فيلم “Split” للمخرج M. Night Shyamalan هو تصوير معقد لاضطراب الهوية الانفصامية (DID)، المعروف سابقًا باسم اضطراب الشخصية المتعددة. في قلب هذه القصة المرعبة يقف كيفن ويندل كرامب، وهو رجل يضم في داخله 23 شخصية متميزة، مع ظهور الشخصية الرابعة والعشرين. من خلال كيفن، يدرس الفيلم تعقيدات الصدمة والهوية وقدرة العقل البشري المذهلة على التقسيم والتكيف.
نشأة اضطراب الشخصية الانفصامية لدى كيفن:
شخصيات كيفن المتعددة، هي نتيجة للإساءة الشديدة في مرحلة الطفولة. غالبًا ما ينشأ اضطراب الشخصية الانفصامية من أحداث صادمة شديدة، خاصة خلال السنوات التكوينية. العقل، في محاولة لحماية نفسه، ينفصل ويشكل هويات بديلة
لتحمل العبء الأكبر من الصدمة.
الحشد:
تشير ثلاثة من شخصيات كيفن – دينيس وباتريشيا وهيدويغ – إلى أنفسهم باسم “الحشد”. إنهم يسيطرون على الآخرين، ويؤكدون سيطرتهم وينظمون أحداث الفيلم. يُظهر إيمانهم الموحد بكيان خارق قادم الوهم المشترك وآلية التكيف لتبرير أفعالهم وإيجاد الهدف وسط الفوضى.
يتوهم الحشد بوجود قوة خارقة تسمى “الوحش”. هذا الوهم ليس مجرد آلية دفاعية، بل هي استراتيجية البقاء. من خلال الإيمان بهذا الوهم، يمكن للشخصيات أن يجدوا هدفًا أو معنى في حياتهم، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين.
باري: حارس السلام
باري هو الشخصية “الجبهة”، الذي يتعامل بشكل أساسي مع العالم الخارجي ويحضر جلسات العلاج. إنه بمثابة حارس بوابة من نوع ما، ويقرر الشخصية التي ستتولى السيطرة. إن طبيعته الحمائية ومحاولاته للحفاظ على التوازن تسلط الضوء على رغبة العقل الباطن في الحياة الطبيعية وسط الاضطرابات الداخلية.
قدرات العقل البشري الخفية:
الدكتورة فليتشر، معالج كيفن، تقدم نظرة ثاقبة لعالم اضطراب الشخصية الانفصامية. من خلال جلساتها مع كيفن (في الغالب مع باري)، تفترض أن التغيرات الجسدية بين الشخصيات – مثل التغيرات في مستويات السكر في الدم أو التعرض لبعض الأدوية – هي دليل على القوة الهائلة للإيمان وقدرة العقل على تغيير وظائف الجسم.
الدكتورة فليتشر تحاول أن تقنع العالم العلمي بأن DID يمكن أن يكون مفتاحًا لفهم قدرات العقل البشري الخفية. تكتشف بالتدريج أن هناك حدودًا بين الإيمان الأعمى والبحث العلمي، وهذا التوتر يعكس التحدي الذي يواجهه كيفن في البحث عن هويته وهدفه.
دينيس: النظام وسط الفوضى
دينيس، أحد أكثر الشخصيات شراً، يعاني من اضطراب الوسواس القهري. إنه يمثل حاجة كيفن اللاواعية للسيطرة وسط فوضى نفسيته. إن هوسه بالنظافة والنظام يقارن بين الطبيعة الفوضوية لوجود الجسد المشترك.
باتريشيا: الخصم الأمومي
باتريشيا، على الرغم من إظهار نوايا خبيثة، إلا أنها تتمتع بسلوك هادئ. إنها تجسد شخصية أم ملتوية، وتقدم نظرة ثاقبة لعلاقة كيفن بالسلطة وربما تعكس علاقته مع والدته المسيئة.
القنفذ: الطفل الأبدي
هيدويغ، صبي يبلغ من العمر تسع سنوات، عالق في البراءة والسذاجة الدائمة. إنه يدل على التطور المتوقف الذي سببته تجارب كيفن المؤلمة المبكرة ويرمز إلى الجزء منه الذي لم يكبر أبدًا.
الوحش: ذروة الصدمة
تمثل الشخصية الرابعة والعشرون “الوحش” ذروة صدمات كيفن. هذا الكيان، الذي يمتلك قدرات خارقة، هو مظهر من مظاهر الغضب والألم والرغبة المكبوتة لدى كيفن في التمكين ضد مضطهديه.
الاستجابات الجسدية للشخصيات:
واحدة من أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في الفيلم هي القدرة على تغيير الظروف الجسدية بين الشخصيات المختلفة. هذا لا يشير إلى قوة العقل في تغيير واقع الجسد وفقط، بل يدل أيضًا على تعقيدات الهوية في مستوى جسدي.
القوة والضعف في التغيير:
كل شخصية تحمل معها قوة وضعف. دينيس قوي ولكنه مضطرب، باتريشيا هادئة لكنها محتالة، وهيدويغ ناضج ولكنه ناضج. تأتي هذه التفاوتات في الشخصيات كتجليات للتعقيد والتناقض في النفس البشرية.
خاتمة:
“Split” يقدم لمحة مثيرة للجدل ولكنها مقنعة في عالم إضطراب الشخصية الانفصامية. بينما يأخذ الفيلم الحريات الإبداعية، فإن شخصية كيفن ويندل كرومب هي بمثابة شهادة على مرونة العقل البشري وقدرته المذهلة على التكيف في مواجهة الصدمات. إنه يثير أسئلة مؤثرة حول طبيعة الهوية، وتداعيات إساءة معاملة الأطفال، والمدى الذي ستذهب إليه النفس لحماية نفسها. من خلال سرد متعدد الطبقات، يدفع “سبليت” المشاهدين إلى متاهة من المشاعر، ويتحدى المفاهيم المسبقة ويترك تأثيرًا دائمًا على تصورات الصحة العقلية.
فيلم “Split” هو دراسة معقدة في الصدمة، الهوية، وقدرة العقل البشري على التكيف والتحول. يقدم الفيلم نظرة غير تقليدية لاضطراب الهوية الانفصامية، ويتيح فرصة للتفكير العميق حول الطبيعة المتعددة الأوجه للإنسانية. من خلال التحليل النفسي لكيفن وشخصياته، يمكننا أن نرى كيف يمكن للصدمات والتجارب أن تشكل وتغير هويتنا، وكيف يمكن للعقل البشري أن يكون في نفس الوقت قوياً وهشاً.