الأطفال واكتشاف ميولهم وطموحاتهم. قدم الدكتور محمود العديد من الدورات والورش التدريبية التي استهدفت الأخصائيين والمربين، واشتهر بقدرته على تحويل المعرفة العلمية إلى أدوات تطبيقية. يشغل الدكتور محمود منصب المدير العام المؤسس للأكاديمية الدولية للإنجاز، وهي مؤسسة تدريبية متخصصة في ماليزيا. بالإضافة إلى ذلك، فهو: عضو فاعل في رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية (رانم) وعضو جمعية علم النفس الأمريكية (APA). عضو قسم المحللين السلوكيين في الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) A member of the Behavior Analyst Division in American Psychological Association (APA)

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
×