الصدمة النفسية تتمثل في ضغط نفسي شديد، إلا أن الضغط لا يمكن اعتباره صدمة إلا إذا أدى إلى استغلال الفرد حيث يستجيب له بعدة اضطرابات وتحمل الصدمة لا يتوقف على الوضعية أو الحالة النفسية بل حسب خصائص الفرد»(أحمد محمد الحواجري، الصدمة النفسية، دائرة التربية والتعليم وكالة الغوث غزة ، 2003، ص 20).
أنواع الصدمات النفسية:
حسب نوعية الحدث الذي تسبب في حدوثها نوعين وهي كالتالي:
الناتجة عن كوارث غير طبيعية (من صنع الإنسان) :
« وتتضمن كل من الانفجارات من كل نوع، الاعتداءات ،الأسر، الاغتصاب…الخ. وتعتبر الكارثة الحربية إحدى أقصى الصدمات منذ وجد الإنسان والمرتبطة مباشرة بالموت وتمتاز لكونها تخلق محيطاً مهدداً بالموت بحيث يطال هذا التهديد أعداد كبيرة من البشر» (أحمد محمد النابلسي، ص 32).
الصدمة النفسية الناتجة عن كوارث طبيعية :
« وتتضمن كل من الزلازل والأعاصير والفيضانات وانفجار البراكين …وغيرها. ولقد درس الباحثون ردود الفعل النفسية لدى الناجين من الزلازل (سان فرانسيسكو) الزلازل اليابانية، كما تمت دراسات كوارث من نوع انهيار سد “”MALPANET والتي أثبتت وجود فروق أساسية للآثار النفسية تميز بين ردود أفعال الأفراد أمام كل من هذين النوعين من الكوارث».(أحمد محمد النابلسي، ص 32) .
ما بعد الصدمة:
أحياناً يتم تشخيص حالة ما بأنها تعاني من عوارض بعد الصدمة في حالة تعرض هذه الحالة لحادث ماء أو موقف مؤثر جداً مما يظهر لديه سلسلة من الأعراض التي قد تستمر لشهر أو ربما لأكثر. ومن الأمثلة على هذه الحوادث والمواقف: التعرض لحادث صعب، الموت المفاجئ لشخص عزيز، أو مشاهدة حادث أمام أعيننا، أو الاعتداء على الأطفال أو ظاهرة اغتصاب …الخ.
وقد ظهر نوع جديد من الاضطرابات يُسمى الاضطرابات المعقدة حيث يمكن أن يتعرض المصاب لسلسلة من الأحداث المتتالية التي تسبب له صدمة بشكل تدريجي وليس التعرض لحادث واحد فقط، ومن الأمثلة على ذلك التعرض إلى صدمات خلال فترة الطفولة وفجأة التعرض لصدمة أخرى في مرحلة الرشد (أحمد محمد الحواجري، ص 23).
يوجد ثلاثة أعراض رئيسة للشخص المصاب بالصدمة وهي كالتالي:
استرجاع الحدث الذي يسبب الصدمة: من خلال تذكر الموقف كوابيس ليلية، ردات فعل عاطفية وجسدية مبالغ فيها على الأشياء التي تذكر بالحدث.
التجنب والحذر: من خلال تجنب الشخص للأماكن التي تذكره بالأنشطة التي رافقت تعرضه للصدمة. تجنب التفكير والمشاعر والحديث عن الصدمة أو الأحداث التي رافقتها . عدم الرغبة في عمل أي شيء في الحياة. الشعور أن الجسد مخدر وعدم القدرة على عمل أي شيء والانزواء والانسحاب من حياة الآخرين وتجنب التواصل الاجتماعي.
الحذر المفرط: من خلال صعوبات في النوم أو ربما النوم لساعات طويلة بشكل متواصل، انفجارات غضب مفاجئة وأحيانا لأسباب تافهة، صعوبة في التركيز والقيام بالأعمال الاعتيادية. الحذر المبالغ فيه، الشعور الدائم بالخوف والخطر في أي مكان وليس بالضرورة فقط في الأماكن التي ارتبطت بحدوث الموقف أو الصدمة. المبالغة في ردات الفعل كتغطية الرأس مثلاً عند سماع صوت محرك السيارة.
كما أن هناك بعض الأعراض الأخرى التي تصيب الفرد المصاب بصدمة ومنها:
النوبات العنيفة : بعض المصابين قد يتعرضون لنوبات حادة عند مرورهم بمواقف وأحداث تذكرهم بالصدمة التي تعرضوا لها كرؤية شرطي خاصة شرطة مكافحة الشغب. وقد تشمل الأعراض الجسدية هنا سرعة واضطرابات ضربات القلب والتعرف الشديد والشعور بضيق التنفس أو الاختناق، الارتعاش في الجسد، ألام في الصدر الغثيان والشعور بالدوران وارتفاع حرارة الجسم والإحساس بالخدر في الجسم، أو الشعور بوخز في الجسم كما يمكن أن يشعر المصاب بأعراض نفسية كالشعور أنه غير حقيقي أو الخوف من الإصابة بالجنون أو الخوف من الموت ومن الإصابة بنوبات قلبية.
السلوك الانزوائي الحاد: أحيانا كثيرة لا يقتصر التجنب على المواقف المرتبطة بالحادث وإنما يصبح الانزواء سلوكا يومياً يطال كافة جوانب حياة المصاب وقد تزداد حدة هذه الحالة بحسب المصاب نفسه في البيت.
الاكتئاب: أحياناً كثيرة يتعرض المصابون للشعور بالاكتئاب وعدم الرغبة في القيام بالأعمال التي كانت تشكل مصدر متعة لهم فيها مضى. كما قد يتكون لديهم شعور بالحنق وأحياناً يلومون أنفسهم على ما حدث ويحملون ذاتهم المسئولية عن الخطأ الذي قادهم للتعرض للصدمة رغم أن هذا يبدو غير صحيح بشكل قطعي. فمثلاً يمكن للبعض أن يحملوا أنفسهم مسؤولية تعرضهم للعنف من قبل الشرطة أو يحملون أنفسهم مسؤولية عدم قيامهم بتقديم الحماية لشخص تعرض لمثل هذا الموقف أمام أعينهم.
التفكير والشعور بالرغبة في الانتحار: أحياناً يصل الاكتئاب بالمصاب إلى مرحلة التفكير بالانتحار. حيث أن ما نسبته 50% ممن تعرضوا للاغتصاب أ شاروا إلى أنهم فكروا بالانتحار، إذا شعرت أنك أنت أو شخص قريب منك يفكر بالانتحار بعد التعرض لصدمة، من المهم بمكان استشارة الأخصائي المناسب لتقديم المساعدة في هذه الحالة.
العنف الشديد: أحياناً كثيرا فإن المصابين بصدمة قد يلجئون سواء بوعي أو بغير وعي لتناول المشروبات الكحولية والمخدرات( سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية) من أجل التخفيف من حدة الألم الذي يعانونه. وفي الواقع فإن اللجوء إلى المخدرات والكحول يزيد من صعوبة التعافي من أثار الصدمة حيث أن الكحول والعقاقير قد تزيد الوضع سوء.
الشعور بالغربة والانعزال: المصابون باضطرابات ما بعد الصدمة يحتاجون إلى الدعم من الآخرين، إلا أنهم كثيراً ما يشعرون بالغربة والعزلة والبعد عمن يمكن أن يقدم لهم المساعدة والعون، ويعتقدون أنه من الصعب أن يتفهم الآخرون الظروف التي مروا فيها وربما يشعرون أنه ليس من الممكن أن يقوموا بأي دور اجتماعي جديد، ويلاحظ هنا أن اضطرابات العلاقة مع الأصدقاء والمحيطين والأهل من أهم الآثار التي ترافق أولئك الذين يتعرضون للصدمات.
عدم القدرة على السيطرة على البكاء: أحياناً يأخذ المصابون بالبكاء لفترات طويلة متواصلة. فتذكر الحدث يسبب للمصاب شعوراً بالحزن العميق والذي يعبر عنه بالبكاء المتواصل الذي يكو أحياناً صامتاً وأحياناً يترافق مع الصراخ.
التأثير السلبي على المهام اليومية: بعض من يتعرضون من اضطرابات ما بعد الصدمة يعانون من صعوبات في القيام بوظائفهم الاعتيادية اليومية، فبعض المصابين قد يصبحون عاجزين عن القيام بالأعمال الاعتيادية التي اعتادوا القيام بها أو الالتزام بمهام جديدة وواجبات يومية.
الغضب والنزف: هو من ضمن ردات الفعل الطبيعية لدى من يتعرضون للصدمات. فعند تعرضك لاعتداء ماء فإن الشعور بالغضب ما هو إلا ردة فعل طبيعية ومبررة إلا أن الغضب المتواصل قد يؤثر سلباً على فترة العلاج لكونه سيؤخر من المدة اللازمة لإعادة الانسجام مع الآخرين سواء في البيت أو في العمل أو مع الأصدقاء أو حتى مع من يقدمون العلاج.
فالمصاب بصدمة قد يثور غضبه لأتفه الأسباب وتنتابه نوبات غضب حادة تجاه أي موقف حيث أن الغضب في هذه الحالة موجه بالأساس للحادث الذي مر به.(أحمد محمد الحواجري، المرجع السابق، ص24).
خصوصية التعامل مع الصدمات النفسية للأطفال:
يجب النظر إلى أن طريقة التعامل مع الصدمات النفسية للأطفال تختلف عنها مع الكبار ويرجع ذلك لعدى أسباب أهمها:
عدم قدرة الأطفال على التعبير عن أنفسهم وأفكارهم وما يعانون مقارنةً بالكبار.
يختلف تفسير تعبيرات الطفل عما يشعر به لأنها قد تعبر عن شيء مختلف تماماً عما يعانيه نفسياً ولا يستطيع أن يعبر عنه لفظياً.
استخدام أسلوب العلاج بالكلام للصدمات النفسية لدى الكبار لا يصلح مع الصدمات النفسية عند الأطفال، فهو فضلاً عن عدم معرفته التعبير بالكلام عن صدمته النفسية فإنه كذلك لا يعرف أي كلمة تعبر بوضوح عن ألامه ومعاناته، وأيضاً قد لا يفهم ويستوعب ما يقصده الكبار حين سؤاله عن حالته أو معاناته.
الأطفال يحتاجون إلى أساليب مناسبة للتواصل معهم تتناسب وطبيعة المرحلة العمرية التي يعيشونها، كما أن كل طفل له احتياجاته الخاصة ومن ثمّ ينبغي التعامل معه بالأسلوب الذي ينفع معه، لتحقق تواصل جيد معه.
مرحلة التواصل مع الأطفال:
الهدف من التواصل مع الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية هو مساعدته في التفاعل بشكل إيجابي مع الأخصائي النفسي، مما ينعكس إيجاباً على نجاح المخطط العلاجي.
ونجاح التفاعل المتبادل مع الأطفال يتوقف على:
قوة شعوره بالأمان في التواصل معك (خاصةً الأمان النفسي) نحوك.
إحساس الطفل بتقبّلك النفسي له، وتفهمُك لحالته وقوة رغبتك في مساعدته مهما كان الجهد المبذول منك وأيّاً كانت التحديات.
ليكن تواصلك معه متدرجاً حتى تكسب ثقته ويعتاد عليك
تعرّف على ما يحبه وما يكرهه قبل بدء التواصل معه، واحتفظ بكافة التفاصيل المتعلقة به وبالمعلومات الهامة التي تفيد في نجاح التواصل معه، واستخدم ما يحب سواء مادياً أو معنوياً وتجنب كل ما يكره سواء في أسلوب التواصل معه أو الحوار أو ما شابه.
تواصل معه باللغة التي يفهمها مستخدماً الكلمات والتعبيرات والتوضيحات والأمثلة وحركات الجسد التي تتناسب مع قدراته العقلية لمرحلته العمرية.
امنح الأطفال فرصة أكبر للتعبير عن أنفسهم بالطريقة التي يحبونها وراقب وسجل وحلل.
أظهر لهم حبك للاستماع لهم ومتابعة أداءهم وأنشطتهم ولا تنشغل عنهم بأي شيء كهاتف أو النظر بعينيك بعيداً عنهم، مهما كانت مبرراتك.
تذكر:
بأنّ لكل طفل خصوصيته والتي يجب مراعاتها عند التعامل مع الأطفال.
صور من الصدمات النفسية للأطفال:
نعرض هنا بعضاً من نماذج للصدمات (من واقع الحياة كما يذكرها مستشارونا) على أن نستكمل ملف الصدمات النفسية في مقال لاحق…
تعرض أحد الأطفال لصدمة نفسية في عمر 3 سنوات من معاملة المربية له، واهتمامها الزائد بابنها مقارنةً به، واستمرار ارتفاع الصوت لها موجهةً بعنف الكلام له.
تعرض طفل آخر لصدمة نفسية نتيجة التعامل العنيف من معلمته بالمدرسة له، ودون علم والده وأمه، وتم اكتشاف سوء المعاملة له بعد أن رصدوا عزلته بالمنزل وبكاءه المتواصل ليلاً دون سبب.
تعرض طفل آخر لصدمة نفسية نتيجة تعرضه لاعتداء جنسي من أخيه.
الصدمات النفسية الناجمة للأطفال من الحروب.